الشعر الذى احتفى بهذه الذكرى وبمدح خير البرية كثير، مما يدل على أهمية تلك المعجزة الإلهية عند المسلمين، ومدى ما فى أحداثها من ثراء فكرى، يدفع الأقلام والقرائح للنظم والسياحة مع الخيال، الذى يصف من خلاله الشعراء أحداثًا حقيقية بأسلوب جاذب مشوق، فتظل الرحلة مجالًا للإبداع الفنى المسترجع لكل مراحلها وأحداثها….
أ.د. عزيزة الصيفي
من الذين تناولوا وقائع الإسراء والمعراج، الشيخ الشعراوى، وكانت أول قصيدة ينظمها فى شبابه، تحدث عما وقع فى هذه الرحلة، وما يستمد من العظات والعبر والدروس، يقول([1]):
يا لـيلـة المـعـراج والإسراء
وحى الجلال وفتنة الشعراء
ينادى الليلة لاستحضار مشهدها، ونداء العقلى وسيلة مجازية، تسعف الشعراء فى أدائهم الوظيفى للتعبير عن المعانى المراد بيانها من خلال تجسيد الليلة، ومخاطبتها والتعامل معها، تعامل الحى مع الحى.
الـدهر أجـمـع أنـت سر نواله
وبـــمـــا أتــاك الله ذات رواء
فلك العلا دارت عليه شموسه
والشـمـس واحـدة من الإنشاء
هكذا يمدح تلك الليلة النيرة، فهى سر نوال الدهر، وقد جعلك الله خير الليالى وأشرفها، ويتساءل من ذا الذى يحظى بليلة قد استعصى على موسى وعيسى عليهما السلام أن يحظيا بها؟ فيقول:
من ذا الذى يحظى بما استعصى على
موسى وعيسى صاحب الإحياء
لله عــذراء تـــفـــيـــض نضارة
من ذا الذى يحظى بتى العذراء؟
لا غـرو إن كانت كعاب محـمد
إن الـعـظـيـــم يـكـون للعظـمـاء
يـا لـيـلـة فـى الدهر جل مقامها
نـور عـلـيـك يـفـوق نـور ذكاء
يـا لـيـلـة فـيـهـا الفضائل أينعت
لـنـبـيـنـا ذى الــرتـبـة الـعـلـياء
يـا لـيـلـة صـارت لأمـة أحـمـد
عـيـدًا تـجـدده يــد الـعـظــمــاء
يـا لـيـلـة قـصي حـديـثًـا شـائقًا
عـما عـلـمت فـأنت أصدق راء
يكرر الشعراوى 0 نداء الليلة ليسعفه النداء فى وصفها ومدحها فهى الليلة العذراء الفريدة التى حظى بها سيدنا محمد o، ليلة جل مقامها، نورها فاق نور الشمس جلاء، فيها الفضائل أينعت لنبينا صاحب العلياء، وقد أصبحت عيدًا بما نالت من شرف وعزة.
ويستمر الشيخ الشعراوى فى نسج قصيدته الطويلة التى بلغت مئة وثمانية وثلاثين بيتًا، تصف كل أحداث تلك الليلة الشهباء، حيث بدأ بعد المناجاة يتحدث عن المعجزة، وبداية الإسراء، واصفًا البراق، وركوبه o، ووصوله المسجد الأقصى ودخوله، والصلاة فيه، ثم معراجه إلى السماء، وولوجه السموات السبع، واصفًا ما حدث فى كل سماء، إلى أن وصل سدرة المنتهى، ثم يصف موقف جبريل حينما ترك الرسول o يتقدم، وهو تأخر؛ لأنه ليس مسموحًا له أكثر من ذلك قربًا، وقد زج النبى فى بحر من النور، ورأى الله يكلمه، ثم يصف الشعراوى نعمة الله عليه، ثم يتحدث عن فرض الصلاة، ثم يصف عودته، وتكذيب قريش له، وتصديق أبي بكر لروايته، واستشهاد النبى بالعير التى رآها فى الطريق، وهكذا استمر الشيخ الشعراوى يسرد الحكاية بالتفصيل، ببيان رائق، صادق العاطفة، مرتبًا للأحداث ترتيبًا منطقيًّا، بلغة اكتنفها المجاز فى التصوير والإبداع الفنى.
وننتقل إلى شاعر آخر – وهم كثر – ممن مدحوا الرسول o وذكروا رحلة الإسراء والمعراج، فهذا رفعت عبد الوهاب المرصفى يقول([2]):
سبـحـان من أسرى بأشرف خلـقه
فــى رحـلـة الـمـعـراج والإسـراء
هـى رحـلـة عـظـمـى تفوق خيالنا
دارت بـهـا الأقـدار فــى الأجـواء
قد شاء رب العرش أن يـهـدى له
شـرف الضـيـافة فـى ربى الأفياء
عـام مـن الـحـزن الـشـديـد يـلـفـه
ثوب من الـفراق ولوعة الإقصاء
فـ (خديجة) السلوى أهاج رحيلها
أمـواج حـــزن صـعـبـة الأنــواء
كـانـت لـه حـصـنًا مـنـيـعًا عندما
نـزلـت عـلـيـه رسـالة بـ (حراء)
هـو عـمـه قـد كـان خـيـر مساند
شـرب الـمـنـون بـمـوعد وقضاء
والنـاس كـل النـاس فى طغيانهم
وزنـوا الأمـور بـنـظـرة عـمـياء
يتخذ الشاعر منحى آخر، إذ يعالج الشاعر فى قصيدته حزن رسول الله o، بعد موت زوجه خديجة وعمه أبى طالب، وكيف أن رحلة الإسراء والمعراج كانت أعظم حدث بعد تلك المحنة، وقد طاردته قريش وناصبته العداء بعد موت صرحين، كانا سندًا له، هكذا عالج الشاعر الحادثة من منظور آخر، فى أسلوب – أيضًا – منتظم متماسك، يزيد من بلاغته التصوير المجازى الثرى.
والشعر الذى احتفى بهذه الذكرى وبمدح خير البرية كثير، مما يدل على أهمية تلك المعجزة الإلهية عند المسلمين، ومدى ما فى أحداثها من ثراء فكرى، يدفع الأقلام والقرائح للنظم والسياحة مع الخيال، الذى يصف من خلاله الشعراء أحداثًا حقيقية بأسلوب جاذب مشوق، فتظل الرحلة مجالًا للإبداع الفنى المسترجع لكل مراحلها وأحداثها.
===================================