أخبار عاجلة

فقه مالك والمالكية (2)

تقوم جميع هذه المذاهب الفقهية على استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الواردة في القرآن والسنة وفق قواعد وأصول فقهية محددة، ويمكن تسميتها مدارس فقهية لاتفاقها في العقيدة والأصول والشريعة ولكن قد تختلف قليلًا في الأحكام المستنبطة. وتنتشر المذاهب الفقهية في الدول الإسلامية …

د. محمد الإدريسي الحسني

بقية: مقدمة

تقوم جميع هذه المذاهب الفقهية على استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الواردة في القرآن والسنة وفق قواعد وأصول فقهية محددة، ويمكن تسميتها مدارس فقهية لاتفاقها في العقيدة والأصول والشريعة ولكن قد تختلف قليلًا في الأحكام المستنبطة. وتنتشر المذاهب الفقهية في الدول الإسلامية كما يلي:

– المالكي في عموم المغرب العربي وإفريقيا والسودان وصعيد مصر والإمارات العربية المتحدة والكويت.

– الحنفي في شمال مصر ووسط آسيا وتركيا وأفغانستان وباكستان والهند ودول آسيا الوُسطى.

– الشافعي في القرن الإفريقي وجنوب شرق آسيا والعراق واليمن.

– الحنبلي في الجزيرة العربية والإمارات والكويت ومناطق في سلطنة عمان.

– الجعفري في العراق والبحرين والكويت وأذربيجان وإيران.

– الزيدي في اليمن.

– الإباضي في سلطنة عمان وجزيرة جربة التونسية وواد ميزاب بالجزائر، وجبل نفوسة وزوارة بليبيا، والزنجبار.

وقد عرفت ليبيا والمنطقة المغاربية المذهب المالكي من بدايات القرن الثاني الهجري، وترسخ المذهب في هذه المنطقة وازدهر على مر السنين، وساهم علماء من أهل ليبيا خاصة ومن المغاربة عمومًا في تطويره ونشره، إلى أن تعرضت المنطقة في أواخر القرن الهجري الرابع عشر، لهجمة شرسة من توجهات غريبة مستغربة، مشكوك في أصولها وتوجهاتها، أشاعت فتنة وفوضى فقهية وأنتجت فتاوى منفرة لا تتفق وأصول المذهب المالكي الراسخ في المنطقة، وصلت إلى حد العمل على اقتلاع وانتهاك كل ما ينتمي الى المذهب المالكي السني السلفي من أصول فقهية مؤصلة، لهذا رأينا التعريف المختصر بأصول المذهب المالكي، من خلال التعريف بالإمام مالك” رجاله، وعصره، ومنهجه، وآثاره. أضع بين يدي القارئ الكريم هذا الجهد الذي أحتسبه خالصًا لوجه الله، ولا أبتغي من خلاله إلا الخير لأهلي في ليبيا وللمسلمين قاطبة، فإن حالفه الصواب فهو توفيق من الله العلي العظيم السميع العليم، وإن وقعت في الخطأ فمن نفسي القاصر المقصرة، أسأل الله المغفرة، وأطلب ممن يراني على خطأ أن يصحح لي وأجره على الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملًا وأكون له من الشاكرين.

رجاله وعصره وآثارهم

المدخل:

أولاً: ترجمة الإمام مالك 0

هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري المدني، وكنيته أبو عبد الله، من أهم الفقهاء والمحدثين، وهو أحد الأئمة الأربعة المعتبرين عند أهل السنة والجماعة من المسلمين، ومؤسس المذهب المالكي وصاحبه، وكان معروفًا بعلمه الغزير، وشهرته في أمور الفقه وفنون استنباط الأحكام الشرعية، كما كان حافظًا للحديث الشريف، الذي أبدع جدًّا في إتقانه، وكان حادّ الذاكرة.. ونسبه كاملًا هو (مالك بن أنس بن مالك، بن نافع (أبي عامر) بن عمرو بن الحارث، بن غيمان، بن خُثيل، بن عمرو، بن الحارث (ذي أصبح. وله نسبة الأصبحي)، بن عوف، بن مالك، بن زيد، بن شدّاد، بن زرعة، من ذرية يعرب بن قحطان)، من ذلك نعلم أنه عربي قحطاني أصبحي.. من أهل اليمن الذين دعا لهم رسول الله J بالبركة وشهد لهم بالحكمة، وكانت أمه عربية من يزد، فهي العالية بنت شريك بن عبد الرحمن الأزدي.

