بيَّنَّا اللقاء الماضي أن الساعة حدث كوني عالمي يمس كل البشر، وتقوم على كل البشر، وبناء على أعمال البشر بأمر الله تعالى وبقدره، ومن ثم فإن هذه الخصال تحدث في بلاد العالم وبلاد الإسلام بدرجات متفاوتة، فما صار منها معروفًا في بلد وتستبحه القوانين قد لا يصح كذلك في بلد آخر.. وفي هذا المقال نستكمل الحديث، فنقول:
أ.د. فاروق الدسوقي
آيات الساعة العشر
أ- الفرق بين الآية والعلامة:
روى مسلم في صحيحه من كتاب الفتن وأشراط الساعة، وكذا روى الإمام أحمد بسنده عن حذيفة 0 قال: اطلع النبي o علينا ونحن نتذاكر الساعة فقال: [ما تذكرون؟]، قلنا: نذكر الساعة. فقال: [إنها لن تقوم حتى تروا عشر آيات: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخِر ذلك نار تخرج من قِبَل المشرق تسوق الناس إلى محشرهم]([i]).
وقد عقب ابن كثير 6 على هذه الرواية فذكر الحديث بسند آخر، وفي آخره: [ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا].
وما يمكن أن نلاحظه من هذا الحديث وهو جدير بأن ننوه إليه ما يلي:
1- أن رسول الله o أطلق على هذه العشر “الآيات”، ولم يطلق عليها “العلامات” أو “الأشراط”، والآية هي غالبًا أمر خارق للعادة، فإذا تدبرنا كل واحدة من هذه العشر لتبين لنا بوضوح أنها جميعًا خوارق للسنن الكونية والطبيعية الجارية، وليس بينها واحدة من الأمور الموافقة للسنن، ومن ثم أطلق عليها رسول الله o آيات تفرقة وتمييزًا بينها وبين العلامات.
۲- وردت الآيات العشر في الحديث غير مرتبة حسب ترتيب وقوعها الزمنى الذي ستقع به، ومن ثم جاء الدخان أولها، وهو ليس أول الآيات، وعلى هذا فإن البحث يفرض علينا محاولة ترتيب هذه الآيات حسب وقوعها الزمني الذي ستقع فيه إن شاء الله تعالى.
۳- ورد بنص الحديث تعيين الآية الأخيرة التي تسبق قيام الساعة مباشرة، وهي النار التي تسوق الناس إلى محشرهم.
٤- حدث اختلاف في اللفظ بين هذه الرواية المذكورة آنفًا، وبين رواية أخرى ذكرها صاحب (كنز العمال) وهي: [إن الساعة لا تقوم حتى تكون عشر آيات: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونزول عيسى، وفتح يأجوج ومأجوج، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى محشرهم، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا]([ii]).
وهذا الاختلاف في اللفظ هو في تعيين موضع النار بقعر عدن بدلًا من المشرق في الرواية الأولى.
كما أن قوله o: [تسوق الناس إلى محشرهم] يدل على أنها آخر الآيات.
5- وردت رواية عن هذه الآيات العشر تصرح بأنها بين يدي الساعة، وأنها تحدث متسارعة: [بين يدي الساعة عشر آيات كالنظم في الخيط، إذا سقط منها واحدة توالت: خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم، وفتح يأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها]([iii]).
وما يهمنا في هذه الرواية أمران، أولهما هو السؤال عن أول هذه الآيات وقوعًا في الزمان، ما هي؟.
ثم السؤال عن الترتيب الذي ستحدث الآيات عليه في الزمان من الثاني حتى التاسع؟!
إن أهمية هذا السؤال تكمن في أن وقوع الآية الأولى من الآيات العشر هو بمثابة العد التنازلي لقيام الساعة، فهو بحق بداية النهاية.
أما ترتيب سائر الآيات فترجع أهميته إلى إمكانية توقع الأحداث الخطيرة التي ستؤدى إلى هذه الآيات العشر بتسلسلها الصحيح.
