أى فضل هذا وأى كرم أعطاه الله للشهداء؟ إذ بلغ كرمه للأجساد وهى تحت الأرض لا يراها أحد فكيف يكون كرمه فى جنة عرضها السموات والأرض؟!..
المستشار رجب عبد السميع وأ. عادل سعد
بقية: ابتلاءات أهل البيت ومحنهم
بقية: ابتلاءات أهل البيت في عهد النبي J
2- رجال ونساء من آل البيت نالوا شرف
الشهادة فى حياة الرسول J:
أولًا: استشهاد سيدنا حمزة (أسد الله وأسد رسوله):
بهذه الكلمات: (اخرج مع الناس، وإن أنت قتلت حمزة فأنت عتيق) وعدت قريش عبدها الحبشى: وحشى غلام جبير بن مطعم لتظفر برأس حمزة مهما كان الثمن، الحرية والمال والذهب الوفير، فسال لعاب الوحشى، وأصبحت المعركة كلها حمزة 0، وجاءت غزوة أحد، والتقى الجيشان، وراح حمزة 0 لا يريد رأسًا إلَّا قطعه بسيفه، وأخذ يضرب اليمين والشمال والوحشى يراقبه.
يقول الوحشى: … وهززت حربتى حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فى ثنته (ما بين أسفل البطن إلى العانة) حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوى فغلب فوقع، فأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتى، ثم تنحيت إلى العسكر، ولم تكن لى بشيء حاجة غيره، وإنما قتلته لأعتق…
وقد أسلم الوحشى من بعد فقال: خرجت حتى قدمت على رسول الله J المدينة، فلم يرعه إلا بى قائمًا على رأسه أتشهد بشهادة الحق، فلما رآنى قال: وحشى … قلت: نعم يا رسول الله … قال: اقعد فحدثنى كيف قتلت حمزة؟ .. فلما فرغت من حديثى قال: ويحك غيِّب عنى وجهك فلا أرينك! … فكنت أتنكب عن رسول الله J حيث كان، لئلا يرانى حتى قبضه الله U.
واستشهاد سيد الشهداء 0 لم يرض الكافرين وإنما وقعت هند بنت عتبة والنسوة اللاتى معها، يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله J يجدعن الآذان والأنف، حتى اتخذت هند من أذان الرجال وأنوفهم خدمًا (خلخال) وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيًّا … وبقرت عن كبد حمزة، فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها. ويقول النبى J: “لو دخل بطنها لم تمسها النار”، (وقد أسلمت من بعد).
حزن الرسول على حمزة:
وخرج الرسول J يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادى قد بقر بطنه عن كبده ومثل به، فجدع أنفه وأذناه، فقال الرسول J حين رأى ما رأى: “لولا أن تحزن صفية([1]) ويكون سنة من بعدى لتركته حتى يكون فى بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرنى الله على قريش فى موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلًا منهم!. وقال J: “رحمك الله أى عم، فلقد كنت وصولًا للرحم، فعولًا للخيرات”.
فلما رأى المسلمون حزن رسول الله J وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يومًا من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب.
فنزل قوله تعالى: )وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ( (النحل: 127).
فعفا رسول الله J ونهى عن المثلة، وأمر بحمزة فسجى ببردة، ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى فيوضعون إلى حمزة، فصلى عليهم وعليه معهم، حتى صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة … وكان ذلك يوم السبت، للنصف من شوال سنة 3 للهجرة.
البكاء على حمزة:
مر الرسول J بدار من دور الأنصار من بنى عبد الأشهل وظفر، فسمع البكاء والبواح على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله J فبكى ثم قال: “ولكن حمزة لا بواكى له” .. فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بنى عبد الأشهل، أمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله J، ولما سمع رسول الله J بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن على باب مسجده يبكين عليه، فقال: “ارجعن يرحمكن الله، فقد آسيتن بأنفسكن”.
وروى عن الحاكم عن علي 0 أنه قال: إن فاطمة كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة، فتصلى وتبكى عنده.
فضل سيدنا حمزة:
قال رسول الله J: “سيد الشهداء عند الله حمزة بن عبد المطلب” … كما قال لعلى ابن أبى طالب: “يا علي! أما علمت أن حمزة أخى من الرضاعة، وأن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب”.
قصة عين معاوية:
لما أراد معاوية أن يجرى عينه التى بأُحد كتبوا إليه: إنا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء … فكتب إليهم: انبشوهم … يقول جابر بن عبد الله: فرأيتهم يحملون على أعناق الرجال كأنهم قوم نيام … وأصابت المسحاة طرف رجل حمزة بن عبد المطلب فانبعث دمًا.
كرامة مرئية وحسية لأسد الله عم النبى J:
يحكى الشيخ/ محمود الصواف الحادثة العظيمة التى تشرف بها بعض العلماء فى إعادة دفن بعض الصحابة. من شهداء أحد وكيف أنهم شاهدوا الصحابة 7 بعد مضى 1400 سنة من استشهادهم 7، وكيف أن أجسادهم باقية كما هى لم تتغير ولم تتعفن ولم تتحلل. حيث قال: مقبرة شهداء أحد أصابها سيل فانكشفت الجثث فدعى مجموعة من كبار العلماء لإعادة دفن هؤلاء الصحابة. ويحدثنا الشيخ محمود الصواف أنه حضر ذلك بنفسه فيقول: ممن دفنت حمزة 0، فيقول: ضخم الجثة مقطوع الأنف والأذنين، بطنه مشقوق وقد وضع يده على بطنه، فيقول: فلما حركناه ورفعنا يده سال الدم، ويقول: دفنته مع من دفنت من صحابة النبي J من شهداء أحد”. وأضاف قائلًا: “فهذا أمر ثابت بالتواتر وبرؤية العين، بلغنا الله وإياكم مكانة الشهداء، وقد حدثنا أى الشيخ عن ريح المسك التى فاحت لما سال الدم” أي: من جسد حمزة 0.
أى فضل هذا وأى كرم أعطاه الله للشهداء؟ إذ بلغ كرمه للأجساد وهى تحت الأرض لا يراها أحد فكيف يكون كرمه فى جنة عرضها السموات والأرض؟!
وإذا كانت هذه هى مكانة الشهداء عامة وجزاؤهم عند رب العالمين، فما بالكم بمكانة الشهداء من آل بيت النبى J من فضل وكرامات ميزهم بها الله تبارك وتعالى؟. إن قصة سيد الشهداء هى خير دليل على ذلك وبرؤيا العين، وهى أبلغ دليل للرد على المنكرين والحاسدين والحاقدين لآل البيت فهذا فضل الله يختص به من يشاء. وهذا نور سيدنا محمد J وأنوار آل بيته الأطهار.
إن الشهداء لهم رائحة عطرة زكية تستمر حتى يوم القيامة تنبعث من الأماكن التى استشهدوا فيها والأماكن التى دفنوا فيها، وتدل دلالة واضحة على أنهم فى رياض الجنة، محاطين بروح من نسماتها، وتظللهم رحمة الله Y.
====================================
([1]) السيرة النبوية، ابن هشام، الجزء الثالث، ص 71، دار التراث العربى.