لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود مما خلقه في الأرض والسماء وما فيهما، خلقه الله ليعمر به ملكه وملكوته، وجعله خليفة عنه في أرضه، والخليفة في الأرض هو سيد مَن في الأرض ومَن في السماء، وجعل له ملك الأرض مقرًّا للإقامة ومستقرًّا له بعد موته، ثم ينشئه النشأة الثانية، فيمنحه الملك الكبير.
لذلك ابتلاه الله تعالى بأن سخر له ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه، وصرَّفه تصريف الربوبية في المُلْك، فكل ما في المُلْك والمَلَكُوت مسخَّر له بإذنه تعالى.
السيد أحمد علاء أبو العزائم
نائب عام الطريقة العزمية
الشرائع السابقة للإسلام باتت غير كافية ولا مؤكدة:
باتت الشرائع السابقة للإسلام غير كافية للقضاء عــلى عــــادات الجاهلية، وخصوصًا أنها قد تبدد بعضها وصارت آثارًا كالحنيفية.
وما كان منها مشهورًا اختلف الأتباع – وهم أهل الكتاب – فصارت شرائع أنبيائهم غير مؤكدة لاختلاط الصحيح بغيره وتضييع الأمانة.
اختلاف اليهود والنصارى
واختلاف اليهود على موسى بن عمران A؛ لأنه عندما حضـره الموت سلم التوارة لسبعين رجلًا من خيرة بني إسرائيل، وأناب عنه يوشع، فتمسكوا بما فيها؛ حتى جاء قرن بعد قرن، فغيّروا وبدّلوا وحرّفوا بعد أن قامت الحجج.
فسبحان مَن جعل شرف الديكة فوق شرف بعض بني الإنسان!.
واختلاف النصارى أن بعضهم قال: إن عيسى ابن الله، وبعضهم قال: هو الرب، وبعضهم قال بقداسة مريم.
وسبب ذلك أن المسيح لما رُفِع، وقدَّر اللهُ صَلب يهوذا الأسخريوطي؛ لأن جند الرومان الذين كُلِّفوا بصلب المسيح كان معهم رجلان محكوم عليهما بالصَّلب ومعهم يهوذا الذي دل عليه، وكان من عادة الرومان أن لا يرفعوا الرجال على الصليب إلا قبل الفجر بقليل، فخرجوا إلى الصــحراء خوفًا من تعصب أتباع
المسيح؛ لأنه كان له رجال كثيرون يحبونه لما أظهره من المعجزات الباهرات.
واختلاف النصارى أن بعضهم قال: إن عيسى ابن الله، وبعضهم قال: هو الرب، وبعضهم قال بقداسة مريم.
فلما جاء وقت الصلب رفع اللهُ المسيح، وقام الرومان ففتشوا عليه فوجدوا يهوذا لابسًا كلباسه ووجهه كوجهه ولحيته كلحيته، فلم يشكوا أنه هو، فقبضوا عليه ووضعوه على الصليب…
والرومان يعتقدون أنه المسيح بدليل قوله تعالى: )وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ( (النساء: 157)، أي أن يهوذا كان أشبه الناس به، فصلبوه على أنه هو المسيح، وبعد صلبه أخرجوه فصنعوا له لحدًا ووضعوه في القبر، وبينما هو على الصليب جاء جندي آخر فقال: ليس هذا المسيح ولكنه خادمه، فأخرجوه من القبر وألقوه خارج الصحراء؛ خوفًا من أن يفتش عليه فيثبت لدى الرؤساء أنه غيره فيؤاخذون الجنود.
وكان تلاميذ المسيح أربعة ففزعوا خوفًا من أن يصلبهم الرومان، وفر متّى ولوقا ويوحنا المعمداني، وكان بطرس قبض عليه من قبل ذلك وسئل: هل أنت تلميذ ليسوع أو تعرفه؟، فقال: لست تلميذه ولا أعرفه، وبطرس هذا هو الذي قال للمسيح يوم أحيا له عاذر: أنت الرب، فقال له المسيح: لقد قلتَ كلمة أغضبت الرب، وستنكرني غدًا يا بطرس. فتأخر عن التلاميذ الثلاثة.
