يخرج حسن عبد الله القرشى الشاعر السعودى الوطنى خلاصة شعوره الإنسانى تجاه القضية، وقد آل على نفسه إلا أن يدافع عن أمته العربية، حاملًا همومها على عاتقه….
أ.د. عزيزة الصيفي
يخرج حسن عبد الله القرشى الشاعر السعودى الوطنى خلاصة شعوره الإنسانى تجاه القضية، وقد آل على نفسه إلا أن يدافع عن أمته العربية، حاملًا همومها على عاتقه، يقول موجهًا خطابه للعدو قائلًا([1]):
شـددى الـقـبضــة إسـرائـيـــل لا
تـحــفــلـى شـيـخًا ولا ذا ولــيــد
واهـدمــى الـدور على أصحابها
كـل حـيـن فـعـل شـيـطـان مريد
واسـفـكـى مـن دمـنـا واستأسدى
بـحـمـاة حـذقـوا خـفـر الـعـهـود
أنـت فـى مـصـطـخب اللـج وإن
لذت وهما مـنـه بالـشـط البـعيد
أنـت كـالـقـابــض جـمـرًا واريا
سوف يصلى منه بالبأس الشديد
وسـنـلـقـاك كـريـح صـرصــــر
بحـواريـيــن فـى الهـيـجـا أسـود
يستخدم الشاعر أسلوب التهكم والسخرية بتوظيف الأمر (شددى، اهدمي، اسفكي) والنهي (لا تحفلي) فكل هذه الأفعال لن تفلح فى طمس الهوية، وهكذا.. فإن ما يقوله الشاعر ينطبق حرفيًّا على ما يحدث اليوم، إذ يتم تحذير إسرائيل، وهى تقوم بتدمير وسفك لدماء الأبرياء فى غزة المحاصرة، والواقع أنها لا تلوذ إلا بالوهم، وسوف تلتقى بأسود فى معركة التحرير، وإنها الخاسرة فيها لا محالة.
وفى موضع آخر يواسى أمة العرب ويطلب منها أن تتخطى كل الآلام وأن تسير إلى العلا فسوف تثأر وتستعيد الحق لأصحابه مهما أرجفوا، فصروح البغي سوف تهوى لصعيد الأرض، فيقول:
أمــة الــعـــرب والــعــربـيـة يد
رغم أنف الغدر صبت من حديد
ضـمــدى الـجـرح وسيرى للعلا
شـهـبًا تــرصـد أطـمــاع الـعـبيد
تـسـتـعـيـد الـحــق مـهما أرجفوا
وتـزف الـنـصـر للشعب الطريد
صـرخة الـثـأر إذا مـا جـلـجـلت
فـصـروح الـبـغى تهوى للصعيد
يصور يد العروبة والعربية بأنها صبت من حديد، دليل على قوة بطشها إذا حان لها أن تبطش فهي قوة لا يستهان بها، فإذا كانت فلسطين جرحًا ينزف فى قلب العروبة، فإن تضميد الجرح والانطلاق نحو العلا بصرخة ثأر يزف بعدها النصر المبين.
ونتأمل صالح الشرنوبى المصرى من شعراء العصر الحديث عرف بحسن التصوير وحس مرهف، تناول القضية وهموم الأمة في أغلب شعره، وفى الأبيات التالية يخاطب فلسطين قائلًا([2]):
فـلـسـطـيــن يا كـعـبـة العالمـين
ويـا مـهـبـط الـروح والمرسلين
نُــفـــدِّي حــمــاك بــأرواحــنــا
فنـحـن الأسـود وأنــت العـريـن
أقيمى على الدهر عرش الخلود
وهــزى بـصـوتـك قلب الوجود
وهـبِّـى فـهـذا أوان الــصــراع
وقـد آن لـلــبـغـــى ألَّا يـــســود
سـنـحـمـيك مـن كـل وغـْدٍ أثيم
ونُـصـلـي أعـاديك نار الجحيم
يصور مجازًا فلسطين بكعبة العالمين ففيها بيت المقدس ثالث الحرمين، وأولى القبلتين، ومهبط الرسل، ويشبه العرب بالأسود وفلسطين عرينها، وفى ذلك تأكيد على أهميتها، وفى الأبيات كثير من الصور البديعة، وعلى لسان العرب يؤكد أنه حان وقت الصراع لحمايتها من كل باغٍ وغْدٍ أثيم.
ثم يخاطب فلسطين في آخر القصيدة قائلًا:
لك المجد فى الأرض منذ القدم
فـمـدِّي جـنـاحـيـك صوب القمم
فــقـد أقـسـم الـعرب أن يفتدوك
فــإمـــا وجـــود وإمـــا عــــدم
فيقدم الجار والمجرور للدلالة على أن المجد لفلسطين منذ القدم، والقسم تأكيد مرة أخرى، فالعزم والتصميم راسخ فى النفوس التي تفتديها، وقد ختم الشاعر بأنه لا خيار بعد، فالوجود منتصرين، أو العدم.
وننتقل إلى محمود درويش الشاعر الفلسطينى الذى طرد من أرضه فصار يتغنى بها وجعل قضية بلاده لب فكره، وصورة مشاعره الفياضة، إذ يقول([3]):
أنا من هناك، ولى ذكريات، ولدت
كما تولد الناس، لى والده
وبيت كثير النوافذ، لى أخوة،
أصدقاء، وسجن بنافذة بارده
ولى موجة خطفتها النوارس
لى مشهدى الخاص، لي عشبة زائده
ولى قمر فى أقاصى الكلام
ورزق الطيور، وزيتون خالده
مررت على الأرض قبل مرور
السيوف على جسد حولوه إلى مائده
أنا من هناك، أعيد السماء إلى
أمها حين تبكى السماء على أمها
وأبكى لتعرفنى غيمة عائده
تعلمت كل كلام يليق بمحكمة
الدم، كى أكسر القاعده
تعلمت كل الكلام، وفككته كى
أركب مفردة واحده
هي: الوطن
يتميز شعر محمود درويش بتوظيف الرمز والصور العميقة المؤثرة والتناول المجازي، مثل شعراء عصره الرومانسيين، فقد آل على نفسه أن يظل يتغنى بوطنه المسلوب، يصف كيف كان مستقرًّا فى بيته ووطنه، وأن فلسطين كانت لأهلها قبل وصول المحتل الغاشم، وقد كتب على شعبها النضال المستمر لتحقيق النصر والعودة بإذن الله.
هكذا يستمر الشعراء حتى الآن فى رسم صورة الوطن المختطف من شرذمة لا يرويها إلا دماء الأبرياء، ولا تعرف سوى القهر والقتل والتدمير، عصابة صهيون وحلفائها من الغرب.
قال تعالى: )فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا( [الإسراء: 5].
وقال: )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ( [الأعراف: 167].
================================
([1]) ديوان حسن عبد الله القرشي ص٦١١- ٦١٢، دار العودة – بيروت ١٩٧٩م.