عرفت أسرته بالعلم في محيطها وعصرها. فجده: «مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري»، كان من كبار التابعين وعلمائهم، روى عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وعائشة أم المؤمنين وأبي هريرة وحسان بن ثابت وعقيل بن أبي طالب، وهو أحد الأربعة الذين تحدوا الفتنة وخاطروا بأنفسهم وقاموا بحمل سيدنا عثمان بن عفّان إلى قبره ليلاً، وغسّلوه، ودفنوه بعد أن قتله البغاة في فوضى إرهابية عظيمة.. ورُوي أن عثمان أغزاه إفريقية ففتحها، وأنه كان ممن يكتب المصاحف حين جمعها عثمان 0، كما كان الخليفة عمر بن عبد العزيز يستشيره، وقد توفي سنة 94هـ…وأبو جده: «أبو عامر نافع بن عمرو الأصبحي الحميري»، يُقال إنه صحابي، قال القاضي بكر بن العلاء القشيري: «إن أبا عامر جد أبي مالك رحمه الله من أصحاب رسول الله J وشهد المغازي كلها خلا بدرًّا، وفي رواية ثانية: أن أبا عامر نزل المدينة بعد وفاة الرسول محمد J، فهو لهذا تابعي مخضرم. وفي رواية ثالثة: أن أبا عامر لم يكن صحابيًّا ولم يأت المدينة المنورة، بل أتاها ابنه مالك، قال ابن عبد البر: «قدم مالك ابن أبي عامر المدينة من اليمن متظلمًا من بعض ولاة بني تيم بن مرة، فعاقده وصار معهم … وكان والده أنس بن مالك بن نافع الاصبحي مقلًّا في رواية الحديث. ولكنه وجد في أعمامه وجَدِّه غناء، ويكفي مقامهم في الرواية لتكون الأسرة من الأسر المشهورة بالعلم، كما كان أخو مالك وهو النضر بن أنس ملازمًا للعلماء يتلقى عليهم ويأخذ عنهم.

ولد 0 على أصح الأقوال في العام الثالث والتسعين من الهجرة.. في خلافة سليمان بن الحكم الأموي، بمنطقة ذي المروة بالمدينة المنورة.. وتؤكد المصادر التاريخية أن جد والده انتقل من ديار ذي أصبح باليمن إلى الحجاز وأقام فيها.

خلف الإمام مالك من الأولاد أربعة، هم: يحيى، ومحمّد، وحمّاد، وفاطمة أمّ أبيها أو أمّ البنين.

كما أسلفنا كان والد جد الإمام مالك وجده وأعمامه وإخوته من أهل القرآن والحديث ومن المشتغلين بالفقه.. وفي حضن هذه العائلة الكريمة تربى الإمام مالك. واشتهر بحرصه على تلقّي العلم من العلماء الكبار، وقد منحه الله I مواهب تُعينه على ذلك. أهمّها: الحفظ والفهم، في وقتٍ ساء فيه حفظ الناس؛ فقد كان 6 يذهب إلى سعيد بن المسيب، وعروة، والقاسم، وحميد، وغيرهم، يسمع من كلّ واحد منهم نحو خمسين حديثًا إلى مئة، ثمّ ينصرف وقد حفِظها من غير أن يخلط بينها، ولم يعتمد على ضبط صدره فقط فيما يرويه، بل اعتمد على الكتابة أيضًا، فقد رُوِي عنه أنّه قال: كتبتُ بيدي نحو مئة ألف حديث.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (32)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …