جرت الحكمة الإلهية أن يكون بجوار كل إمام من أئمة أهل البيت في وقته فارسٌ، هذا الفارس يحمل راية الحق، ويبايع على نشر الدعوة بالنفس والنفيس....
الدكتور عبدالحليم العزمي
الأمين العام للاتحاد العالمي للطرق الصوفية
في ذكرى: الولي العالم المربي فارس الدعوة (2)
بدأنا الحديث اللقاء الماضي عن ميلاد الشيخ طاهر محمد مخاريطة رضي الله عنه، الداعي الأول للطريقة العزمية في أواخر فترة إمامة مولانا السيد أحمد ماضي أبي العزائم رضي الله عنه ، وفترة إمامة مولانا السيد عز الدين ماضي أبي العزائم رضي الله عنه.
وتوقفنا قبل إقامة الشيخ طاهر داعيًا أول للطريق بعد انتقال الشيخ إبراهيم الخطيب رضي الله عنه ، وهذا ما سنبدأ به هذا اللقاء.
الشيخ طاهر الداعي الأول
انتقل فضيلة الشيخ إبراهيم الخطيب الداعي الأول للطريقة العزمية إلى رحمة الله عام 1964م وهو يلقي درسًا عقب صلاة الجمعة بمدينة بلطيم محافظة كفر الشيخ، ووقتها قال مولانا السيد أحمد ماضي أبي العزائم: (قتلته أعين العلماء)، في إشارة إلى أن العلماء الذين سمعوه يومها حسدوه من كثرة علمه وبلاغته، وقد بينا أحداث انتقاله وعزائه في العدد (440) من مجلة الإسلام وطن في شهر ربيع أول 1444هـ الموافق نوفمبر 2022م.
بعدها مباشرة أقام مولانا السيد أحمد الشيخ طاهر مقامه.
وكعادة الدعاة الأول الذين أقيموا بعد انتقال الإمام المجدد أبي العزائم رضي الله عنه ، فإنه يأتيهم منامًا ليريهم طبيعة طريقهم في الدعوة، وما سيحوذونه من علم، وما سيقابلونه من فتن وابتلاءات.
يقول الشيخ طاهر عن رؤيا الإقامة([1]): [بدأت الرؤيا بنزولي من قصر لي من البللور، ولما نزلت وجدت أمامي طريقًا عرضه نحو متر وطوله نحو خمسة كيلومترات، وهذا الطريق في لحظة الرؤيا كان مليئًا بجميع الحيوانات الضارية والمستعدة للهجوم عليَّ من أول الطريق لآخره، فاذا بي أقول: “يا أبا العزائم”، وكأنها كلمة السر فإذا بي أقفز من فوق كل وحش وأتجاوزه فلا يلتفت إليَّ.
ووصلت بعد أن اجتزت هذا الطريق إلى مكان فيه ناس كثير كأنه نادٍ، وعرفت من الناس الذي هم فيه أنهم ينتسبون إلينا، وكانت تقدم المشروبات فيه بواسطة النساء. ولما هممت بالخروج منه حذروني من المشي من الوجهة التي كنت متوجهًا إليها؛ لأن المكان خطر فصممت على المشي فيه وأنا أردد: يا أبا العزائم في سري.
واستمرت الرحلة من المكان إلى لقائي بالإمام ثلاثة أيام بلياليهن مررت فيها بأشياء كثيرة؛ حتى وصلت إلى ميدان فسيح يتفرع منه أربعة شوارع ويتوسط هذا الميدان أسد ضخم لم أرَ له مثيلًا في حياتي، وكان مهيمنًا على الشوارع الأربعة بيديه ورجليه الأربعة في الأربع شوارع يسدهم.
أدركت أن هذا الأسد هو الإمام أبو العزائم رضي الله عنه ، فسلمت عليه فردَّ عليَّ السلام وقال: (من عَرَّفَكَ أني أنا أبو العزائم؟)، فقلت له: أنا يا سيدي، فضحك فاهتز المكان لصوت ضحكه، ثم اهتز هو فظهر بصورته العادية وبكامل ملابسه.
ورأيته ممسكًا بجُبـَّةٍ ليلبسني إيَّاها فوجدتها واسعة جدًّا، فألبسني إياها على سعتها فوجدتها وكأنها قد فُصِّلَت على مقاسات جسمي، ثم أتى بعمامة ضخمة وألبسني إياها فوافقت حجم رأسي رغم ضخامتها، ثم سألني الإمام ما اسمك؟ فقلت له: أنا طاهر محمد مخاريطة، فقال: (لا، أنت طاهر محمد أبو العزائم)، ثم ودعني قائلًا لي: (وصلتَ واتصلتَ، وطاب وقتك، وعرفتَ الطريقَ إليَّ، فعُد إلى إخوانك ودلَّهم عليَّ)].
ظل الشيخ طاهر على عهده مع إمامه وخلفائه من بعده، يجاهد في سبيل نشر الدعوة طيلة حياته، يجوب البلاد شرقًا وغربًا لا يكل؛ حتى لا يكاد يخلو يوم من أيام حياته، ولا بلد من البلاد من لقاءات ومحاضرات علمية، وحضرات في بيته وبيوت آل العزائم، وفي المساجد وفي صحبة مولانا السيد أحمد في رحلاته، وفي احتفالات وليالي المشيخة، وفي الكثير من المراكز الثقافية والدينية والاجتماعية؛ حتى الشركات والمصانع، وحتى خارج مصر بالعديد من الدول العربية وخاصة في الحرمين الشريفين.
