إن الحق وإن ثقل عليك تحمله، وصعب عليك العمل به، لما أنت مفطورة عليه من النزوع إلى ما يلائمك، والميل والمسارعة إلى ما تشتهين، فإن الحق يا نفسي هنيء مريء، تفوزين به برضوان الله، وبالعزة به سبحانه في الدنيا وبنيل السيادة في الناس، وبمساعدة كل من يعرفك لك يا نفسي، حتى تكونين كملك بين رعيته، أو كوالد بين أبنائه….
الدكتور جمال أمين
مقدمة
الحمد لله ذي العرش المجيد، ذي القول السديد، ذي الفعل الرشيد، الولي الحميد، الفعال لما يريد، القريب غير البعيد من هو على كل شيء شهيد.
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلاة تفك بها من الشهوة قيودنا، ومن الغفلة وثاقنا، وتحفظنا بها من شر خلقك ومن شر الدنيا والآخرة يا رب العالمين. وعلى آله الطيبين الطاهرين، وسيلتنا إلى الله من بحبهم وبقربهم نرجو النجاة، فبحبهم يا رب العالمين اغفر ذنوبنا، وأوصلنا إلى مرادنا ومطلوبنا.
وعلى صحابته الهادين المهتدين، ورضي الله تبارك وتعالى عن الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبي العزائم 0 والله نسأل أن يزيدنا من محبته ويحشرنا في معيته وتحت لوائه، ونضر الله وجه خليفته الأول الإمام الممتحن السيد أحمد ماضي أبي العزائم 0 اللهم فرج عنا به كل غم، واكشف عنا به كل هم، وأفض علينا به كل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة آمين آمين يا رب العالمين.
وبعد …
إن قراءة كتب الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبي العزائم 0 تعصمك من الانحراف إلى التيار الذي يسيطر عليه فكر البغاة المعادي للتصوف على غير بصيرة، أو التيار الذي يدفعك إلى فكر غلاة المتمصوفة، وهم دعاة الجهالة.
فتراث الإمام المجدد 0 يضع الأمور في مواضعها لتكون بمثابة ميزان يستطيع المسلم منه أن ينطلق ليقرأ على بصيرة فيما ينبغي أن يأخذ ويدع، على ضوابط سليمة، ترتاح لها قلوب المنصفين.
وكتاب “وصية إلى الرجل المسلم” مقتبسة صفحاته من كتاب “الإسلام نسب يوصل إلى رسول الله o” أردنا أن نبرز هذه الصفحات في السفر الصغير حجمًا العظيم مضمونًا ليتضح للقارئ المسلم هذه الوصايا التي تتضمن:
أولًا: وصية لتزكية النفس حتى تضبط على مقتضى الأدب الإسلامي الرفيع والأمر الذي يقتضي منا إلحاحًا على التربية الإسلامية.
ثانيًا: وصية للأبناء والأهل والعشيرة بالرحمة للأرحام والرأفة بالأيتام والإحسان إلى الجيران، وإلى من أساء إلينا، والعفو عمن ظلمنا، والصلة لمن قطعنا.
ثالثًا: وصية لشباب الإسلام باعتبارهم غدًا رجال العمل والوسيلة لنيل الأمل؛ حتى يعود للأمة الإسلامية صوابها، فترجع إلى ما كان به مجدها وطولها وصولها.
وبهذا تنتهي الوصية الأولى للرجل المسلم، وتتبعها الوصية الثانية للمرأة المسلمة.
هذا ما أراد الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم 0 أن يوصي به للرجل المسلم، ولا نقول بعد ذلك إلا ما قاله المولى: )إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ( (هود: 88)
الخليفة الثاني
السيد عز الدين ماضي أبو العزائم 0
وصيتي إلى نفسي
أي نفسي:
إن الحق وإن ثقل عليك تحمله، وصعب عليك العمل به، لما أنت مفطورة عليه من النزوع إلى ما يلائمك، والميل والمسارعة إلى ما تشتهين، فإن الحق يا نفسي هنيء مريء، تفوزين به برضوان الله، وبالعزة به سبحانه في الدنيا وبنيل السيادة في الناس، وبمساعدة كل من يعرفك لك يا نفسي، حتى تكونين كملك بين رعيته، أو كوالد بين أبنائه.
كل ذلك وإذا أطعتني يا نفسي في العمل بالحق، ولم تتعاصى على الحق وإن ثقل عليك يا نفسي عمله، فلو تفكرت قليلًا في نتائجه وفوائده لكان أخف عليك من النسيم العليل البليل، وأشهى إليك يا نفسي من الماء البارد في اليوم الصائف في الصحراء بعد فقده؛ لأن الماء البارد في هذا الزمان والمكان يفيد فائدتين: الأولى حياة النفس، والثانية لذة الشارب، فكذلك العمل بالحق يا نفسي يفيدك فائدتين: سعادتك في الدنيا، والنعيم الأبدي في الآخرة.
أي نفسي:
ترغبين في لذة يعقبها ضياع الشرف بين الناس والذكر الجميل والدين والدنيا، تطمعين يا نفسي فيما لو نلتيه لا ينفعك، ولو تركتيه لا يضرك، إن شبعت سارعت إلى معصية الله، وإن جعت يا نفسي بادرت إلى مخالفة الله، فلا أنا منتفع في شبعك؛ لأنك تقريني على عمل المعاصي، فتقومين لطلب الجاه ولأذية الناس، ولا أنا منتفع بك في الجوع؛ لأنك عند الجوع تقنطين من رحمة الله، وتحتالين في طلب قوتك من أي وجه من الوجوه الحرام، إما ببذل الحياء أو العرض أو الشرف، أو بالختل أو بالتلصص.
أي نفسي:
إن كنت في شبعك تعصين الله، وفي جوعك تعصين الله فأنت – والله – عدوتي وداعيتي إلى الهلاك الأبدي.
أي نفسي:
إن أنعم الله عليك استعملت نعم الله في معاصيه، وأنفقت رزق الله في وجوه مخالفته، تتركين الحج وتحجين إلى بلاد الكفار، تتركين إخراج الزكاة وتتقربين إلى أهل السلطة بنفائس الأموال، يكون قريبي جائعًا بجاري فلا أرحمه، وخزائني مملوءة من نعمة الله، فأنفق الآلاف من الجنيهات تقربًا إلى ذي سلطان ولو كان كافرًا. لعلك يا نفسي نسيت الحساب وتناسيته، أذكرك يا نفسي يوم الحساب، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.