تعتبر التقية من أهم مبادئ المنهج الحركي لجماعات الإسلام السياسي عامة وبالأخص جماعة الإخوان، وهذا ثابت فى أفعال وأقوال وأدبيات الجماعة...
الدكتور محمد حسيني الحلفاوي
حلم الخلافة
قال محدثي: إن الخلافة الإسلامية فريضة دينية وشعيرة إسلامية؛ ولذلك فعودة الخلافة أمر قطعي الثبوت ومن شعائر الإسلام ومن أهم عقائدنا، وفى ذلك يقول الإمام الشهيد حسن البنا رضوان الله عليه:
” إن الإخوان يعتقدون أن الخلافة شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها، والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام فى دين الله… والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس منهاجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لا بد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لا بد أن تسبقها خطوات:
لا بد من تعاون تام ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها، يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد،
ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية، حتى إذا استوثق ذلك للمسلمين كان عليهم الاجتماع على (الإمام) الذي هو واسطة العقد، ومجتمع الشمل، ومهوى الأفئدة، وظِل الله في الأرض “([1]).
قلت: ماذا تقصد بمصطلح ” الخلافة ” ومن هو ” الخليفة “؟
قال: الخلافة هى نظام الحكم الإسلامي الثابت بالكتاب والسنة وأقوال الفقهاء، وتعنى خلافة النبوة فى حراسة الدين وسياسة الدنيا به، عن طريق نصب خليفة وإمام نائبًا عن النبي J؛ لكي نسترجع عز المسلمين الأوائل بين الأمم.
يقول الشهيد عبد القادر عودة:
” للخليفة وظيفتان: الأولى إقامة الدين الإسلامي وتنفيذ أحكامه. والثانية: القيام بسياسة الدولة في الحدود التي رسمها الإسلام، على أننا نستطيع أن نكتفي بالقول بأن وظيفة الخليفة هي إقامة الإسلام؛ لأن الإسلام كما علمنا دين ودولة، فإقامة الإسلام هي إقامة للدين وقيام بشئون الدولة في الحدود التي رسمها الإسلام… والخليفة: هو رئيس الحكومة الإسلامية، فتكون وظيفته هي إقامة الإسلام وإدارة الدولة في حدود الإسلام “([2]).
فالخلافة التى نعمل على استعادتها هى خلافة على منهاج النبوة، تسوس الدنيا بالدين، عن طريق خليفة له السلطة العليا مثلما كان الحال عند المسلمين الأوائل.
قلت: نظام الخلافة هو نظام بشرى تاريخي وليس نظامًا دينيًّا إسلاميًّا ملزمًا للمسلمين، يقول الدكتور سعد الدين الهلالى:
” إنه لم يرد بالقرآن الكريم ذكر لبيان الخلافة وطريقتها ونظامها وتقسيم سلطاتها. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا أثناء حياته أو عند وفاته عن نظام الخلافة؛ ولذلك فإن طريقة تعيين الخلفاء الراشدين الأربعة مختلفة:
” أبو بكر الصديق 0 بالاختيار، عمر ابن الخطاب 0 بالاستخلاف، عثمان بن عفان 0 تم اختياره من بين 6 أشخاص حددهم عمر بن الخطاب، على بن أبى طالب كرم الله وجهه بالاختيار “.
ولذلك فالخلافة كانت نظام بشرى تاريخي لتسيير مصالح الناس.
والعبرة بأن يكون الحاكم عادلًا )وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ( (النساء: 58) أما الآن فالحاكم حارس للدستور، والدستور عقد بين الحاكم وبين الشعب، والدستور يخضع له رئيس الدولة والوزير وأبسط مواطن، والكل أمام الدستور والقانون سواء، والتحضر الإنساني ده لا يأباه الإسلام، ورفع الوصاية الدينية للانتفاع بكل العقول، والولاية الآن للمؤسسات وليس الأشخاص.
أما في نظام الخلافة التاريخي فقد كانت المرجعية هي: عقل الحاكم، وضمير الحاكم، وهوى الحاكم، وثقافة الحاكم، ورؤية الحاكم”([3]).
ويقول الدكتور جاسم سلطان:
” الخلافة ليست من العقائد ولكن من الفقهيات، والحكم ضرورة بشرية وليس أمرًا دينيًّا، وحقائق التاريخ تؤكد أن الخلافة كانت واقعًا بشريًّا، القرآن الكريم لم يورد شيئًا عن الخلافة رغم أنه أورد أمور النكاح والظِّهار وخلافه.
بيعات الرسول J لم يكن من ضمنها الخلافة.
ويطالب الفصائل والجماعات الإسلامية بالتوحد قبل مطالبة الشعوب والحكام بالتوحد.
لو مات الإنسان وما فيه خلافة لن يسأل فى القبر عن الخلافة؛ أسئلة القبر ما فيها خلافة([4]).
وأما الخليفة – باستثناء الخلفاء الراشدين – فقد كان ملكًا أو إمبراطورًا يملك كل السلطات، إن أراد عدل وإن أراد ظلم بدون أي ضوابط حاكمة.