وقد يسر الله تعالى له أن يتوظف في مجال الدعوة والإرشاد في هيئة قناة السويس بموافقة مولانا السيد أحمد لما في ذلك من خدمة الدعوة، وعندما سمعه المهندس مشهور أحمد مشهور في إحدى المناسبات الدينية – وكان رئيس الهيئة وقتئذ – أعجب به وأوكل له الإرشاد الديني بالهيئة، وكان وقتها يتم بناء مسجد للهيئة بجوار استراحة الرئيس السادات بمنطقة نمرة 6 على القناة وبجوار مستشفى الهيئة، وقام الشيخ طاهر بتسمية المسجد بمسجد الشفاء، وعندما سُئل عن سر التسمية قال: لأن المشفى بجواره لشفاء الأجسام، وسيكون المسجد إن شاء الله لشفاء الأرواح، وبعد أن تم البناء تولى الخطابة فيه، وكان يأتيه الرواد لسماعه من جميع أنحاء المحافظة.
في صحبة مولانا السيد عز الدين
كما كان حال الشيخ طاهرمع مولانا السيد أحمد صادقًا، فقد نقل حاله وشعوره وإخلاصه لمولانا السيد عز الدين بعد توليه إمامة الطريق، في مشهد قريب لتحويل القبلة حيث نقل وجهته، لكنه ظل خاشعًا في عمله بنفس الدرجة.
وقد شهد مولانا السيد علاء الدين في ليلة أهل البيت بالقاهرة رقم 177 يوم 2 يونيو 2023م أن الشيخ طاهر كان أول من بايع مولانا السيد عز الدين رضي الله عنه.
وقد ارتبط مراد الشيخ طاهر بمراد مولانا السيد عز الدين، فقد نقلت الحاجة عواطف ابنة الشيخ طاهر، أنه بعد انتقال مولانا السيد أحمد، وتأخر دفنه ثلاثة أيام انتظارًا لتصريح الدفن في مقصورة والده الإمام، رأى الشيخ طاهر في الليلة الثالثة الإمام المجدد في رؤيا يبشره بصدور الأمر بدفن مولانا السيد أحمد بجواره، فلما استيقظ انطلق للمشيخة لرؤية مولانا السيد عز الدين ليقص عليه الرؤيا، فما أن التقاه حتى أخبره أنه رأى نفس الرؤيا، وما هي إلا دقائق حتى جاء تصريح الدفن([2]).
هذا التوافق بين الإمام والداعي الأول في الرؤى من الأمور المُسلمة التي نرويها عن تجربة، فقد تكررت قبل الشيخ طاهر وتكررت بعده.
يقول مولانا السيد علاء الدين في الدرس الذي ألقاه عقب صلاة جمعة مولد الشيخ طاهر عام 2019م: (أشهد الله أن السيد عز الدين رضي الله عنه لم يحب أو يهتم بأي شخص أكثر من الشيخ طاهر رضي الله عنه).
ويستشهد مولانا السيد علاء بحادثة وفاة والدة الشيخ طاهر في بورسعيد، أثناء مرافقة الشيخ طاهر لمولانا السيد عز في زيارة دعوية للصعيد، فحجز مولانا له تذكرة سفر فور ورود الخبر، واتصل بسماحة السيد علاء الدين وطلب منه أن يكلف الحاج رشاد عرفان أن يصحبه بالسيارة من المطار إلى بورسعيد وأن يظل ملازمًا له.
ويستكمل مولانا السيد علاء في نفس الدرس عام 2019م: [ذات يوم كان هناك فتنة كبيرة كادت أن تُقسم الطريقة العزمية، فرأيت في المنام أني وإخوتي السيد عز والسيد عصام في محكمة، والقاضي الإمام أبو العزائم، وعلى يمينه والدي السيد أحمد، وكان الشيخ إبراهيم الخطيب يمثل وكيل النيابة وكان يتهمنا أننا غير متحدين، وكان المحامي الشيخ طاهر وهو من كان يدافع عنا].
ويستكمل سماحة السيد علاء الدين الرؤيا فيقول: [قال والدي السيد أحمد بعد نهاية دفاع الشيخ طاهر: (يا شيخ طاهر، عز وعلاء وعصام تحت عباءتك، وأنت أبوهم)، فلما اجتمعنا أنا وإخوتي وكان رابعنا الشيخ طاهر قصصت عليهم الرؤيا، فقال الشيخ طاهر: إنه رآها بالأمس مثلي، وانتهت هذه الفتنة]([3]).
ويؤكد مولانا السيد علاء الدين أن رأي الشيخ طاهر كان مقدرًا عند مولانا السيد عز الدين؛ حتى أنه لما أشار عليه بتجميع قصائد الإمام أبي العزائم وطباعتها، كلف مولانا السيد عز الدين بجمعها في نفس اليوم([4]).
اختبار المدرسة الجديدة
معلوم أن الشيخ طاهر كان صاحب أول مدرسة علمية في الطريقة العزمية، كما وصفه مولانا السيد علاء أبو العزائم، فكان لا بد من اختبار خاص لصاحب هذه المدرسة (الشيخ طاهر)، ولرواد هذه المدرسة (محبي الشيخ طاهر)، ولعامة الإخوان.
أما اختبار الشيخ طاهر فكان في الصبر وتحمل الابتلاء والامتثال لطاعة إمامه؛ حتى يترقى لمقام الولاية، وقد شهد مولانا السيد علاء الدين بنجاح الشيخ طاهر في هذا الاختبار، فقال: (ورغم أنه ابتلي وامتحن في حياته، لم يتغير على الإطلاق).
