اعتنى أئمة أهل البيت بالحديث عن نجباء مصر وأهمية بيعتهم لإمام دولة أهل البيت، وأن رايتهم خضراء، وهي راية أهل البيت التي يفضلها سماحة السيد علاء أبو العزائم ويراها أفضل علم لمصر في تاريخها.…
الدكتور عبدالحليم العزمي
الأمين العام للاتحاد العالمي للطرق الصوفية
من دروس غزوة بدر الكبرى.. كيف نُعِدُّ رجال الفتح؟
في السابع عشر من شهر رمضان في العام الثاني من الهجرة (الموافق 13 مارس 624م)، وقعت موقعة بدر الكبرى بين المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقبيلة قريش ومن حالفها من العرب بقيادة أبي جهل.
وتُعد غزوةُ بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة، وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها، وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكة والمدينة المنورة.
وغزوة بدر غنية بدروسها ومواقفها التي ما زالت تتعلمها الأمة منذ وقوعها وحتى اليوم، وقد فصلنا أحداثها ودروسها في الليالي المحمدية وليالي أهل البيت وكلمات الاحتفالات السابقة.
لكننا سنركز على نقطة واحدة، وهي: سر عدد المسلمين في الغزوة 313، وعلاقته بأحداث آخر الزمان.
تنقيح الجيش للوصول للمطلوب
قال صاحب السيرة الحلبية والإمام أبو العزائم: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين فصل من بيوت السُّقْيَا أن يُعَدَّ المسلمون، فوقف لهم عند بئر أبى عتبةَ فَعُدُّوا، وهي على ميل من المدينة، فعرض أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم وردَّ من استصغر، وكان ممن ردَّهُ أسامةُ بنُ زيدٍ، ورافعُ بنُ خُدَيْجٍ، والبَرَاءُ بنُ عَازِبٍ، وأسيدُ بنُ ظُهَيْرٍ، وزيدُ بنُ أَرْقَمَ، وزيدُ بنُ ثابتٍ رضي الله عنهم. ورد عُمَيْرَ بنَ أبى وَقَّاصٍ فبكى، فأجازه وقُتِلَ وعمرهُ ستة عشر عامًا رضي الله عنه، وأمر أصحابه أن يستقوا من بئر أبى عتبة ويشربوا من مائها([1]).
وقال ابن كثير فى البداية والنهاية، وصاحب السيرة الحلبية، والإمام أبو العزائم: دفع صلى الله عليه وآله وسلم اللواء – وكان أبيض – إلى مصعب بن عمير، وكان أمامه رايتان سوداوان: إحداهما مع الإمام عليٍّ عليه السلام، والأخرى مع سعد بن معاذ، وقيل: كان لواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ([2]).
ثم أمر صلى الله عليه وآله وسلم بإحصاء من معه فوجدهم ثلاثمائةٍ وثلاثةَ عشرَ رجلًا، من المهاجرين أربعةٌ وستون وباقيهم من الأنصار، ففرح صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (عِدَّةُ أصحابِ طالوت الذين جاوزوا النهر معه)( [3]).
ولبس صلى الله عليه وآله وسلم درعه ذات الفُضُولِ، وتقَلَّدَ بسيفه العَضْبِ، وقد أهداهما إليه سعد بن عبادة سيد الأنصار([4])، ثم نظر صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه وقال: (اللهم إنهم حفاةٌ فاحملهم، وعراةٌ فاكسُهم، وجياعٌ فأشبعهم، وعالةٌ فأغنهم من فضلك)( [5]).
وكان خبيب بن إِساف ذا بأس ونجدة، ولم يكن أسلم، ولكنه خرج نجدة لقومه الخزرج، طالبًا للغنيمة، ففرح المسلمون بخروجه معهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يصاحبنا إلا من كان على ديننا)، وفى رواية: ارجع فإنا لا نستعين بمشرك، وتكررت من خبيب المراجعة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وفى الثالثة قال له: تؤمن بالله ورسوله، قال: نعم، فأسلم وقاتل قتالًا شديدًا([6]).