ولكي نتوصل إلى تصور صحيح وإجابة صحيحة على هذين السؤالين يجب علينا أن ننبه إلى أن الفروق بين العلامات أو الأشراط من ناحية، وبين الآيات من ناحية أخرى هي ما يلي:
أولًا: أول تمييز بينهما هو أن العلامات أو الأشراط هي أحداث وأحوال تاريخية وبشرية موافقة للسنن الجارية، وتقع بحسب هذه السنن وبعللها وأسبابها المعتادة، وتبدو عندما تقع للمعاصرين لها بأنها أمور عادية؛ لأنها حدثت بأسبابها وعللها، فكانت حتمية الوقوع بعد حدوث الأسباب والعلل.
أما الآيات العشر فهي – من حيث كونها آيات فلا بد أن تكون مخالفة للسنن الفلكية والكونية والطبيعية والبشرية الجارية، وبالنظر فيها تتأكد لنا هذه الخاصية:
١- فخروج الشمس من مغربها آية فلكية، فهي علامة خارقة لسنن الله تعالى في الفلك.
٢- وخروج الدابة من الأرض تكلم الناس آية حيوية مخالفة لسنن الحياة في الأرض.
3- والدخان الذي يأتي من السماء فيملأ جو الأرض آية طبيعية أو فيزيائية مخالفة لسنن الله تعالى في الطبيعة.
4- وخروج الدجال الذى يقول للسماء: أمطري. فتمطر، وللأرض: أنبتي. فتنبت، ويشق الرجل نصفين، ثم يقول له: قم. فيقوم، وغير ذلك من خوارق العادات هو أمر مخالف لسنن الأشياء والأحياء، وإن كان له تفسيره الذي لا يجعل هذه الأمور التي تحدث من معجزات أو كرامات.
5- ونزول عيسى A من السماء ليقتله، ويخلص الناس من شره، هو أيضًا أمر غير موافق للسنن الجارية في حياة الناس، ولا حتى بالنسبة للأنبياء والرسل الذين لم يجعل الله تعالى لأحدهم البقاء أو العودة إلى الأرض بعد الموت.
٦- أما فتح يأجوج ومأجوج فهذا أيضًا أمر مخالف لما استمرت عليه أحوالهم وطبيعتهم آلاف السنين.
7- وكذلك النار التي تسوق الناس وتقيل معهم وتبيت معهم. إذ عهد البشر بالنار أن يتحكموا فيها ويُسَخِّرونها لأنفسهم، وليس عهدهم بها أن تتحكم فيهم وتسوقهم أمامها.
8- خسف المشرق، والخسوف قد تبدو للناس حدثًا أرضيًّا يمكن أن يرصدوا له أسبابًا جيولوجية؛ كالزلازل التي يعرفها العلماء، إلا أن وقوع خسف لمدن أو قرى في مشرق الأرض لقوم أو أقوام كافرين ظالمين متجبرين طغاة دون غيرهم هو آية من آيات الله تعالى يتعظ بها المؤمنون.
9- وكذا الحال في خسف المغرب، وبخاصة إذا وقع للمستكبرين في الأرض ليقضى عليهم ويمنع طغيانهم وظلمهم للمسلمين.
١٠- خسف بجزيرة العرب سيكون آية من آيات الله تعالى إذا وقع ليطهرها من المنافقين في أمة الإسلام، ويكون تأثيرها جميعًا المباشر هو التمكين للصالحين في الأرض لإقامة الخلافة الإسلامية الراشدة من جديد.
=================================
([i]) النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير، وعزاه لأحمد من حديث حذيفة بن أسد ج1 ص٨٥ فصل في تعدد الآيات والأشراط، وكذا كنز العمال حديث رقم ٣٨٦٣٩ ج١٤ ص٢٥7 وعزاه إلى مسند الإمام أحمد من حديث حذيفة، والإمام مسلم كتاب الفتن باب الآيات التي تكون قبل قيام الساعة كما عزاه لمسند أبي يعلى.
([ii]) كنز العمال، حديث ٣٨٦٣٩، ج14 ص257.
([iii]) كنز العمال، حديث ٣٨٦٤٦، ج١٤ ص٢٦٠، وعزاء لابن عساكر في تاريخ دمشق.