وأما اختبار محبي الشيخ طاهر، فكان هدفه النهائي هو: لمن ستكون طاعتهم وولاؤهم: للإمام القائم، أم للداعي الأول؟، وقد نجح منهم من نجح ورسب من رسب.
وأما اختبار عموم الإخوان، فكان لكي يظهر من لديه أحقاد أو ضغائن تجاه الشيخ طاهر ما بداخله، فيثبت أنه لا ينتمي لطريقنا؛ لأن من كان حاقدًا أو حاسدًا على إخوانه في طريقنا، لم يدخل الطريق بعد، قال الإمام أبو العزائم: “الحب مبدؤنا”، فمن لم يبلغ المبدأ؛ لم يدخل الطريق من الأساس.
لذلك بدأ مولانا السيد عز الدين في فترة من الفترات انتقاد الشيخ طاهر ومعاتبته علنًا؛ لفرز إخوان آل العزائم.
وكان محل عتاب أو انتقاد مولانا السيد عز الدين العلني للشيخ طاهر في دائرة عتاب المحب، من أجل زيادة العمل والتواجد مع الإمام، وليس انتقاصًا من الشيخ طاهر، وقد أوضح مولانا السيد عز الدين ذلك للحاج مصطفى اللاوندي نائب الطريقة العزمية بمحافظة بورسعيد، وروى مولانا السيد علاء الدين هذه الرواية، قائلًا: قال مولانا السيد عز الدين: (إن دعاة الطريقة العزمية عندي كماكينات الرَّيِّ، منهم من يروي 5 أفندة، ومنهم من يروي 10 أفندة، ومنهم من يروى 20 فدانًا، لكن الشيخ طاهر يروي ألف فدان، ولذلك فإني أحب أن يكون معي ليلًا ونهارًا)([5])، ويبرر مولانا السيد علاء الدين سبب قلة نشاط الشيخ طاهر في أواخر فترة إمامة مولانا السيد عز الدين بأن الشيخ طاهر ازداد وزنه في أواخر عمره، وهذا أثَّر على ساقه التي اعتادت أن تحمل وزنه الخفيف في أغلب عمره، فكان ذلك يقعده عن التحرك ويثقل من حركته.
وأتى الفرز لعامة الإخوان ثمرته، وأظهر كل من في قلبه علة علته، فذات مرة في التسعينيات، غادر الشيخ طاهر السرادق في منتصف احتفال بمولد الإمام أبي العزائم، فخرج أحدهم – وكان يحمل ضغائن للشيخ طاهر – ليهرول وراءه في السرادق ويطلب من الإخوان عدم السلام عليه، ويقول لهم: “لا تسلموا عليه إنه مطرود”، وقد كنت شاهدًا بنفسي على هذه الواقعة، ويدور الزمان ويُفصل هذا الشخص من المشيخة لتورطه في فتنة كبرى، وتبقى سيرة الشيخ طاهر ناصعة البياض.
في فترة الفرز، كان هناك من يحاول أن يصطاد في الماء العكر ويزيد المسافة بين الإمام القائم والشيخ طاهر، لكن مولانا السيد عز الدين والشيخ طاهر كانا يدركان ذلك.
ذات مرة، ذهب أحد أرباب الفتن إلى الشيخ طاهر، وقال له: انضم معنا لنجعلك شيخًا ونأخذ الطريق من السيد عز الدين، فقام الشيخ طاهر بطرده من منزله؛ لأنه كان مخلصًا للإمام أبي العزائم وخلفائه، وهذه الرواية رواها مولانا السيد علاء الدين.
وينقل مولانا السيد علاء الدين عن الشيخ سعيد الدقيري: كان البعض يحاول أن يشي ويقول للشيخ طاهر كلامًا لم يحدث على لسان مولانا السيد عز الدين للوقيعة بينهما، فكان يقول دومًا: “دعوني وشيخي، دعوني وصدري رحب لمولانا السيد عز الدين”([6]).
وكان مولانا السيد عز الدين حاسمًا في محاولات الحديث عما بينه وبين الشيخ طاهر، حتى أنه نهر أحدهم على جبل عرفات عندما حاول أن يتحدث عما بينهما، فقال له: (هذا الأمر لا يخصّك).
لذلك، يجب أن نكون على قدر كبير من الوعي ونحن نتحدث عن رجال الدعوة المخلصين، وأن يكون ميزان حديثنا عنهم هو شهادة أئمة أهل البيت المعاصرين واللاحقين لهم؛ لأنه جرت حملات للتشنيع على الفرسان من أصحاب الأئمة ورجالهم الثقات طوال التاريخ، لإسقاطهم من أعيُن الناس، بهدف تشويه دعوة أهل البيت، وإظهار أنها بنيت على أسس غير سليمة، وحملها رجال غير ذي ثقة.
قال مولانا السيد علاء في مولد الشيخ طاهر عام 2019م: (إن من خبث السلفية أنهم يشوهون رجال المدرسة المحمدية؛ حتى لا يكون هناك قدوة، وعلينا أن نقتدي بهؤلاء الصالحين.. علينا أن نقتدي بسلوكياتهم وأخلاقيتهم، وطالما أننا لا نتخذهم قدوة؛ فإننا سنفشل في حياتنا)([7]).