وجاء فى السيرة الحلبية: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رد حلفاء عبد الله ابن أُبَىِّ بن سلولٍ من اليهود، وقال: (لا ننتصر بأهل الشرك على أهل الشرك)( [7]).
من هذا يتبين أن الـ 313 كانوا من المسلمين البالغين، ولم يرضَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون بينهم مشرك أو كتابي أو منافق، فهم كانوا من خُلَّص الرجال.
تكرار رقم 313
لقد تكرر رقم 313 أكثر من مرة في التاريخ والأحاديث والآثار الإسلامية، نعرض بعضًا منها:
– أصحاب طالوت في حربه مع جالوت:
قال الإمام الباقر عليه السلام: [إن طالوت قال لأصحابه عند حربه مع جالوت: (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي، ومَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي، فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا ثَلَاثَمِائَةٍ وثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مِنْهُمْ مَنِ اغْتَرَفَ، ومِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْرَبْ، فَلَمَّا بَرَزُوا قَالَ الَّذِينَ اغْتَرَفُوا: (لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وجُنُودِهِ)، وقَالَ الَّذِينَ لَمْ يَغْتَرِفُوا: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين)]([8]).
– شرب 313 وصيًّا من عين الجنة:
بعد أن أظهر الإمام علي عليه السلام عين “راحوما” لشمعون الراهب، قال: “هَذَا الْعَيْنُ رَاحُومَا، وهُوَ مِنَ الْجَنَّةِ شَرِبَ مِنْهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وثَلَاثَةَ عَشَرَ وَصِيًّا، وَأَنَا آخِرُ الْوَصِيِّينَ”([9])، أي آخر وصي لرسول.
– عدد الأنبياء المرسلين:
سأل أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كم عدد الأنبياء؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (مائة وأربعة وعشرون ألف نبي). ثم سأل أبوذر كم المرسلون منهم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا)([10]).
عدد أصحاب أحد أنبياء بني إسرائيل:
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام لأبي عبد الله الجعفي: (إِنَّمَا مَثَلُنَا ومَثَلُكُمْ مَثَلُ نَبِيٍّ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ إِلَيْهِ أَنِ ادْعُ قَوْمَكَ لِلْقِتَالِ فَإِنِّي سَأَنْصُرُكَ، فَجَمَعَهُمْ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ ومِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ تَوَجَّهَ بِهِمْ فَمَا ضَرَبُوا بِسَيْفٍ ولَا طَعَنُوا بِرُمْحٍ؛ حَتَّى انْهَزَمُوا، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنِ ادْعُ قَوْمَكَ إِلَى الْقِتَالِ فَإِنِّي سَأَنْصُرُكَ، فَجَمَعَهُمْ ثُمَّ تَوَجَّهَ بِهِمْ فَمَا ضَرَبُوا بِسَيْفٍ ولَا طَعَنُوا بِرُمْحٍ؛ حَتَّى انْهَزَمُوا.
ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ ادْعُ قَوْمَكَ إِلَى الْقِتَالِ فَإِنِّي سَأَنْصُرُكَ، فَدَعَاهُمْ فَقَالُوا: وَعَدْتَنَا النَّصْرَ فَمَا نُصِرْنَا، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ إِمَّا أَنْ يَخْتَارُوا الْقِتَالَ أَوِ النَّارَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ الْقِتَالُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ النَّارِ، فَدَعَاهُمْ فَأَجَابَهُ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وثَلَاثَةَ عَشَرَ عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ، فَتَوَجَّهَ بِهِمْ فَمَا ضَرَبُوا بِسَيْفٍ ولَا طَعَنُوا بِرُمْحٍ؛ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عز وجل لَهُمْ)([11]).
– أصحاب إمام أهل البيت في آخر الزمان:
هناك روایات کثیرة تعتبر أصحاب إمام أهل البيت في آخر الزمان ثلاثمائة وثلاثة عشر شخصًا، نذكر منها على سبيل المثال قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْقَائِمِ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ وحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا عِدَّة أَهْلِ بَدْرٍ)([12]).
