ثمة منطلقات بدهية يزيد من احتمال تطويرنا للقدرة على تعديل الحياة الفردية والجماعية، وهو احتمال إيجابي أو فرضية مفادها عدم الاعتماد على الطرائق والاستراتيجيات الروتينية في التنمية والتطوير والتحديث لمستقبل يفيض بالتوهج العلمي والاستعار التكنولوجي والمخاطر المحفوفة بمهن الراهن وتحديات مجابهة وظائف المستقبل..
الأستاذ الدكتور بليغ حمدي
مقدمة
ثمة منطلقات بدهية يزيد من احتمال تطويرنا للقدرة على تعديل الحياة الفردية والجماعية، وهو احتمال إيجابي أو فرضية مفادها عدم الاعتماد على الطرائق والاستراتيجيات الروتينية في التنمية والتطوير والتحديث لمستقبل يفيض بالتوهج العلمي والاستعار التكنولوجي والمخاطر المحفوفة بمهن الراهن وتحديات مجابهة وظائف المستقبل. وفي سياق حديثنا عن خطط الدول للنهوض بأفرادها والسعي صوب السبق والتنافس العلمي والاجتماعي والاقتصادي وصولًا إلى تمكين الفرد من متطلبات القرن الواحد والعشرين بمهاراته وعملياته المتعددة، وجبت الإشارة إلى أن اهتمام الأوطان ببناء الإنسان هو الذي دفعها سابقًا لتدشين ما عُرف بمدن المعرفة أو مدائن المعلومات.
وتبدو المحاولات المنهجية لتبني الدول لمفهوم التنمية البشرية القائمة على المعرفة وتعزيزها وتنمية المهارات والقدرات قد تمكنت بالفعل كما يذكر فرانشيسكو خافيير كاريللو في كتابه Knowledge Cities: Approaches, Experiences , and Perspectives تمكنت من إحداث تغييرات جذرية ونتائج ملموسة عبرت عن نفسها بجلاء. وأشار إلى أن الأدبيات والدراسات التطبيقية ذات الصلة بتنمية الموارد البشرية وبناء الإنسان تمكنت أيضًا من دحض فرضية عدم الاعتماد على الاقتصاد البشري المعرفي، وأن تنمية الموارد البشرية لم تعد ترفًا في عالم متسارع ومتصارع بأحداث وإحداثيات طويلة ومختلطة لا يمكن الفكاك منها؛ إلا بإعلاء التجربة الإنسانية وبناء قيمه ومبادئه وتعميق الحس الوطني لدى كل مواطن.
وهذه النهضة البناءة في تاريخ الأمم تعتمد بصورة كبيرة على ركيزة أساسية هي الاستثمار في رأس المال البشري؛ الذي يعني المعرفة والخبرة والبديهة والمهارات التي يمتلكها الفرد للقيام بمهام وأدوار جديدة تناسب متغيرات العصر والمستقبل التنافسي، ويشمل أيضًا القيم الثقافية والفلسفة العامة للمجتمع، فضلًا عن أن استثمار رأس المال البشري – وهو من أبرز مقدرات الوطن – يتمثل في استغلال القدرة البشرية التنافسية في الأسواق المستقبلية، وتشمل أصول التجديد والتنمية المستدامة في البحث والتطوير وبراءات الاختراع.
المبادرة الرئاسية للتنمية البشرية
وفي مصر تحديدًا السابع عشر من سبتمبر الماضي تم إطلاق المبادرة الرئاسية للتنمية البشرية تحت رعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية بعنوان: (بداية جديدة لبناء الإنسان) وهي المبادرة الأبرز والأعمق جدوى وتأثيرًا خلال عشرة أعوام مضت، وهي – قبيل الخوض في تفاصيلها وأبرز مشاهدها – تمثل نقطة انطلاق لإعادة تصميم الوطن وفق متغيرات وافدة، وأحداث مجتمعية محلية وأخرى عالمية من شأنها أن تأخذ قدرًا كبيرًا من اهتمام القيادة السياسية المصرية وهي تدشن الجمهورية الجديدة.
وتمثل مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان استجابة سريعة لتعزيز جهود الدولة المصرية وتوجهات القيادة السياسية لتطبيق المفهوم الشامل لحقوق الإنسان، وتستهدف الاستثمار فى رأس المال البشرى، وتحسين جودة الخدمات وتوفير حياة كريمة، وتأتي مبادرة (بداية جديدة) في إطار الاهتمام ببناء الإنسان المصري، وفى ضوء توجيهات رئيس الجمهورية السيد عبد الفتاح السيسي من أجل الاستثمار في رأس المال البشرى، وذلك من خلال برنامج عمل واع ووطني يستهدف تنمية الإنسان والعمل على ترسيخ الهوية المصرية. وتعد مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان المصري حلمًا يراود الكثير من المصريين الذين يأملون في مستقبل مشرق ومتميز للفرد والمجتمع والوطن نفسه على السواء، وهم على يقين بأن المبادرة بنتائجها سيكون لها تأثير كبير في شتى المجالات؛ كونها تعكس مدى تقارب وتعاون وتكامل وثيق بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص لإظهار قوة هذا التعاون في خدمة المجتمع وتحسين الصحة والتعليم وحماية المجتمع.
وتستهدف مبادرة بداية جديدة التي تم انطلاق أولى فعالياتها بالعاصمة الإدارية الجديدة بمصر، كما أوضح الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس الوزراء المصري للتنمية البشرية الحرص على أن يشعر المواطن المصري بالمردود الإيجابي في فترة وجيزة، وذلك من خلال التعاون والتنسيق بين جميع أعضاء المجموعة الوزارية للتنمية البشرية، والأمانة الفنية للمجموعة الوزارية والمعنية بالرقابة على تنفيذ أهداف المبادرة وفقًا للمستهدفات المحددة، والتي شاركت في رسم خارطة طريق للمواطن المصري، نحو التنمية الذاتية والصحية والتعليمية والرياضية والثقافية والسلوكية، لنقدم للمجتمع مواطن صحيح، متعلم، ومتمكن، وقادر، وواعٍ، ومثقف، وخلوق، على أن يتم كل ذلك دون تحميل المواطن أي أعباء.
وتعتبر مبادرة (بداية جديدة لبناء الإنسان) إحدى مكتسبات الجمهورية الجديدة التي أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فمنذ تولي السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي مهام منصبه وهو دائم الحرص على تبني فكرة الاستثمار في رأس المال البشري وبناء الوعي وتعزيز الانتماء للوطن، وهي من أهم قضايا المجتمع المصري وركيزة محورية في تقدم الشعوب؛ لأنها تقوم على أساس محاولة استكمال بناء منظومة الإنسان ليس فقط من النواحي المادية، ولكن أيضًا من النواحي الأخرى التي تدفع المواطن إلى أن يكون أكثر قوة وتحصينًا في مواجهة المخاطر التي أصبحت تركز بوسائل متعددة على كيفية المساس بجوهر القيم الإنسانية.