ولنا وقفة هنا: في بعض الأحيان قد تجد إمام أهل البيت يختلف مع بعض المقربين معه، ويكون الاختلاف علنًا، ثم يعودون مرة أخرى لمرحلة الصفاء التي اعتيدت بينهم، وسبب هذا الاختلاف غالبًا يكون لفرز باقي الإخوان، لذلك من الحكمة أن نصمت وألا نتورط بالقول أو الفعل في أوقات الفرز والتمحيص، وأن تكون وجهتنا دومًا هي أوامر الإمام، فإن أراد الإمام إطلاع أحدنا عن مراده، كان هذا فضلًا من الله، وإن لم يطلعنا فنكتفي بالامتثال لأوامره.
وعليك وقت الفتن ألا تنظر لغيرك من إخوانك، واجعل وجهتك إمامك فقط، فقد يكون الإمام قد أمر أخًا لك بالمهادنة أو المواجهة أو الصمت، وهذا دوره، فلا تزاحمه أو تعاتبه على دوره، واصمت طالما لم يطلب منك إمامك شيئًا، ولا تفتح فمك إلا بطلب السلامة من الله عز وجل لتمر هذه الفتنة.
وقد يكون هذا الاختلاف أو الفتنة اختبار لأخ لك كي يترقى، فلا تتورط فيها، فيكون في ذلك ترقيه وتأخرك.. واسأل الله السلامة دومًا.
بين السادات والشعراوي ومحمود
علا صيت الشيخ طاهر – بفضل رضا إمامه ومدده -، وكما انبهر الرئيس جمال عبد الناصر عند سماعه لإحدى خطب الشيخ إبراهيم الخطيب في المحلة الكبرى وهرول إليه لتحيته، ولم يجد هدية قيمة يقدمها له – أمام ما سمعه منه من علم – فقرر منحه جائزة الدولة التقديرية، فقد تكرر الموقف بين الشيخ طاهر والرئيس أنور السادات.
كان مسجد الشفاء ملاصقًا للاستراحة الخاصة بالسادات على ضفة القنال بمنطقة نمرة 6، فأراد أن يسمعه، وطلب من المسئولين في يوم أن يبلغوا الشيخ طاهر أن يأتي ليخطب الجمعة داخل الاستراحة الخاصة به هو والمجموعة المصاحبة له والعاملين بالاستراحة، ولكن الشيخ طاهر اعتذر بأدب، وقال: نشرف بحضور الرئيس ببيت الله إن شاء الله، وكان الرد من الرئيس السادات أن ذهب بالفعل لحضور الجمعة بمسجد الشفاء وسماع الشيخ طاهر وأثنى عليه، وكان كلما ذهب للاستراحة يذهب للصلاة في المسجد ليستمع للشيخ طاهر رضي الله عنه ، وكان له عدة جلسات حوار مع الشيخ طاهر بالمسجد بعد الصلاة.
وظل يترقى؛ حتى أصبح المشرف العام للدعوة والإرشاد؛ على مساجد الهيئة في مدن القناة الثلاث، والمشرف العام على بعثات الهيئة للحج والعمرة، والمرشد الديني لبعثات الحج ما يقرب من 25 عامًا.
وقد أخبر الشيخ طاهر أنه بعد تقلده هذا المنصب في الهيئة رأى الإمام أبا العزائم في المنام، وأعطاه قائمة بأسماء أشخاص، فإذا به يجد أنهم من العاملين والقيادات بالهيئة، وقد منَّ الله عليهم بأن تبعوا الشيخ طاهر وعرفوا الإمام المجدد على يديه.
وقد التقى الشيخ طاهر بالشيخ الشعراوي عندما أتى ليسجل بعض الحلقات التلفزيونية بمساجد الهيئة بالإسماعيلية وبورسعيد وصار بينهما أخوة وصداقة، وكانت لهم جلسات خاصة معًا حيث كان يستضيفه في استراحة خاصة بالهيئة على بحيرة التمساح للتجهيز لتسجيل الحلقات التلفزيونية ويصحبه في تنقلاته.
يذكر الحاج عبد المنعم حبيب أن الشيخ طاهر كان يخطب الجمعة بمدينة بورسعيد في حضور السيد محمد سرحان محافظ بورسعيد وقتئذ، والذي كان يحب الشيخ طاهر، ويحضر له محاضرات كثيرة، وجاءت إشارة إلى أحد مسئولي المحافظة المرافقين للمحافظ بقدوم الشيخ الشعراوي لصلاة الجمعة معهم، وأبلغوا المحافظ الذي أبلغ بدوره الشيخ طاهر فقام الشيخ طاهر باستقبال الشيخ الشعراوي وقدمه للخطابة، فإذا به يرفض بشدة ويقول له: “أنا جيت أسمعك يا شيخ طاهر”، فكان الشيخ الشعراوي بتقاربه مع الشيخ طاهر يعرف قدره العلمي وتلميذ من هو؟ حتى أنه كان في تسجيله للحلقات الخاصة به في مساجد الهيئة بحضور الشيخ طاهر يطلب من الشيخ طاهر ألا يكون ضمن الجالسين المستمعين أمامه ويقول له: “أنت مكانك جنبي يا شيخ طاهر، علشان لو غلطت في القرآن تبقى تصحح لي”، فكان يجلس بجواره، وظهر وهو جواره في إحدى الحلقات التلفزيونية المسجلة.
وبعد انتقال الشيخ الشعراوي رآه أحد الإخوان في الرؤيا وقال له: “يا مولانا لقد ملأت الدنيا علمًا وبيانًّا ولكنك لم تتكلم أبدًا عن إمام الزمان”، فقال له: “يا ابني! أنا عرفت الشيخ طاهر في الدنيا، وهو قدمني للإمام هنا”([8])، يقصد في البرزخ.