وسنتوقف قليلاً عند عدد أصحاب إمام أهل البيت في آخر الزمان، وسنعرض بعض ما روي عن أئمة أهل البيت حول هذا العدد:
عدد 313 عند أئمة أهل البيت
قال الإمام علي عليه السلام: (هَيْهَاتَ – ثُمَّ عَقَدَ بِيَدِهِ سَبْعًا – فَقَالَ: ذَاكَ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: اللهُ اللهُ قُتِلَ، فَيَجْمَعُ اللهُ تَعَالَى لَهُ قَوْمًا قَزَعٌ كَقَزَعِ السَّحَابِ، يُؤَلِّفُ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، لا يَسْتَوْحِشُونَ إِلى أَحَدٍ، وَلا يَفْرَحُونَ بِأَحَدٍ يَدْخُلُ فِيهِمْ، عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْرٍ، لَمْ يَسْبِقْهُمُ الأَوَّلُونَ، وَلا يُدْرِكُهُمُ الآخِرُونَ، وَعَلَى عَدَدِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ)([13]).
وقال الإمام محمد الجواد عليه السلام: (يا أبا القاسم: ما منا إلا وهو قائم بأمر الله عز وجل، وهادٍ إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلًا وقسطًا، هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كل صعب، يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عز وجل: (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 148)، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز وجل، فلا يزال يقتل أعداء الله؛ حتى يرضى الله عز وجل، قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي وكيف يعلم أن الله عز وجل قد رضي؟ قال: يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما)([14]).
وقال الإمام محمد الباقر عليه السلام: (إذا اجتمع للإمام عدّة أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر؛ وجب عليه القيام والتغيير) ([15]).
وضرب الإمام جعفر الصادق مثالًا عمليًّا على ضرورة اجتماع هذا العدد قبل قيام أي إمام بالإصلاح والتغيير، فقد رُوِيَ عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ أنه قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام)([16])، فَقُلْتُ لَهُ: واللَّهِ مَا يَسَعُكَ الْقُعُودُ.
فَقَالَ: ” ولِمَ يَا سَدِيرُ؟”. قُلْتُ: لِكَثْرَةِ مَوَالِيكَ وشِيعَتِكَ وأَنْصَارِكَ.
فَقَالَ: ” يَا سَدِيرُ، وكَمْ عَسَى أَنْ يَكُونُوا ” ؟
قُلْتُ: مِائَةَ أَلْفٍ. قَالَ: ” مِائَةَ أَلْفٍ ” ! قُلْتُ: نَعَمْ، ومِائَتَيْ أَلْفٍ. قَالَ: ” مِائَتَيْ أَلْفٍ ” ! قُلْتُ: نَعَمْ، ونِصْفَ الدُّنْيَا.
قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ” يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ تَبْلُغَ مَعَنَا إِلَى يَنْبُعَ “. قُلْتُ: نَعَمْ.
فَأَمَرَ بِحِمَارٍ وبَغْلٍ أَنْ يُسْرَجَا، فَبَادَرْتُ فَرَكِبْتُ الْحِمَارَ.
فَقَالَ: ” يَا سَدِيرُ، أَتَرَى أَنْ تُؤْثِرَنِي بِالْحِمَارِ “.
قُلْتُ: الْبَغْلُ أَزْيَنُ وأَنْبَلُ. قَالَ: ” الْحِمَارُ أَرْفَقُ بِي “.
فَنَزَلْتُ فَرَكِبَ الْحِمَارَ، ورَكِبْتُ الْبَغْلَ، فَمَضَيْنَا فَحَانَتِ الصَّلَاةُ.
فَقَالَ: ” يَا سَدِيرُ انْزِلْ بِنَا نُصَلِّ “.
ثُمَّ قَالَ: ” هَذِهِ أَرْضٌ سَبِخَةٌ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا “.
فَسِرْنَا حَتَّى صِرْنَا إِلَى أَرْضٍ حَمْرَاءَ، ونَظَرَ إِلَى غُلَامٍ يَرْعَى جِدَاءً([17]).
فَقَالَ: “واللَّهِ يَا سَدِيرُ لَوْ كَانَ لِي شِيعَةٌ بِعَدَدِ هَذِهِ الْجِدَاءِ مَا وَسِعَنِي الْقُعُودُ “.
