قام تنظيم الإخوان فى ١٩٦٥م بالتخطيط لإغتيال جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة وتفجير القناطر الخيرية لإغراق مصر ونشر الفوضى للسيطرة على السلطة بقيادة سيد قطب باعترافه فى كتابه ” لماذا أعدمونى “؟!…
الدكتور محمد حسيني الحلفاوي
الإخوان وحريق القاهرة (1)
يمثل حريق القاهرة فى 26 يناير 1952م جريمة تاريخية مؤلمة فى تاريخنا الحديث؛ ففى هذا اليوم تم إحراق نحو عدد (700) محل وسينما وكازينو وفندق ومكتب وناد فى شوارع وميادين وسط القاهرة، فى الفترة ما بين الساعة 12:30 ظهرًا والساعة 11 مساءً التهمت النار نحو (300) محل بينها أكبر وأشهر المحلات التجارية فى مصر مثل: شيكوريل وعمر أفندى وصالون فيدى، و(30) مكتبًا لشركات كبرى، و(117) مكتب أعمال وشققًا سكنية، و(130) فندقًا كبيرًا منها: شبرد ومتروبوليتان وفيكتوريا، و(40) دار سينما بينهم (ريفولى وراديو ومترو وديانا وميامى)، و (8) معارض كبرى للسيارات، و(10) متاجر للسلاح، و (73) مقهى ومطعمًا وصالة منها جروبى والأمريكين، و(92) حانة، و(16) ناديًا.
وقد أسفرت حوادث ذلك اليوم عن مقتل (36) شخصًا، وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور (552) شخصًا، وقدر الخبراء الأجانب الخسائر المادية بـ 40 مليون إسترلينى، وقدرها الخبراء المصريون بمائة مليون، وخسرت المطافى وحدها وهى تحاول الإطفاء، خراطيم مياه مزقت أو احترقت قيمتها 12 ألف ج([1]).
والغريب والعجيب أن هذه الواقعة الخطيرة والمؤسفة لم يتم تحديد مرتكبها والمخطط لها حتى الآن؛ وتاه الاتهام بين جهات عدة:
– فمن قائل: إن الاحتلال الإنجليزي هو مرتكب الجريمة.
– ومن قائل: إن الفاعل هو الملك فاروق والقصر الملكي.
– وهناك من يوجه الاتهام إلى حزب مصر الفتاة بقيادة أحمد حسين.
ولكن هؤلاء تناسوا وتغافلوا عن عدة حقائق:
أن الإنجليز مستفيدون بالفعل من جريمة حريق القاهرة فى 26 يناير 1952م؛ وذلك للتغطية على جريمتهم القانونية والأخلاقية بالإسماعيلية – عندما ضربوا قوة البوليس المصري بالإسماعيلية بالدبابات فى اليوم السابق 25 يناير 1952م مما تسبب فى استشهاد 50 وإصابة 80 شرطيًّا – وذلك للفت أنظار العالم عن جريمتهم بالإسماعيلية قبلها بيوم واحد، ولكن السؤال: من الفاعل والمنفذ على الأرض؟!.
وأما اتهام الملك فاروق والقصر الملكي بحرق القاهرة؛ ليجد المبرر لإقالة حكومة الوفد بقيادة مصطفى النحاس.. فهذا اتهام غير منطقى، فهو دستوريًّا يستطيع إقالة الحكومة، فلماذا يلجأ لحرق مملكته؟! وعلى رأى القائل: هو فيه حد يحرق بيته عشان يطرد الطباخ!!([2])، ولكن خطأ الملك هو التراخى والتأخير فى إتخاذ قرار نزول قوات الجيش خوفًا من استغلال تنظيم الضباط الأحرار للموقف وعدم العودة لثكناتهم.
أما حزب “مصر الفتاة”: فقد شارك أعضاء الحزب بالفعل فى المظاهرات ضد جريمة قوات الاحتلال تجاه قوات البوليس بالإسماعيلية فى هذا اليوم 26 يناير 1952م وذلك بالتنسيق مع وزير الداخلية فؤاد سراج الدين الذى كلف عبد الفتاح باشا حسن وزير الشئون الاجتماعية حينذاك بالاتصال سرًّا بأحمد حسين رئيس الحزب مساء يوم 25 يناير 1952م لحضه على تسيير مظاهرة سلمية محدودة المدى فى اليوم التالى للرد على ما حدث ضد قوة البوليس بالإسماعيلية بهدف الضغط على الإنجليز وإحراج الملك، وهذا ما أثبتته الوثائق البريطانية المفرج عنها حديثًا.. والتى جاء فيها أن أحمد حسين قد شوهد – بناء على شهادات عديدة – يوم الأحداث فى سيارته وسط مدينة القاهرة ينظم المتظاهرين، ولكن حزب مصر الفتاة لا يمتلك القدرة والخبرة على تنفيذ الحريق كما حدث فى 26 يناير 1952م بمفرده؛ فهو مشارك ومساعد فقط، ولكننا نبحث عن الفاعل الأصلي؟!