والتقى الشيخ طاهر بالدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الشريف في عدة مناسبات، وصارت بينهما معرفة، وعندما سمع الشيخ عبد الحليم محمود كلام الشيخ طاهر أول مرة وكان في طريقه للدخول إلى السرادق فالتقط من حديثه عبر مكبرات الصوت بعض المعاني، فإذا به يقف قليلًا ليسمع كلامه بتمعن ويقول: “هذا كلام الصديقين”.
وهكذا كان حاله مع الكثير من كبار العلماء وكان له مكانة في قلوبهم؛ لما رأوه فيه من غزير العلم والحكمة، وصدق الحال والنية، واجتهاده في حمل أمانة الدعوة إلى الله، فحمل الأمانة وتحملها، وكان عالمًا جليلًا ومربيًا فاضلًا، شهد له الكل أنه أدى هذه الأمانة على خير وجه، وأنه كان خير مثال لطالب العلم المجتهد المتواضع المتأدب مع جميع خلق الله، والأكثر تأدبًا مع إمامه ومرشده وخلفاء إمامه، وتفانيه في خدمتهم وطاعتهم والصدق في مبايعتهم.
نور الإمام في وجه الشيخ طاهر
نتيجة لإخلاصه في دعوة الإمام أبي العزائم، فقد شع نور الإمام على وجه الشيخ طاهر.
كان الشيخ طاهر في إحدى رحلات الحج وكان يلقي درسًا، فجاءه شيخ اسمه الشيخ خضير أو الخضيري، وكان شيخ طريقة صوفية من حضرموت، فسمع للشيخ طاهر وجذبه بيانه فتفرس في وجهه فرأى فيه ما رآه من النور، فسأله: هل أنت تابع أم متبوع؟، فقال الشيخ طاهر: أنا تابع، فقال له: تابع لمن؟ قال: للإمام المجدد السيد محمد ماضي أبي العزائم.
فطلب منه أن يجلس معه لدقائق، فجلس معه الشيخ طاهر فسأله الشيخ الخضير، فقال له: هل الإمام أبو العزائم يحظى بالنسبتين؟ فقال الشيخ طاهر: نعم، حسيني من جهة والده، حسني من جهة والدته، فرفع يده لأعلى، وقال بحال: إذًا هو.
ثم قال: هل وُلد في مسجد؟ قال: نعم، بمسجد سيدي زغلول بمدينة رشيد، فرفع يده، وقال: إذًا هو.
فقال هل كان يُملي أم يكتب؟ فقال الشيخ طاهر: كان يُملي، فرفع يده وقال: إذًا هو.
فقال هل كان أفلج الركبتين؟ قال: نعم، فرفع يده، وقال: إذًا هو.
قال: هل أول خليفة له اسمه أحمد؟ فقال له: نعم، فرفع يده وقال: إذًا هو.
فقال: هل كان له خال على خده؟ قال: نعم، فرفع يده وقال: إذًا هو.
فقال هل أول حرف من اسم زوجته هو (ع)؟، قال: نعم، السيدة عزيزة السماحي، فرفع يده، وقال: إذًا هو.
فتوجه إلى تلاميذه وقال لهم: والله يا إخواني لو أننا لم نخرج من حجنا هذا إلا بمعرفة الإمام لكفانا، ثم قال: والله إنه قد أُعطي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلوات عليه لم يعطها أحد من قبل. فأعطاه الشيخ طاهر نسخة من كتاب (نيل الخيرات بملازمة الصلوات) للإمام أبي العزائم رضي الله عنه.
بيعة ووفاء لمولانا السيد علاء الدين
كانت علاقة الشيخ طاهر بمولانا السيد علاء الدين، في فترة إمامة مولانا السيد عز الدين قوية، فكان يأتي إليه ويطعم ويبيت في منزله.
يقول مولانا السيد علاء الدين في مولد الشيخ طاهر عام 2019م: (كان الشيخ طاهر مخاريطه نعم الأب لنا ولجميع الإخوان، ولأنه لم ينجب ذكورًا، فأنجب الحاجة عنايات والحاجة عفاف والحاجة عواطف، فأنا اعتبرت نفسي الابن البكر للشيخ طاهر، وقد كنت أعامله كأب)([9]).
ويضيف في مولده عام 2022م: (في حياتي كان لي ثلاثة آباء: مولانا السيد أحمد، ومولانا السيد عز الدين، وفضيلة الشيخ طاهر)([10]).
وعندما تولى مولانا السيد علاء الدين إمامة الطريقة، كان الشيخ طاهر قد أُقعد من المرض، لكنه كان حريصًا على بيعته، فجاء وهو محمول على كرسي ليبايعه أمام مسجد الإمام أبي العزائم بالقاهرة بيعة خاصة، وهي بيعة الفارس، ثم سافر إلى إيتاي البارود وأقام بيعه جماعية له وسط الإخوان.
وعندما عقد مولانا السيد علاء الدين اجتماعًا لدعاة الطريقة العزمية، ولم يدع الشيخ طاهر لعلمه بشدة مرضه، بكى قائلًا: “كنت أحب أن أعمل معك يا سيد علاء، كما عملت مع أخيك وأبيك من قبل”.
علم وولاية
يقول مولانا السيد علاء الدين في درس جمعة مولد الشيخ طاهر عام 2019م: (كان الشيخ طاهر، إذا تحدث لم يستطع أحد أن يتحدث بعده، لذلك كان مولانا السيد عز الدين يجعل كلمته آخر الكلمات، وكان الإخوان ينتظرون حتى النهاية لسماعه)([11]).