وَنَزَلْنَا وصَلَّيْنَا، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الصَّلَاةِ عَطَفْتُ عَلَى الْجِدَاءِ فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ”([18]).
من هذا يتبين لنا أن إمام أهل البيت في كل عصر ينتظر اكتمال عدد الرجال للقيام والتغيير، كما أكد الإمام الباقر، ولذلك من الصحيح أن نصفه بأنه مُنْتظِر وليس مُنْتظَرًا.
سر الـ313
علينا أن نتساءل عن سر عدد 313، فهذا الرقم محير في تكوينه، فإذا جربنا قسمته على الأرقام من 9 لـ 1، سنجده لا يقبل القسمة بشكل صحيح إلا على رقم 1، مما يعني أنهم قوم على قلب رجل واحد، لا ينقسمون وليس بينهم فرق ولا أهواء، وإنما قلوبهم معلقة بقلب قائدهم، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أهل بدر: (إن الله عز وجل اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)([19]).
وقد حاول أهل الإشارات مرارًا عبر التاريخ حل سر هذا العدد، فمنهم من قال: إنه يوافق بحساب الجُمَّل كلمة “جيش”:
ج = 3
ي = 10
ش = 300
ج + ي + ش = 313
300 + 10 + 3 = 313
وقد وعى الصحابة قيمة هذا العدد، وأنه يمثل جيش أهل الإيمان، ومن ذلك ما حدث مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد إسلامه.
فقد ذكر ابن هشام وكذا ابن الجوزي مختصرًا، أنه لما أسلم أتى إلى جميل بن معمر الجمحي- وكان أنقل قريش للحديث- فأخبره أنه أسلم، فنادى جميل بأعلى صوته أن ابن الخطاب قد صبأ. فقال عمر- وهو خلفه-: كذب، ولكني قد أسلمت، فثاروا إليه، فما زال يقاتلهم ويقاتلونه؛ حتى قامت الشمس على رؤوسهم، وطلح، أي أعيا عمر، فقعد، وقاموا على رأسه، وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاث مائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا([20]).
أي أن المسلمين لو كان عددهم يتجاوز 300 لكانوا أخرجوا المشركين من مكة، أو خرجوا منها لغيرها؛ لأنهم أصبحوا قوة عسكرية، ولم يتحقق ذلك إلا في المدينة المنورة.
من هم الـ313 ؟
دلت الأحاديث والروايات على الاتفاق على أن أصحاب إمام أهل البيت في آخر الزمان 313 رجلًا، وقد قسمتهم الروايات حسب نوعيتهم وبلدانهم إلى ما يلي:
عن جابر الجعفي، عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاث مائة ونيف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم)([21]).
وفي دلائل الإمامة للطبري بسنده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (… رجل منا أهل البيت يبايع له بين زمزم والمقام، يركب إليه عصائب أهل العراق، وأبدال الشام، ونجباء أهل مصر، ونصير أهل اليمن، عدتهم عدة أهل بدر) ([22]).
وفي الإختصاص للمفيد: عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا كان عند خروج القائم، ينادي مناد من السماء: أيها الناس قُطع عنكم مدة الجبارين، وولي الأمر خير أمة محمد فالحقوا بمكة. فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام وعصائب العراق، رهبانٌ بالليل ليوثٌ بالنهار، كأن قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام)([23]).
وفي تاريخ بغداد: قال عبيد الله بن محمد العيشي قال: سمعت الكتاني يقول: النقباء ثلاث مائة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعُمَد أربعة، والغوث واحد. فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة([24]).
وفي الحقيقة فإن أعداد عصائب العراق أو أخيار العراق ليست ثابتة في الروايات فتتراوح بين 7-70، وتتراوح أعداد أبدال الشام بين 40-70 باختلاف الروايات، لكن المتفق عليه عند الجميع أن نجباء مصر 70 رجلًا بعدد أسماء الجمال.
نجباء مصر
اعتنى أئمة أهل البيت بالحديث عن نجباء مصر وأهمية بيعتهم لإمام دولة أهل البيت، وأن رايتهم خضراء، وهي راية أهل البيت التي يفضلها سماحة السيد علاء أبو العزائم ويراها أفضل علم لمصر في تاريخها.