واللافت للنظر أن الجميع قد تغافلوا وتناسوا – عمدًا – أكبر جماعة منظمة فى مصر فى ذلك الوقت، ألا وهى جماعة الإخوان، ومن وجه إليها الاتهام كان بصوت خافت وعلى استحياء!! رغم القرائن والأدلة العديدة التى تشير بأصابع الاتهام لتنظيم الإخوان كمخطط ومنفذ لجريمة حريق القاهرة فى 26 يناير 1952م؛ لنشر الفوضى فى البلاد للوثوب للسلطة وحكم البلاد.
فهم الذين يمتلكون التنظيم السري المنظم والمسلح، وهم من سبق لهم ارتكاب جرائم مماثلة منها: إلقاء قنابل على عدد من أقسام الشرطة بالقاهرة فى 1946م باعتراف القيادي الإخواني محمود الصباغ([3])، تفجير فندق الملك جورج بالإسماعيلية فى 1947م، باعتراف القيادى الإخوانى صلاح شادى([4])، تفجير محلات شيكوريل وعدس وبنزايون وجاتينو ونسف شركة الإعلانات الشرقية فى 1948م، وضع شنطة بها متفجرات لتفجير محكمة الاستئناف بباب الخلق بالقاهرة لغرض حرق أوراق قضية السيارة الجيب وذلك فى 1949م([5]).
وهذه مجموعة وثائق وشهادات تؤكد أن تنظيم الإخوان هو مخطط ومرتكب الجريمة التاريخية بحرق القاهرة فى 26 يناير 1952م:
1- القيادى الإخوانى محمود عبد الحليم:
وهذه شهادة مهمة جدًّا؛ لأن صاحبها محمود عبد الحليم هو أول رئيس للتنظيم الخاص للإخوان وهو المؤرخ الأول للجماعة ومن الرعيل الأول للإخوان.. وهذه الشهادة المهمة قد تم تسجيلها وتوثيقها صوتيًّا فى 1999م بحضور الباحث فى الحركات الدينية الأستاذ حسام تمام، وعضو الإخوان حينذاك الأستاذ ثروت الخرباوى، ولقد طلب الأستاذ محمود عبد الحليم عدم نشر هذه المعلومات إلا بعد وفاته؛ خوفًا على حياته من تنظيم الإخوان.
يقول محمود عبد الحليم: ” ذكرت موضوع مقتل المطربة أسمهان ومحاولة اغتيال مصطفى النحاس وحريق القاهرة بتفصيلاته فى كتابى (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) لكن مصطفى مشهور لما عرضت عليه المسودة الأصلية للكتاب، قام بالتغيير وحذف أشياء وعدل، وكتب أشياء لم أذكرها على الإطلاق فى مسألة حريق القاهرة، وأخفى أشياء وشطبها من الأشياء التى ذكرتها.
كان وجهة نظري أن التاريخ كله يجب أن يروى، ولكن كان وجهة نظره أن التاريخ إذا روى كاملًا فإنه من الممكن – بسبب بعض الأخطاء التي ارتكبت – أن يقف حائلًا دون وصول الإسلام إلى الحكم ويصد المقبلين على الحل الإسلامى.
قتل المطربة أسمهان: هذا الأمر كان متفق عليه أصلًا – منذ فترة قبل تنفيذ العملية – بين الإمام الشهيد حسن البنا وكلايتون ضابط المخابرات الإنجليزية فى مصر، غير أنه تأخر تنفيذ العملية 5 سنوات، وأشرف عليها عبد الرحمن السندى، جاب سائق شغله فى شركة مصر للسينما، وقام بالعملية دى.
كانت الأسباب التى استند إليها الإمام حسن البنا من الناحية الشرعية، أن أسمهان تتجسس ضد مصر لمصلحة الإنجليز والألمان، وأن هذا التجسس من الممكن أن يضر بمصالح كثيرة لمصر، وكانت تفسد فى الأرض، من المفسدين فى الأرض، توافقت الرغبات مع الإنجليز؛ لأنهم كانوا عاوزين يتخلصوا منها بسبب أن لسانها كان فالت، كانت بتحكى كتير من العمليات التى تقوم بها للمخابرات.
===========================
([1]) انظر: كتاب “حريق القاهرة.. قرار اتهام جديد” للأستاذ جمال الشرقاوى، دار الثقافة الجديدة، ط1. سنة 1976م ص 29، 30.
([2]) الباحث الدكتور ماجد فرج، قناة الوثائقية المصرية: “حريق القاهرة.. القصة الكاملة”، بتاريخ 2-3-2023م.
([3]) كتاب “حقيقة التنظيم الخاص” محمود الصباغ، دار الاعتصام، ط1 سنة 1989م ص 278.
([4]) كتاب “حصاد العمر” صلاح شادى، ص 89، 90.
([5]) كتاب “النقط فوق الحروف” أحمد عادل كمال، الزهراء للإعلام العربى، ط2. سنة 1989م ص 235.