وقد حبا الإمام أبو العزائم الشيخ طاهر بمنح وهبات جعلته مترجمًا عنه، ولسان بيان قلَّما يتكرر، وفتح له أبواب التربية المحمدية والغوص في أنوار القرآن وبيان معانيه وأسراره ومواجيد الإمام بسيطها ومطلسمها، وبيان معانيها وأسرارها.
وكان عالمًا بالأصول والفروع؛ ومتمكنًا في اللغة العربية، ومخاطبًا لكل مستويات الفكر والوعي، ومخاطبة الناس على قدر عقولهم، فدروس وخطب العامة غير دروس الخاصة وخلواتها، فتجده في قراءة القرآن قارئًا متمكنًا ذا صوت شجي، وفي اللغة العربية متمكنًا، وفي علوم الشريعة متمكنًا، وفي علوم الحقيقة متمكنًا، وفي العلوم اللدنية منفوحًا متمكنًا، وفي الإنشاد والمواجيد متمكنًا وذا صوت شجي، وفي الثقافة العامة والتاريخ متمكنًا، وفي التربية والأدب متمكنًا، ليصير مربيًا ومؤدبًا لإخوانه متمكنًا.
وهكذا هم أهل الله وخاصته الذين تربوا على يد المرشد الوارث القائم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كما أن الله تعالى قد أنعم عليه باللطيفة البرزخية بالسماع وبالرؤيا للإمام ولأهل البرزخ، وبالتواصل الروحاني مع الإخوان وبالمشاهدات الروحانية يقظة ومنامًا، وحباه الامام بعد انتقاله رضي الله عنه بأن يتلقى عنه من العلوم اللدنية ومن أسرار البيان؛ حتى أنه كان يقول: “والله يا إخواني إني أسمع معكم ما أقوله لكم لأول مرة، كما تسمعونه لأول مرة”.
وكان يعرف عنه أنه إذا نادى بـ”يا الله” بالمد الطويل، يستجلب التلقى والمدد من الإمام رضي الله عنه فيفتح له بعلوم وبيان جديد.
وكان يكرر دومًا: “أنا ميكرفون، إذا وضع الإمام الفيشة نطقت، وإن نزعها سكت”.
وذات يوم سألته حفيدته إيمان وهي صغيرة: يا جدي! هل دخلت الجيش؟، فقال لها: “الجيش الذي تعرفينه؟ لا”، فقالت له: “هل هناك جيشًا آخر؟”، فقال: “نعم، جيش سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”، فقالت له: “هل أنت في هذا الجيش ضابطًا أم جنديًّا؟”، فضحك الشيخ طاهر وقال لها: “لقد تجاوزت رتبة اللواء من زمان يا إيمان ببركة سيدك أبي العزائم”([12]).
حسن الخاتمة
قبل بناء مسجد الشيخ طاهر كانت قطعة الأرض التي اشتراها بمنطقة الكيلو 2 طريق المعاهدة بالإسماعيلية أعدتها زوجته الحاجة إنعام لبناء منزل، وقد قامت بعمل الأساسات بالفعل على هذه النية، وإذا بها ترى في المنام أن الأرض قد تم البناء عليها وأن البناء مسجد، ووجدت الشيخ طاهر قائمًا فيه يصلى بالناس، ورأت مولانا السيد أحمد يقف مكان الضريح، وينظر للشيخ طاهر، فاستقر في وجدانها أن هذا قبر الشيخ طاهر بجوار المسجد، فقامت من منامها وقصت الرؤيا على الشيخ طاهر، وقالت: “أنا ربنا أعطاني الإذن ببناء مسجد وستدفن فيه”، فقال لها: “أنا لم أطلبها”، فقالت:”إن الإذن جاء من مولانا السيد أحمد”([13]).
ويرى الشيخ طاهر في المنام رؤيا أنه في قاعة محكمة، والقاضي فيها الإمام أبو العزائم، وقد صدر الحكم من الإمام عليه بالموت، ووجد نفسه في غرفة تنفيذ الحكم، ووضعت دائرة التصويب على قلبه، وتم الإطلاق عليه برصاصة اخترقت قلبه، فعلم أن أجله اقترب([14]).
وكان الشيخ طاهر قد بشر أهل بيته بأن الله أشهده بأنه سيقبض: إما وهو يصلي، أو وهو على المنبر. وفي أواخر أيامه كان في العناية المركزة، ودخل في غيبوبة تامة، لكن الأطباء تفاجئوا بأنه ينزع الأجهزة المتصلة به، ويقوم ليصلي، وبعد أن أتم صلاته قبضه الله في يوم الجمعة 24 ربيع الأول 1417هـ – 9 أغسطس 1996م([15]).
في مقعد صدق
كشف مولانا السيد علاء الدين عن مصير الشيخ طاهر مخاريطة لأول مرة في ليلة أهل البيت بالقاهرة رقم 177 يوم 2 يونيو 2023م، فقال نصًّا: (في يوم من الأيام بعد انتقال الشيخ طاهر رضي الله عنه ، رأيت رؤيا للشيخ طاهر يستقبلني في قصر ضخم جدًّا، به خمسة أو ستة صالونات، وبه خمس أو ست سُفر فخمين جدًّا، وخمس أو ست غرف نوم جُمال جدًّا، وأنا فاكر إنه هو عايش، وفاكر إن الحلم دا واقع، فقلت له: “جبت الكلام دا كله منين يا شيخ طاهر؟”، فقال لي: “والله يا سيد علاء، من يخلص في هذه الدعوة يكرمه الله بمكافأة ليس هناك أحسن منها في الدنيا والآخرة”).