قال الإمام علي الرضا عليه السلام: (كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات؛ حتى تأتي الشامات فتؤدى إلى ابن صاحب الوصيات). وفي رواية: تهدي البيعة([25]).
معلوم أن الإمام أبا العزائم له مفرداته الخاصة، فرغم أن أئمة أهل البيت جمعوا نجيب على نجباء، إلا أنه جمعها على أنجاب، ولغويًّا يصح جمع نجيب على أنْجَاب ونُجُب ونُجباء، وقد ذكرهم بالاسم في الجفر، وبين دورهم في دولة أهل البيت بأنهم سيكونوا قادة الكتائب، فقال:
يحضر الحج أنجـــم مشرقات
يظهرون الهدى بمحو المعائب
يشرق الكوكب المضيء وفيه
يظهر النجم بالمقام يطالـــــب
جنده المسلمون شرقًا وغـربًا
والكرام الأنجاب منه كتائــب
وقد بين الإمام أبو العزائم في دستور السالكين تعريف الأنجاب، فقال: (هم أهل الأحوال الصادقة التى هى برهان على صدق دعواهم، وهم خدام الطريق والإخوان، والدعاة بالقول والعمل والحال إلى الخير).
وقال في مذكرة المرشدين والمسترشدين متحدثًا عن أدوارهم: (من المقرر أنه لا بد أن يكون لكل جماعة في بلد أو قرية أو مدينة أخ مقدم عليهم يلاحظ أن يكون:
1- عالمًا بالسنة؛ حتى يردهم إليها إن سهوا أو خالفوا.
2- عالمًا بأسرار الطريق ليبين لهم مقامات السير والسلوك، وطرق تزكية النفوس وحقيقة الآداب، وهما الأصلان العظيمان اللذان بهما يقدم الأخ، فإن جمَّله الله بعدهما بشرف النسب، وبالوسعة في الرزق، وبالجاه بين الخلق؛ فهو النجيب).
وقد كان الإمام يستغيث بهم، فيقول في القصيدة 2050 من ديوان ضياء القلوب:
مُسْتَغِيثًا بِالْمُصْطَفَىٰ حِبِّ قَلْبِي
وَالْكِرَامِ الأَنْجَابِ مِنْ آلِ بَــدْرِ
ويرى أنهم أداة التمكين في الأرض، فيقول في القصيدة 3156:
جَدِّدْ لَنَا النُّعْمَـــىٰ وَأَعْلِ قَـدْرَنَا
مَكِّنْ لَنَا فِي الأَرْضِ بِالأَنْجَابِ
وقد وصفهم بأنهم قدوة، فقال في القصيدة 9449:
وَتَرَفُّعٌ عَنْ كُلِّ مَيْلٍ مُوهِمٍ
وَتَمَسُّكٌ بِالْقُــدْوَةِ الأَنْجَابِ
وهذا يؤكد ما يوجه سماحة السيد علاء أبو العزائم بضرورة خلق قدوة في المجتمع من آل العزائم، فالإمام أبو العزائم اعتبر الأنجاب العلماء هم القدوة، وطالب بالتمسك بهم.
