بيَّنَّا اللقاء الماضي أن العلامات أو الآيات الكبرى متسلسلة في الازمان من الأولى حتى العاشرة، وبعدها تقوم الساعة، بينما العلامات الصغرى غير متسلسلة أو متتابعة، إذا قد يحدث بعضها في مكان، ثم تختفي وتعود مرة أخرى، أو قد يحل محلها ما هو أشد منها.. وفي هذا المقال نستكمل الحديث، فنقول:
أ.د. فاروق الدسوقي
بقية آيات الساعة العشر
بقية: أ- الفرق بين الآية والعلامة:
لتوضيح هذه الخاصية في العشر الكبرى نقول: إن من العلامات التي تدل على قرب الساعة، أي على قرب بداية النهاية، وحدوث العلامة الأولى، ما ورد من أحاديث صحيحة عن حذيفة 0 تفيد تدرج الأمة في النظام السياسي ونظام الحكم خلال مراحل تبدأ بخلافة النبوة، ثم ملك عضوض، ثم عهد الجبابرة والطواغيت، ثم الخلافة الراشدة المهدوية مرة أخرى، فإذا علمنا أن من علامات قرب الساعة كثرة الشرط، لاستطعنا أن نربط بسهولة وبوضوح بين كثرة الشرط لاعتماد الحكام عليهم، وبين عهد الجبابرة والطواغيت الذين يعتمدون في بقاء نظامهم وسلطانهم على القوة المحضة.
ولتعلمنا يقينًا – بمقتضى واقع الأنظمة الطاغوتية في أكثر بلدان العالم الإسلامي المعاصر([1]) أن هذا الأمر مسلم به وطبیعی وموافق لسنن انهيار الدول والأنظمة عند علماء العلوم التاريخية والسياسية، ومع هذا فإنه يعد علامة من علامات الساعة. وربما كان من العلامات الكبرى القريبة لكنه ليس آية من آيات الساعة العشر؛ لأنه موافق لسنن وقوانين الحياة الاجتماعية والتاريخية للبشر سواء في الجانب السياسي أو الاقتصادي أو الخلقي أو الحربي.
إذن ثمة علامات تسبق الآيات وتتخللها، فإذا علمنا العلامات التي تسبق الآية الأولى التي هي بداية النهاية أمكننا توقع هذه الآية، ثم بعد ذلك يمكننا أن نعين (سيناريو) الأحداث بدءًا بالآية الأولى حتى قيام الساعة، سواء أكانت الأحداث من الآيات الكبرى، أم من العلامات والآيات الصغرى، ولكن هذا لا يكون حتى نعرف ترتيب الآيات الكبرى حسب وقوعها في الزمان، ثم نعرف العلامات التي تسبق الآية الأولى بعد تعيينه.
ب- اختلاف العلماء حول ترتيب الآيات:
اختلف العلماء حول مسألة ترتيب الآيات الكبرى حسب وقوعها في الزمن كما يلي:
١- القرطبي:
ذكر القرطبي في التذكرة رواية للإمام مسلم في صحيحه([2]) فقال: من حديث حذيفة أيضًا قال: كان رسول الله o في غرفة ونحن أسفل منه فاطلع إلينا فقال: [ما تذكرون؟] قلنا: الساعة، قال: [إن الساعة لا تكون حتى تروا عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس]، وقال بعض الرواة في العاشرة: [نزول عيسى بن مريم]، وقال بعضهم: [وريح يلقي الناس في البحر]([3]).
وبناء على هذا النص وغيره مما اعتمده القرطبي ينتهي إلى أن (أول الآيات: ظهور الدجال، ثم نزول عيسى A، ثم خروج يأجوج ومأجوج)([4]).
والذي يمكن ملاحظاته على ترتيب القرطبي أنه يعتمد الخسوف الثلاثة كما وردت بالحديث الذي عزاه إلى مسلم باعتبارها الآيات الثلاث الأول، وذلك لأنه اعتبر ورود الآيات العشر في هذه الرواية بدون الترتيب الزمنى، ومن ثم جعل ظهور الدجال أول الآيات العشر.