والعقل الإنساني تطور واكتشف أن أنجع حل لوأد الاستبداد هو الفصل بين السلطات: “التنفيذية، التشريعية، القضائية” بحيث لا تتغول إحداها على الأخرى، وأن يخضع الجميع “حكامًا ومحكومين” للدستور والقانون.
فهل يجوز دينًا وعقلًا ترك ذلك التطور الإنساني والرجوع لنظام تاريخى به عيوب كثيرة وليس ملزما لنا دينيًّا؟!
علمًا بأن ما أوجبه الفقهاء بالإجماع والعقل هو وجود حاكم وحكومة وليس شكل الخلافة التاريخي، وهذا لا خلاف عليه ولا ينكره إلا دعاة الفوضى.
قال: إنك تنطلق من رؤية غربية استشراقية، والنظام الإسلامي له خصوصيته المغايرة للغرب العلماني.
قلت: هذا كتاب الله وهذه سنة رسوله الكريم لم يحددا شكلًا محددًا لنظام الحكم الإسلامي، ولكنهما حددا مجموعة قيم ومبادئ عامة يجب على الحاكم الالتزام بها مثل: “العدل الذى ذكر فى أكثر من ألف آية قرآنية، الشورى، الكرامة الإنسانية، المساواة، حرية الفكر والاعتقاد، الأمانة، حرمة المال العام، الرحمة، الإحسان، التيسير ورفع الحرج” وغير ذلك.
” وبقدر ما تستلهم هذه القيم فى وضع القوانين وإصدار الأحكام بقدر ما تتسق هذه القوانين والأحكام مع روح الإسلام؛ وعدم تحقق ذلك قديمًا كانت نتيجته أن كثيرًا من الأحكام التى وضعها الفقهاء جاءت مجافية لروح الإسلام وبدلًا من أن تنهض بالإسلام كانت من عوامل تدهوره “([5]).
أما شكل الحكم والنظم التي تضمن تنفيذ هذه المبادئ والقيم فمتروك لمقتضيات الزمان والمكان؛ ولذلك فإن تاريخ المسلمين شهد أشكالًا عديدة من صور الحكم وليس شكلًا واحدًا، والحاكم أخذ مسميات كثيرة مثل: ” خليفة، أمير المؤمنين، ملك، سلطان، رئيس “.
فكيف بعد ذلك تتهمني في ديني؛ لمجرد أننى خالفت آراء بشرية غير مقدسة لقادة الإخوان؟! رغم أننى لم أخالف القرآن والسنة المطهرة.
قال: كيف تدعى ذلك وهناك وعد إلهى بالاستخلاف قال تعالى: )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا( (النور: 55).
قلت: إن الوعد الإلهي الوارد بالقرآن الكريم لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف ليس معناه تقديس شكل الخلافة التاريخي والعمل على إعادته؛ ولكن معناه وعد الله U لعباده المؤمنين فى حال صدق إيمانهم وعملهم الصالحات الدينية والدنيوية أن يبدل حالهم من الضعف والعوز والاضطهاد إلى حال القوة والرخاء والأمن، وأن ينتشر الإسلام في أنحاء المعمورة، وهذا تم بالفعل في عهد الخلافة الراشدة.
يقول القرطبى:
” قال الضحاك هذه الآية تتضمن خلافة أبى بكر وعمر وعثمان وعلي؛ لأنهم أهل الإيمان وعملوا الصالحات.
ويقول ابن العربى:
” هذا وعد عام فى النبوة والخلافة وإقامة الدعوة وعموم الشريعة، فنفذ الوعد فى كل أحد بقدره وعلى حاله؛ حتى فى المفتين والقضاة والأئمة، وليس للخلافة محل تنفذ في هذه الموعدة الكريمة؛ إلا من تقدم من الخلفاء “.
ويقول محمد الطاهر بن عاشور:
” هذه الآية تتضمن خلافة أبى بكر وعمر وعثمان وعلي… وعَلى هَذا فالمُرادُ بِالَّذِينِ مِن قَبْلِهِمْ صُلَحاءُ المُلُوكِ مِثْلُ: يُوسُفَ، وداوُدَ، وسُلَيْمانَ، وأنُو شِرْوانَ، وأصْحَمَةَ النَّجاشِيِّ، ومَلِكَيْ صادِقٍ الَّذِي كانَ في زَمَنِ إبْراهِيمَ ويُدْعى حَمُورابِي، وذِي القَرْنَيْنِ، وإسْكَنْدَرَ المَقْدُونِيِّ، وبَعْضِ مَن ولِيَ جُمْهُورِيَّةَ اليُونانِ “.
============================
([1]) مجموعة رسائل الإمام البنا، طبعة دار البصائر 2010م، ص282، 284.
([2]) الأعمال الكاملة، الكتاب الرابع ” الإسلام وأوضاعنا السياسية ” الدكتور عبد القادر عودة، طبعة المختار الإسلامى بالقاهرة ص 247.
([3]) برنامج فقهيات ” للدكتور سعد الهلالي، على اليوتيوب، تحت عنوان “ما يسمى بالخلافة الإسلامية وهم” بتاريخ 20-2-2017م.
([4]) برنامج أفكار للمستقبل فى حواره مع حذيفة عكاش على اليوتيوب بتاريخ 15-3-2017م.