بل إن الإمام رفعهم لمرتبة الأولياء ووصفهم بالسيادة، فقال في القصيدة 9813:
فَتَوَسَّلِي يَارُوحُ بَلْ وَتَشَفَّعِي
بِالأَوْلِيَاءِ السَّادَةِ الأَنْجَــــابِ
وأملى قصيدة كاملة عنهم، هي رقم 6139، قال فيها:
أَهْلُ الصَّفَا شَرِبُوا الطَّهُورَ فَطَابُــــوا
وَعَنِ التَّقَيُّدِ بِالْمَظَاهِرِ غَابُـــــــــــــوا
شَهِدُوا جَمَالًا مُشْرِقًا فِي أُفْقِـــــــــــهِ
فَتَجَرَّدُوا عَنْهُمْ لَهُ وَأَنَابُـــــــــــــــــوا
عَلِمُوا يَقِينًا بِالْمَآلِ فَجَاهَــــــــــــــدُوا
فِي اللَّهِ وَهْمُو الصَّفْـــــــــوَةُ الأَنْجَابُ
هَجَرُوا الْحُظُوظَ وَهَاجَرُوا لِحَبِيبِهِــمْ
مُتَجَمِّلِينَ بِمَا يُحِبُّ وَتَابُـــــــــــــــــوا
وَافُوا عَلَىٰ مَوْلاَهُمُو فِي وِجْهَــــةِ الْ
مُخْتَارِ إِذْ نَادَاهُمُو فَأَجَابُــــــــــــــــوا
سَلَكُوا عَلَى النَّهْجِ الْقَوِيمِ فَأَشْــــرَقَتْ
لَهُمُ الْمَعَانِي فُتِّحَتْ أَبْــــــــــــــــوَابُ
اللَّهُ أَكْبَرُ كَمْ لَهُمْ مِنْ حُظْــــــــــــــوَةٍ
وَجْهَ الْعَلِــــيِّ سَمَـــــا وَلَيْسَ حِجَابُ
كُشِفَ الْحِجَابُ عَنِ الْجَمَالِ فَوَاجَهُوا
بِشُهُودِهِ فَازَتْ بِهَـــــــــــــا الأَحْبَابُ
نَيْلٌ بِهِ فَازَ الْمُــــــــــــــرَادُ وَحُظْوَةٌ
عَنْ كَشْفِهَا قَدْ تَعْجِــــــــــــزُ الأَلْبَابُ
هؤلاء النجباء أو الأنجاب هم علماء بالشريعة والحقيقة، وقد وصفهم الإمام أبو العزائم بالعلماء في مذكرة المرشدين والمسترشدين، ولم يقل دعاة فقط أو طلاب علم، فلكم أن تتخيلوا أننا بحاجة لظهور 70 عالمًا بالشريعة والحقيقة في جيل واحد من الدعوة؛ حتى نستطيع وقتها أن نقول: إننا جاهزون لدولة أهل البيت.
خروج علماء دولة أهل البيت، بحسب ما سبق، سيكون من مصر، فعلينا إعداد الرجال كما يأمرنا سماحة السيد علاء دومًا، وليس أي رجال، بل علينا أن نجهز علماء عاملين؛ لأن علماء دولة أهل البيت لن يخرجوا إلا من مصر.
بين الإمامين الحسن والحسين
وختامًا، بما أن ليلة بدر تتزامن مع ليلة ميلاد الإمام الحسن عليه السلام ، قد يتساءل البعض أن عدد الـ 313 لم يكتمل مع الإمامين الحسن والحسين، لكن الإمام الحسين نهض، والإمام الحسن تصالح.
ولتوضيح الأمر نقول: اختلف المؤرخون في عدد أصحاب الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء على عدة أقوال، المشهور منها بين المؤرخين أنهم اثنان وسبعون. وهي رواية أبي مخنف التي نقلها الطبري واختارها الشيخ المفيد في (الإرشاد) والطبرسي في (إعلام الورى) وابن الأثير في (الكامل) والقرماني في (أخبار الدول) وغيرهم كثير فهذه هي الرواية المشهورة. وقد رواها أبو مخنف عن شاهد عيان كان متواجدًا في صفوف أصحاب الامام الحسين عليه السلام وهو الضحاك بن عبد الله المشرقي.
فلماذا خرج الإمام الحسين وكان معه سبعون فقط؟.
اعلم أيها الأخ المحب الأكرم أن هذا العدد يوافق عدد أسماء الجمال.
وأن اختيار سيدنا موسى عليه السلام سبعين رجلًا من قومه ليسمعوا كلام الله ويعتذروا عن عبادة العجل – فيه إشارة إلى أن الله يناجى كليمه من خلال أسماء الجمال؛ لأنه الخليفة الأعظم عن الله في زمانه نائبًا عن الحقيقة المحمدية.
ولهذا اختار من صالحى قومه سبعين رجلاً بعدد أسماء الجمال؛ لكى يطيقوا سطوة التجلى الإلهى، ولو نقص العدد لهلكوا.. والله أعلم.