عزاء وشهادة للتاريخ
صلى مولانا السيد علاء الدين على الشيخ طاهر مخاريطة، وحضر مراسم دفنه في مسجده، ومن وقتها وهو يحضر الاحتفال بمولده سنويًّا في الإسماعيلية.
ولما انتقل الشيخ طاهر، نعاه مولانا السيد علاء أبو العزائم في مجلة (الإسلام وطن)([16])، فقال: (في أواخر شهر ربيع الأول الكريم حيث أنوار المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم… فقدت الداعي الأول بالطريقة العزمية ونائب آل العزائم بمحافظة القاهرة العارف بالله طاهر محمد مخاريطة….
لقد كان العالم الذي لم يغتر يومًا بعلمه، والأب الرحيم بأبناء الطريقة كبر أم صغر سنًّا، وقف مع الخليفة الأول للإمام المجدد السيد محمد ماضي أبي العزائم، والدي سماحة السيد أحمد ماضي أبي العزائم مجاهدًا بنفسه وماله، يجوب البلاد شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، لنشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيح، وما خذل والدي أبدًّا، وأدى رسالته معه على أكمل وجه، وكان الداعي الأول في عهد شيخ الطريقة العزمية سماحة السيد عز الدين ماضي أبي العزائم، وكنت أتمنى أن يطول به العمر؛ حتى يستمر عطاؤه وجهاده في خدمة الطريقة العزمية، ولكن قدر الله وما شاء فعل.
وإذا نظرنا إلى أخلاقه الكريمة نجد أولها الكرم، ونجد أيضًا صفة الصدق، وما كان صدقه فضيلة خرساء، فالصدق الصامت ليس صدقًا عنده، وإنما الصدق جهرًا وعلنًا، جهرٌ بالحق، وتحدٍّ للباطل، وتأييدٌ للصواب، ودحضٌ للخطأ، وولاءٌ رشيد، وتعبيرٌ جريء عنه، وسيرٌ حثيث معه، ونجد أيضًا صفات الزهد والورع والتقوى والبذل مع العزوف عن الدنيا بأموالها ومناصبها وجاهها، إن ثمة جوانب عديدة ذات أصالة روحية عميقة قد حفلت بها هذه الشخصية العظيمة تبهرنا أضواؤها دون شك.
ومن علامة ولايته أن صدر التصريح بدفنه رضي الله عنه بمسجده بمدينة الإسماعيلية، ومن علامات مكانته العظمى ومنزلته الكبرى أنه أول تلميذ من تلاميذ الإمام أبي العزائم يدفن في مسجد، ويكون له روضة تزار.
وأسال الله أن يجمعه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا).
وقد عبر مولانا السيد علاء الدين عما شعر به وقت فراق الشيخ طاهر، فقال في الاحتفال بمولده عام 2019م: (بفقدانه فقدنا شخصًا عظيمًا في حياتنا؛ لأنه كان مثالًا للأخلاق الفاضلة، ومثالًا للحب والإخلاص والكرم، وما كان يذهب إليه أحد في وقت الغذاء إلا قدم له الغذاء، وإذا ذهب إليه مساء فلا بد أن يقدم له العشاء.
لقد ضرب المثل الأعلى في التصوف، وفي الأخوة الصادقة، والمريد الصادق، ورغم أنه ابتلي وامتحن في حياته، فلم يتغير على الإطلاق، عندما أتذكر مواقفه أشعر أني فقدت شيئًا كبيرًا في حياتي)([17]).
وقد طبع مولانا السيد علاء الدين أربعة كتب للشيخ طاهر، بعد أن قام الدكتور نبيل فوزي بتفريغها، وهي: أيام الله، لا هجرة بعد الفتح، من أسرار الإسراء وأنوار المعراج، التقوى ومقتضياتها.
وما زالت هناك تسجيلات لم تفرغ، ومخطوطات عديدة لم يأتِ أوان نشرها.
وقد مدحه مولانا السيد علاء الدين في الاحتفال بمولده عام 2022م؛ لأنه أول داعٍ في الطريقة العزمية يؤسس مدرسة علمية تخرج فيها العديد من دعاة الطريقة، فكان نموذج الداعي المربي([18]).
وقد راعيت أن أضيف هامشًا به رابط فيديو لكل اقتباس من كلمات مولانا السيد علاء خلال المقالين؛ لتوثيق شهادته في حق الشيخ طاهر.
كلمة من القلب
رضي الله عن الشيخ طاهر مخاريطة، وأسكنه فسيح جناته، ورزقه معية الإمام أبي العزائم، وصحبة مولانا السيد أحمد ومولانا السيد عز الدين في الآخرة، كما صحبهما في الدنيا، وكتبه الله من رجال الفتح، فقد كان وليًّا مخلصًا وفيًّا، أمينًا محبًّا مجاهدًا، عجز الزمان أن يجود بأمثاله، إلا قليلًا.
لقد انتقل الشيخ طاهر مخاريطة، فسارع الدكتور نبيل فوزي – وهو أحد تلامذته المقربين – إلى سماحة مولانا السيد علاء أبي العزائم، وقال له: “عندما انتقل الشيخ عبد الحي، ظهر الشيخ إبراهيم، وعندما انتقل الشيخ إبراهيم ظهر الشيخ طاهر، فمن سيكون الداعي الأول الآن؟”، فقال له مولانا: (من تراه يصلح؟)، فذكر أسماء بعض الدعاة، فقال له سماحة مولانا السيد علاء الدين: (لا، بل سيكون الداعي الأول للطريقة العزمية: عبد الحليم العزمي).
