أخبار عاجلة

نصرة النبي المختار في أهل بيته الأطهار (83)

يظن بعض الجهلاء والحاسدين أن الإمام الحسين بن علي 5 إنما خرج في واقعة كربلاء من أجل الخلافة والدنيا الرخيصة الزائلة والملك الوضيع، وهذا الظن والرأي الخاطئ يحتوي على ظلم وجور عليه 0، فقد وضح سبب خروجه فقال: “لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح فى أمة جدي رسول الله J، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدى وأبى”…

المستشار رجب عبد السميع وأ. عادل سعد

بقية: ابتلاءات أهل البيت ومحنهم

بقية: ابتلاء واستشهاد آل البيت في عهد الدولة الأموية

بقية: 2- استشهاد الإمام الحسين 0:

رسالة الحسين 0 إلى أهل البصرة:

فى نفس الوقت الذى أرسل فيه الحسين رسالة إلى أهل الكوفة أرسل رسالة إلى أهل البصرة مع مولاه سليمان الذى قدم بها إلى نفر من زعمائها قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليٍّ إلى مالك بن مسمع، والأحنف بن قيس، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، والمنذر بن الجارود. سلام الله عليكم، أما بعد: فإنى أدعوكم إلى إحياء معالم الحق، وإماتة البدعة والباطل، فإن تجيبوا تهتدوا سبل الرشاد.

ولم يكد مبعوثه سليمان يصل إلى البصرة، ويسلم رسالة الحسين إلى زعمائها، حتى سارع أحدهم وهو المنذر بن الجارود إلى ابن زياد حيث أفشى له سرها وأطلعه عليها.

وألقى ابن زياد القبض على رسول الحسين، وفى وحشية قام بقتله وصلبه، ثم تهيأ للسفر إلى الكوفة، ليباشر مهمته الآثمة هناك.

يزيد يجتمع مع مستشاريه:

وفى دمشق اجتمع يزيد مع مستشاريه، وكان أبرزهم سرجون المجوسى، والذى أشار بعزل النعمان ابن بشير وتولية عبد الله بن زياد والى البصرة واليًا على الكوفة أيضًا، وكانت مرجانة أم زياد جارية مجوسية أيضًا، وابن زياد هذا من أحط وأشقى خلق الله، مولعًا بسفك الدماء.

مقتل سفير الحسين 0 وأنصاره:

وفور تولية عبد الله بن زياد قام بقتل مسلم بن عقيل رسول الحسين 0 بعد أن تم القبض عليه وهو يمارس دعوته للإمام بنجاح كما أراد أهل الكوفة ذلك، وكان ذلك فى دار هانئ بن عروة، وسرعان ما قام ابن زياد بقتل الاثنين والتمثيل بهما بقطع رءوسهما، ولم يكتف بذلك بل أرسل الرأسين بشكل عاجل إلى قصر الإمارة بدمشق فى الشام، في الوقت الذى كان فيه الإمام الحسين يقطع الطريق من مكة إلى الكوفة بناء على رسالة ابن عمه مسلم بن عقيل يخبره فيها بالقدوم للكوفة. فقد رحل الإمام الحسين 0 إليها دون علمه بموت مسلم.

خروج الإمام الحسين 0 ومعه أهل بيته:

رغم كل الذين نصحوا الإمام بعدم الخروج من الأقارب أو الأصحاب أو أهل الرأى والمشورة إلا أنه كان عازمًا ومصممًا على الخروج بشكل غير عادى. فأما الذين نصحوه فهم:

1- عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومى.

2- عبد الله بن جعفر بن أبى طالب. وقال: إني مشفق عليك من هذا الوجه أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك.

3- أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله J.

4- عبد الله بن عمر ودعه وقبله وهو يقول له: أستودعك الله من قتيل.

5- الشاعر الفرزدق. وقال له: قلوب الناس معك وأسيافهم عليك.

6- عبد الله بن مطيع العدوى.

7- رجل من بنى أسد قادم من الكوفة يسأله الإمام عن أخبارها فيخبره بقتل مسلم وهانئ.

ورغم ذلك يكمل الحسين وأهل بيته المسيرة إلى العراق، وهنا يقول الإمام قولته المشهورة: سار إلى روح الله تعالى ورضوانه، أما إنه قد قضى ما عليه وبقى ما علينا([1]). (يقصد قتل مسلم بن عقيل بذلك).

