استشهد الإمام الحسين ولم يمض على انتقال النبي J خمسون سنة. قطعوا الرؤوس ورفعوها على الحراب أمامهم. وتركوا الجثث ملقاة على الأرض لا يدفنونها، ولا يصلون عليها، كما صلوا على جثث قتلاهم، ومروا بالنساء الشريفات حواسر الرؤوس، فولولن باكيات، وصاحت السيدة زينب 1 تستنجد وتستجير بجدها الرسول: “يا محمداه! هذا الحسين بالعراء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا”…
المستشار رجب عبد السميع وأ. عادل سعد
بقية: ابتلاءات أهل البيت ومحنهم
بقية: ابتلاء واستشهاد آل البيت في عهد الدولة الأموية
بقية: معركة أرض الطف (كربلاء)([1]):
استشهد الإمام الحسين ولم يمض على انتقال النبي J خمسون سنة. قطعوا الرؤوس ورفعوها على الحراب أمامهم. وتركوا الجثث ملقاة على الأرض لا يدفنونها، ولا يصلون عليها، كما صلوا على جثث قتلاهم، ومروا بالنساء الشريفات حواسر الرؤوس، فولولن باكيات، وصاحت السيدة زينب 1 تستنجد وتستجير بجدها الرسول: “يا محمداه! هذا الحسين بالعراء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا”.
وكان ما قالته السيدة زينب أصدق وصف لما بعد كربلاء.
وهكذا – كما يقول العقاد – ليس فى العالم أسرة أنجبت من الشهداء من أنجبتهم أسرة الحسين عدة وقدوة وذكرًا. وحسبه أنه وحده فى تاريخ هذا الدنيا: الشهيد، ابن الشهيد، أبو الشهيد، فى مئات السنين.
وبعد أن جاءوا برءوس آل البيت، وطافوا بها فى مدينة الكوفة نادى واليها ابن زياد إلى الصلاة الجامعة وصعد المنبر، ثم خطب القوم فقال: “الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن على وشيعته”.
فما أتم ابن زياد هذه العبارة، حتى وثب له من جانب المسجد، شيخ ضرير، هو عبد الله بن عفيف الأزدى، الذى ذهبت إحدى عينيه يوم الجمل، وذهبت عينه الأخرى يوم صفين. فصاح بالوالى غداة يوم انتصاره وزهوه، يقول له مستهزئًا به: “يا ابن مرجانة! أتقتل أبناء النبيين وتقوم على المنبر مقام الصديقين؟ إنما الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه”.
فما طلع الصباح على هذا الشيخ الضرير، حتى وجدوه قتيلًا مصلوبًا، لكن العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم، فما بالك بأبناء الرسول J؟ لم يمض على كربلاء أربع سنوات، حتى مات يزيد، وهو يسابق قردًا فوقع من فوق حصانه.
وخرج من أهل الكوفة جماعة باسم (التوابين)، وداعيتهم المختار بن أبى عبيد الثقفى، وأقسموا ألا يتركوا واحدًا من قاتلى الحسين.
أما عبد الله بن زياد فقتل وأحرق، وأما شمر بن ذى الجوشن ألقيت أشلاؤه للكلاب.
وكان مجرد شبهة الاشتراك فى كربلاء، كافيًا لذبح صاحبه وحرقه وصلبه. وقد بلغ من انتقام جماعة التوابين، حدًّا فاق مذابح كربلاء.
وتلاحقت فيما بعد النكبات على أسرة معاوية وعلى الأمويين بصفة عامة؛ حتى خرج لهم السفاح أبو العباس (مؤسس الدولة العباسية)، ونبش قبورهم، وتعقب رجالهم؛ حتى قضى عليهم جميعًا.
وقد جاء وصف أهوال كربلاء وأحداثها([2]):
كــربـــلاء لا زلــت كـربــًا وبــلا
مـا لـقـى عـنـدك أهل المصطفى
كــم عــلــى تـربـك لـمــا صرعوا
مــن دم سـال ومـن دمـع جـرى
يــا رســـول الله لـــو أبــصــرتهم
وهــــم بــيــن قــتــيــل وســبــا
مــن ومـيــض يـمـنـع الظـل ومن
عــاطـش يسقى أنـابـيـب الـقـنـا
جــزروا جـــزر الأضـاحى نسلـه
ثـم سـاقــوا أهـلــه سـوق الأمـا
هــاتــفـــات بـــرســول الله فــــى
شـدة الخـوف وعثرات الخطى
قـتــلــــوه بـــعـــد عــلــم مـنـهمو
أنـه خــامــس أصـحـاب الكـسا
لــيــس هـــذا لــرســـول الله يـــا
أمــة الـطـغـيـان والبـغــي جـزا
يــا جــبــال الــمــجـد عزا وعلا
وبــدور الأرض نـــورًا وســنـا
جــعـــل الله الـــذى نــالــكــمـــو
سـبـب الـوجــد طـويــلًا والبـكا
لا أرى حـزنــكـمـو يـسـلــى ولا
رزءكم ينسى وإن طال المــدى
ومن أجمل ما ورد فى رثاء الحسين:
أيـها الـقـاتـلـون جهلًا حسينا
أبـشـروا بـالعـذاب والتـنـكيل
كل أهل السماء يدعوا عليكم
مـن نـبـي ومــالــك وقـبـيــل
قـد لـعـنتم على لسان ابن داو
د ومـوسى وحـامل الإنجيل([3])
ربما لم يخطر ببال إنسان أن يومًا واحدًا سيدفع الأمويون ثمنه جيلًا كاملًا ودولة ضخمة. ولكن ماذا تقول إذا كانت هذه هى الحقيقة والواقع؟!
وهكذا – كما يقول العقاد – تشاء مصادفات التاريخ إلا أن ترى هذه البقاع حربًا، هى أولى أن تسمى حرب النور والظلام، من حرب الحسين ومقاتليه. كان الحسين فى دفاعه معنى من الإيمان بالواجب كما تخيله ورآه. ولكن الجيش الذى أرسله عبد الله بن زياد من قبل يزيد بن معاوية لحرب الحسين، كان جيشًا يحارب قلبه لأجل بطنه، أو يحارب ربه لأجل واليه، إذ لم يكن فى جيش يزيد رجل واحد يؤمن ببطلان دعوى الحسين، أو رجحان حق يزيد، فكانوا حقًّا فى يوم كربلاء قوة من عالم الظلام، تكافح قوة من عالم النور.
وهكذا كانت كربلاء، كما يقول ماريبن المؤرخ الألمانى، نقلًا عن كتاب العقاد: “إن حركة الحسين فى خروجه على يزيد، كانت عزمة قلب كبير، عز عليه الإذعان، وعز عليه النصر العاجل، فخرج بأهله وذويه ذلك الخروج الذى يبلغ به النصر الآجل بعد موته، وتحيا به قضية مخذولة ليس لها بغير ذلك حياة”.
================================
([1]) تفاصيل معركة كربلاء منشورة فى كتب كثيرة، وخاصة كتاب “مقاتل الطالبيين”، بالإضافة إلى كتاب محمد أحمد عاشور بعنوان: “سيد شباب أهل الجنة”، وكتاب توفيق أبو علم: “أبو الشهداء”، أبو عبد الله الحسين بن على”. وكتاب عباس العقاد: “أبو الشهداء الحسين بن على” وعشرات وعشرات الكتب التى تناولت من قريب أو بعيد “مأساة كربلاء”. بالإضافة إلى مئات من كتب الشيعة التى ألفت على مدى أربعة عشر قرنًا من الزمان.
مجلة الإسلام وطن موقع مشيخة الطريقة العزمية