وقال الإمام محمد الباقر عليه السلام: (إنَّ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ عَسْكَرِ فِرْعَوْنَ رَفَضُوا فِرْعَوْنَ فأتَوْا مُوسَى عليه السلام ، فلَمْ يَكُنْ في قَوْمِ مُوسَى أشَدُّ اجْتِهَادًا، ولا أشَدُّ حُبًّا لهَارُونَ مِنْهُمْ، فسَمَّاهُمْ قَوْمُ مُوسَى: الرَّافِضَةُ، فأوْحَى اللهُ إلى مُوسَى: أنْ ثَبِّتْ لَهُمْ هذا الاسْمَ في التَّوْرَاةِ، فإنِّي قَدْ نَحَلْتُهُمْ، وذَلِكَ اسْمٌ قَدْ نَحَلَكُمُوهُ اللهُ)([26]).
فهو إشارة لمن أخلصوا في الحب، وهو إشارة لمن يرفع بهم البلاء، ولذلك عندما نهض الإمام الحسين عليه السلام ومعه ما يجاوز السبعين رجلاً، لم ينتظر اكتمال الـ 313؛ لأن المعركة كانت واقعة لا محالة.
أما الإمام الحسن فلم يكن معه رجال، وكاد من معه أن يسلموه لمعاوية، فلذلك حفظًا لدماء المسلمين، تصالح عن الخلافة لا الإمامة.
أسأل الله تعالى أن يكشف لقلوبنا حقيقة الجمال الرباني، الذى به ننجذب بكليتنا إلى الرضوان الأكبر.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله أجمعين.
======================================
([1]) ينظر: السيرة الحلبية 2/194، والنجاة فى سيرة رسول الله للإمام أبي العزائم ص329 – 330.
([2]) ينظر: البداية والنهاية 5/65، والسيرة الحلبية 2/195، والنجاة فى سيرة رسول الله ص331.
([3]) ينظر: البداية والنهاية 5/84، والسيرة الحلبية 2/197.
([4]) ينظر: سبل الهدى والرشاد 4/39، والسيرة الحلبية 2/196.
([5]) ينظر: سنن أبى داود 3/124 ح 2747، والمستدرك للحاكم 2/173 ح 2699، والسيرة الحلبية 2/196، والنجاة فى سيرة رسول الله ص331.
([6]) ينظر: السيرة الحلبية 2/196، والنجاة فى سيرة رسول الله ص331 – 332.
([7]) ينظر: السيرة الحلبية 2/383 ط. دار المعرفة.
([8]) الكافي للكليني، 8/316، ذيل آيات 246 – 249 سورة البقرة، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة، 1407هـ.
([9]) الأمالي للشیخ الصدوق، ص 185، بیروت، الأعلمی، الطبعة الخامسة، 1400هـ.
([10]) الخصال للشیخ الصدوق 2/524، قم، مكتب النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1362ش.
([12]) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، 2/672 – 673، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية، 1395هـ؛ «عدد أصحاب إمام الزمان عند ظهوره»، 59671؛ «313 أصحاب الإمام المهدی»، 46591؛ «خطاب إمام الزمان لـ 313 نفر عند الظهور»، 83024.
([13]) المستدرك للحاكم: ج٤ ص٥٥٤، ومقدمة ابن خلدون: ص٢٥٢ – ٢٥٣ ف٥٣.
([14]) بحار الأنوار للمجلسي ٥٢/٢٨٣.
([15]) بحار الأنوار للمجلسي 100/49.
([16]) أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق عليه السلام.
([17]) الجدي: من أولاد المعز، وهو ما بلغ ستة أشهر أو سبعة، والجمع جِداء وأَجْدٍ وجِديان.
([18]) الكافي للكليني 2/ 243، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365هـ شمسية، طهران.
([19]) ينظر: السيرة الحلبية 3/10 – 12، وسبل الهدى والرشاد 5/317 – 320، والسيرة النبوية لابن هشام 2/398 – 399، والنجاة ص838 – 840.
([20]) الرحيق المختوم للمباركفوري 1/81.
([22]) دلائل الإمامة للطبري /۲٤۸.
([24]) تاريخ دمشق:۱/۳۰۰، والشعراني/۱۷۸، والعجلوني:۱/۲٥، والداني٥/۱۰۹۲.