۲- ابن كثير:
ذكر ابن كثير في كتابه (النهاية في الفتن والملاحم)([5]) كلامًا عن أحداث من المعلوم أنها تحدث في عهد المهدى كفتح القسطنطينية مرة ثانية، ثم فتح رومية بالملحمة العظمى، وهذا معناه أنه يرى هذه الأحداث مما تسبق ظهور الدجال.. ومن ثم صنَّف فصول الآيات الكبرى التي بين يدي الساعة كالتالي:
۱- فصل في تعدد الآيات والأشراط.
2- علامات بين يدي الساعة.
3- عشر آيات بين يدي الساعة.
ثم ذكر هذه الآيات في كتابه بالترتيب التالي دون التصريح بأن هذا الترتيب هو ترتيب وقوعها في الزمان، ومع هذا أورده هنا استرشادًا بترتيبه إذ جعل في آخر هذه الآيات مبحثًا بعنوان: (ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة)، وآخر بعنوان: (توقع قيام الساعة بين لحظة وأخرى) وهذا يدل على أنه قد رتبها بحسب وقوعها في الزمان، إلا إنه لم يصرح لعدم ثبوت هذا الترتيب عنده أو لشكه فيه، وترتيبه كالتالي:
1- نار تخرج من قعر عدن.
2- الملحمة الكبرى.
3- خروج الدجال.
4- نزول عيسى بن مريم A.
5- خروج يأجوج ومأجوج.
6- طلوع الشمس من المغرب
7- الدخان.
والملاحظ على هذا الترتيب المستنبط من أقوال ابن كثير التالي:
١- جعل النار التي تخرج من قعر عدن أولها، وهي آخرها بنص الحديث.
2- أدخل الملحمة الكبرى وهي ليست من الآيات العشر.
3- أغفل الخسوف الثلاثة.
3- البرزنجي:
جعل البرزنجي الباب الأول من كتابه (الإشاعة لأشراط الساعة)([6]) في الإمارات البعيدة عن الساعة المتوسطة، أما الباب الثالث فقد جعله في (الأشراط العظام) ورتب فيه الآيات على النحو التالي:
1- المهدى.
٢- خروج الدجال.
3- نزول عيسى بن مريم.
4- خروج يأجوج ومأجوج.
5- طلوع الشمس من مغربها.
٦- دابة الأرض.
7- الدخان.
8- نار تخرج من قعر عدن.
وقال البرزنجي في هذه الأخيرة: (ومن الأشراط العظام وهي آخرها نار تخرج من قعر عدن تحشر الناس إلى محشرهم)([7]).
والذي يمكن ملاحظته أن البرزنجي جعل المهدى من الآيات العشر، وهو ليس منها؛ لأن توليه الخلافة وإعادة الخلافة الراشدة ليس من الآيات بل هو موافق للسنن، وإن كان نجاحه في هذا بتوفيق الله تعالى وتسديده ونصره كما هي سننه تعالى دائمًا مع المؤمنين المجاهدين المخلصين.
كما أنه رحمه الله لم يورد الخسوف الثلاثة مع ثبوتها في حديث مسلم الصحيح كثلاث آيات من الآيات العشر، ومن ثم صارت عنده ثماني آيات فقط.
=====================================
([1]) التي لا تقيم الحدود الإسلامية ولا تحكم بشرع الله تعالى وتعلن العلمانية والديمقراطية والاشتراكية أنظمة رسمية للدولة.
([2]) مسلم – كتاب الفتن باب الآيات التي تكون قبل قيام الساعة.
([3]) القرطبي التذكرة جـ ٢ ص ٦٥٤.
([5]) انظر: النهاية في الفتن والملاحم جـ1 لابن كثير، تحقيق محمد أحمد عبد العزيز، نشر دار التراث الإسلامي بالأزهر.
([6]) الإشاعة لأشراط الساعة تأليف السيد الشريف محمد بن رسول الحسيني البرزنجي ثم المدني، الطبعة الأولى طبعة مصر.
مجلة الإسلام وطن موقع مشيخة الطريقة العزمية