هذه الرواية رواها مولانا السيد علاء الدين مرارًا، وفي الهامش رابط فيديو له وهو يرويها([19]).
ومن وقتها أقامني مولانا السيد علاء الدين مقام الداعي الأول، وقدمني لأول مرة داعيًا أول في مسجد سيدى محمد قمر الدولة تلميذ السيد أحمد البدوي بقرية نفيا بمحافظة الغربية.
أكتب هذا المقال في هذا الشهر وقد بلغت ستين عامًا، حملت في 28 منها المسؤولية التي حملها من قبلي فرسان الدعوة، والدعاة الأول في الطريقة العزمية، وأسأل الله أن يعينني أن أؤديها؛ حتى آخر أنفاسي بشكل يرضي أئمة أهل البيت.
شرفٌ عظيمٌ أن يعلمني مولانا السيد عز الدين الدعوة والبحث العلمي والصحافة لأتولى منبر (الإسلام وطن) وأصبح لسان الدعوة، ويبدل لقبي للعزمي، والذي يعني في اللغة: الوفي بالعهد، بعد أن يقول لوالدي: (أريد أن أشتري منك عبد الحليم)، فيرد والدي: “عبد الحليم وأبوه ملكك يا مولانا”.
شرف عظيم أن ينظمني مولانا السيد علاء الدين في عقد فرسان دعوة أهل البيت، فأكون جزءًا من سلسلة على رأسها مالك الأشتر، وبها رجال يوزنون بالذهب الخالص المُصفى، جاهدوا بالكلمة والنفس والمال والولد في سبيل دعوة أئمتهم، وتحملوا مرارة حسد المقربين وعناء حروب الأعداء.
شرف عظيم أن ينصبني مولاي أمينًا عامًا للاتحاد العالمي للطرق الصوفية، سيرًا على سنة الإمام علي في تولية مالك لحكم مصر، وسنة الإمام أبي العزائم في تولية الشيخ إبراهيم الخطيب لسكرتارية جماعة الخلافة الإسلامية.
أسأل الله أن يجمعني بأسلافي: مالك، والعباس، وهشام، ويونس، والسَّكَّاك، وابن شاذان، وعبد الحي، وإبراهيم، وطاهر رضي الله عنهم ، وكل من عرفناهم ومن لم نعرفهم من فرسان دعوات أهل البيت السابقين واللاحقين.
اسأل الله أن نحشر سويًّا، وأن نكون تحت ألوية أئمتنا، وأن نكتب من المخلصين في دعوتهم، وأن يحفظني ربي من الفتن ما ظهر منها وما بطن، كما حفظهم رضي الله عنهم، وأن يكفيني أي تشويه يُكتب عني في حياتي أو بعد انتقالي، وأن أظل مخلصًا لخلفاء الإمام أبي العزائم إمام تلو إمام؛ حتى يقبضني وكل من عاصرته من أئمة أهل البيت راضٍ عني.
كما أسأله تعالى أن يكشف لقلوبنا حقيقة الجمال الربانى، الذى به ننجذب بكليتنا إلى الرضوان الأكبر.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله أجمعين.
=================================
([1]) كتبها عنه الدكتور نبيل فوزي، النائب الأسبق للطريقة العزمية عن محافظة القاهرة، في شهر يوليو 1996م، قبل أيام من انتقال الشيخ طاهر.
([2]) رواها الأستاذ إبراهيم صلاح، نائب الطريقة العزمية بالإسماعيلية، وحفيد الشيخ طاهر مخاريطة، عن الحاجة عواطف ابنة الشيخ طاهر.
([3])www.youtube.com/watch?v=Kt0A0CWs1D0.
([4])www.youtube.com/watch?v=Kt0A0CWs1D0.
([5])www.youtube.com/watch?v=Kt0A0CWs1D0.
([6])www.youtube.com/watch?v=9CyPz3UxudQ.
([7])www.youtube.com/watch?v=9CyPz3UxudQ.
([8]) رواها الأستاذ إبراهيم صلاح، نائب الطريقة العزمية بالإسماعيلية، وحفيد الشيخ طاهر مخاريطة.
([9])www.youtube.com/watch?v=9CyPz3UxudQ.
([10])www.youtube.com/watch?v=cNt6IXzfQtU.
([11])www.youtube.com/watch?v=Kt0A0CWs1D0.
([12]) رواها الأستاذ إبراهيم صلاح، نائب الطريقة العزمية بالإسماعيلية، وحفيد الشيخ طاهر مخاريطة.
([13]) رواها الأستاذ إبراهيم صلاح، نائب الطريقة العزمية بالإسماعيلية، وحفيد الشيخ طاهر مخاريطة.
([14]) رواها الأستاذ إبراهيم صلاح، نائب الطريقة العزمية بالإسماعيلية، وحفيد الشيخ طاهر مخاريطة، عن الشيخ محمد عمر من إخوان آل العزائم بالغربية.
([15]) رواها الأستاذ إبراهيم صلاح، نائب الطريقة العزمية بالإسماعيلية، وحفيد الشيخ طاهر مخاريطة، عن والده الأستاذ صلاح شحاته.
([16]) مجلة الإسلام وطن عدد (116)، شهر ربيع آخر 1417هـ – سبتمبر 1996م.
([17])www.youtube.com/watch?v=9CyPz3UxudQ.
www.youtube.com/watch?v=Kt0A0CWs1D0.