فلما فروا ليلًا إلى الصحراء آووا إلى كهف هناك، فجاءهم إبليس في لباس عراقي وجلس في جانبهم يبكي؛ حتى أبكاهم، فقالوا: علام تبكي؟، فقال: على ابن ربنا الذي صلبه أعداؤنا، ثم نظر إليهم فقال: ما تقولون فيمن يخلق من الطين طيرًا، ثم ينفخ فيه فيكون طيرًا؟، قالوا: هذا هو الرب؛ بلسانهم.
فقال متّى وقال يوحنا: كذبت، المسيح ليس هو الرب، وقال لوقا: صدقت هو الرب، واحسرتاه وبكى، فأخذه على يمينه.
ثم نظر إلى الاثنين وقال: ماذا تقولان في رجل ولدته قديسة من غير رجل وتكلم وهو في المهد عند نزوله من أمه، ثم أحيا الموتى، ثم …، ثم …، أليس هو ابن الرب؟، فقال يوحنا: كذبت، تنزه ربنا وتعالى عن أن يلد أو يولد، المسيح لم يرض أن يكون معلمًا صالحًا، فكيف يرضى أن يكون ربًّا أو ابن رب؟. وقال متّى: صدقت هو ابن الرب كما تقول، فأخذه على يمينه.
ثم نظر إلى يوحنا وقال: ما تقول في رجل أخبرنا عن الغيب المكنون، وجذبنا إلى ملكوت السماء، وأخرجنا من الهاوية، أليس هو ثالث ثلاثة؟، فقال: نعم؛ هو ثالث ثلاثة.
فأضلهم جميعًا، وانتشروا في البلاد، فكان منهم رجل بمصر ورجل بروما، فرجل مصر أبقى له بقية وهو البطرك، ورجل روما أبقى له بقية وهو البابا، وهذا سبب اختلاف النصارى، والثالث فر إلى بلاد الشام والعرب، فمنه بقية نصارى الشام والعرب واختلافهم في عيسى إلى ما قررته لك.
وقد اختلف اليهود والنصارى، فقال اليهود: عزير ابن الله، وهو شمويل، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله.
وكذلك اختلفوا في مذاهبهم ونحلهم، ومللهم، فمنهم الماثونية واليعقوبية وغيرهما، وهم بضع وسبعون ملة، وقد حدث الآن مذهب زائد وهو مذهب البروتستنت، الذين يسمون “الإنجيليين” وهم أبعد الناس عن تعاليم الإنجيل.
مولد رسول الله هو الخط الفاصل بين مرحلتين من تاريخ البشرية
مع كل هذا الظلام أصبح العالم في حالة من الخراب والفوضى، ووصل المستضعفون إلى حالة من اليأس ليس لها نظير، وكان أملهم الوحيد ما جاء على لسان أهل الكتاب من مبعث نبي آخر الزمان، الذي بمبعثه تستقيم الإنسانية، وينقشع الظلام، ويعم النور، وينشر العدل.
وكان يهود تهامة وجنوب الحجاز كلما رأوا شدة من العرب قالوا لهم: سيبعث رسول منكم يأتيكم بالحق وننصره عليكم، وكانوا إذا جاءهم العرب يسألونهم عن أمره صلى الله عليه وسلم قالوا لهم: إنه رسول آخر الزمان.
وقد لخص الإمام السيد أحمد ماضي أبو العزائم مدى احتياج العالم في تلك الحقبة من الزمان لميلاده الشريف J فقال: إن مولد سيدنا رسول الله J يرسم لنا الخط الفاصل بين مرحلتين من تاريخ البشرية، مرحلة الجاهلية والظلم والتخلف والطغيان، ومرحلة الهدى والعدل والحضارة الإنسانية السامية.
لذلك فقد تعالى صوت المستضعفين، ومدت الموءودة يدها، وتهامست القلوب المعذبة، ودارت العيون الحيرى؛ تبحث عن المنقذ والهادي، تبحث عن الأمل الموعود، عن النبى المنتظر، دعوة إبراهيم، ونبوءة موسى، وترنيمة داود، وبشارة عيسى.
والكل يتساءل: متى تستجاب الدعوة؟، ومتى تتحقق النبوءة؟، ومتى تسمع الترنيمة؟، ومتى تأتي البشارة؟.
وشاء الله أن يولد النور في رحاب مكة، ويشع الوحي في سمائها، ويعلو صوت التوحيد في الحرم الأمين، حرم إبراهيم وإسماعيل.