وأنشد 0 قائلًا:

لـئــن كـانــت الـدنـيــا تـعـد نفـيـسـة

فـدار ثـواب الله أعـــلـــى وأنــبــــل

وإن تـكـن الأبـدان للـمـوت أنـشـئت

فقـتـل امـرئ فـى الله بالسيف أجمل

وإن تــكـن الأرزاق قـســمـًا مـقدرًا

فقلة حرص المرء فى السعى أجمل

وإن تـكـن الأمـوال للـتــرك جمعها

فمـا بـال مـتـروك به المرء يـبـخـل

8- بشر بن غالب. وقال له: خلفت القلوب معك، والسيوف مع بنى أمية.

9- ابن عباس 0 يسأل الحسين 0 أن لا يخرج إلى العراق، فيقول له الحسين 0: “إنى رأيت رسول الله J فى المنام وأمرنى بما أنا ماض له”. فسأله ابن عباس مرة أخرى قائلًا: بأبى أنت وأمى يا حسين ماذا قال لك رسول الله J؟. فأجاب الإمام الحسين بنفس الإجابة تقريبًا، ثم كرر ابن عباس السؤال مرة أخرى فرد عليه الإمام: “أمرت فيها بأمر ما أنا محدثك به حتى ألقى ربى”.

هذه الرواية تؤيد وتؤكد شيئًا خفيًّا فى قرار الإمام الحسين نفسه لا يعلمه إلا الله تعالى، ويظهر هذا بوضوح أشد عند وقوف الإمام الحسين على قبر جده الرسول J قبل خروجه من المدينة ويقول مخاطبًا نفسه وهو يترك القبر الشريف: لقد وجدت وراء هذا الحجاب ما تاقت إليه نفسى منذ زمن طويل وحان موعد الخلاص، وقد غسلت يدى من الحياة وعزمت على تنفيذ أمر الله.

وعند خروجه من مكة يقول الإمام فى وسط أهل بيته: إن الموت حق على ولد آدم.

وبالتالى نجد أن الحسين 0 هنا قد علم أنه مقبل على الاستشهاد. إذًا لحكمة لا يعلمها إلا الله يبذل الحسين روحه وأهله وصحبه فداء لدين الله الذى أرسله به جده J([2]).

الإمام الحسين رمز الفداء وإصلاح الأمة:

إن لحظات استشهاد الإمام الحسين 0 قد تجلت فيها مبادؤه العظيمة، وكانت لحظة خالدة وفارقة بين الظلم والعدل والحق والباطل، والتي مثلت أبعاد الثورة الحسينية للإصلاح في أحوال الأمة الإسلامية بصورة فعالة، فلم يبال بالتضحية بنفسه وأهل بيته الذين استشهدوا معه وذلك فى سبيل إرساء وإعلاء هذه المبادئ العظيمة. فقد بقى الحسين وأهل البيت وخلدهم التاريخ واندثر الآخرون ولم يذكرهم أحد.

إن ما صنعه الإمام الحسين بحق كان له نورًا فى الأرض وزخرًا في السماء، فما زال وسوف يظل دائمًا يذكر 0 بكل إجلال وإكرام واحترام، بينما خصومه لا يذكرون إلا بالرجم والشتائم واللعن.

وقد أصاب من قال:

لــذكــرك فــيــنــا يـا حـسـيـن خـلـود

بـقــيـــت بـه حـيًّــا ومـــات يـــزيـــد

نعم مات حتى ضل فى الأرض قبره

ولــيـــس لـه بـيـن الــقــبــور وجــود

ومــن رجـمـت ذكــراه مـن بعد موته

هـــو الـمــيـت ولكـن الحسـين شهيد([3])

وكان آخر ما لفظ به الإمام الحسين الولى السبط([4]) أحد أعمدة وأركان آل بيت رسول الله J عندما أجهز عليه الفاسق الفاجر شمر بن ذى الجوشن ويحز رأسه الشريف الطاهر: “بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله”([5]).

===========================

([1]) من كتاب ابنة الزهراء بطلة الفداء زينب، علي أحمد شلبى، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1977م.

([2]) الحسين بن علي، للكاتب توفيق أبو علم، دار المعارف، 1982م.

([3]) من كتاب ابنة الزهراء بطلة الفداء، علي أحمد شلبي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1977م.

([4]) السبط: لغة ولد الولد.

([5]) رواه أحمد وأبو داود 3/314 بسند صحيح بلفظ آخر: (على سنة رسول الله).

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (36)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …