تكاد كلمة المسلمين تتفق على أن المعارف التي يجب على المسلم استيعابها هي: أصول الدين، وأحكام الشريعة.
وإن كانت المعرفة – بشكل عام – مطلوبة، ومرادة، وبكل فروعها، فيما يتعلق بالكون والحياة، وبخاصة ما يرتبط بالجوانب الاجتماعية والإنسانية التي تحدد علاقة الإنسان ببني نوعه، وذوات جنسه من كافة المخلوقات، كالأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة، التي استقطبت جهودًا جبارة من المصلحين، وفي مقدمتهم الأنبياء والأئمة، والعلماء، والصالحين من الناس.
الدكتور سامي عوض العسالة
بقية الفصل الأول: الإلهيات
بقية المطلب الثالث: صفات المعاني
بقية: ب ـ المعتزلة:
بقية: الرد على حجج القائلين بنفي الصفات:
قول الإمام الأشعري: “وزعمت الجهمية أن الله تعالى لا علم له ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر له، وأرادوا أن ينفوا أن الله تعالى عالم قادر حي سميع بصير، فمنعهم خوف السيف من إظهارهم نفي ذلك فأتوا بمعناه؛ لأنهم إذا قالوا: لا علم لله ولا قدرة له، فقد قالوا: إنه ليس بعالم ولا قادر ووجب ذلك عليهم، وهذا إنما أخذوه عن أهل الزندقة والتعطيل؛ لأن الزنادقة قد قال كثير منهم: إن الله تعالى ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير، فلم تقدر المعتزلة أن تفصح بذلك فأتت بمعناه وقالت: إن الله عالم قادر حي سميع بصير من طريق التسمية من غير أن يثبتوا له حقيقة العلم والقدرة والسمع والبصر. وقد قال رئيس من رؤسائهم – وهو أبو الهذيل العلاف -: إن علم الله هو الله، فجعل الله تعالى علمًا فقيل له: إذا قلت: إن علم الله هو الله، فقل: يا علم الله اغفر لي وارحمني فأبى ذلك فلزمه المناقضة. واعلموا رحمكم الله أن من قال عالم ولا علم كان مناقضًا، كما أن من قال علم الله ولا عالم كان مناقضًا، وكذلك القول في القادر والقدرة والحياة والحي والسمع والبصر والسميع والبصير”([1]).
هذا وقد صور الإمام الغزالي آراء الطوائف في هذه القضية تصويرًا بديعًا حيث يقول: “إن الصفات السبعة التي دللنا عليها ليست هي الذات بل هي زائدة على الذات، فصانع العالم تعالى عندنا عالم بعلم وحي بحياة وقادر بقدرة، هكذا في جميع الصفات، وذهبت المعتزلة والفلاسفة إلى إنكار ذلك. وقالوا: القديم ذات واحدة قديمة ولا يجوز إثبات ذوات قديمة متعددة، وإنما الدليل يدل على كونه عالمًا قادرًا حيًّا لا على العلم والقدرة والحياة”([2]).
والإمام أبو العزائم قد أثبت لله تعالى هذه الصفات السبع التي هي صفات المعاني وذلك في كتاب الإسلام دين الله، ويهمنا أن نتعرف على جهوده في تناول هذه الصفات، وسنرتب الحديث عن هذه الصفات كترتيبها في الكتاب المشار إليه وذلك على النحو التالي:
(1) صفة القدرة:
تعريف الإمام أبي العزائم لصفة القدرة:
يعرف الإمام أبو العزائم القدرة فيقول: “هي صفة قديمة يوجد الله بها ما يشاء أن يوجده، ويعدم بها ما يشاء أن يعدمه وفق إرادته”([3]).
ونلاحظ أن تعريف الإمام هو تعريف أهل السنة، فالقدرة عندهم هي: صفة وجودية قديمة أزلية قائمة بذاته تؤثر في إيجاد الممكنات وعدامها على وفق مراده تعالى وهى متحدة لا كثرة فيها([4]).
والقدرة وإن كان تعلقها يتوقف على الإرادة إلا أننا نلاحظ أن علماء العقيدة في مصنفاتهم يقدمونها على الإرادة؛ وذلك لأن تأثير القدرة في الممكنات أقوى من تأثير الإرادة.
وهذا هو المنهج الذى سار عليه الإمام أبو العزائم 0 حيث يقول في تفسيره لقول الله تعالى: )يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا( [النساء: 108]: “تذييل جيء به للتنبيه إلى أن ما في السماوات وما في الأرض من المخلوقات من الملك والملكوت، ما قل منها أو كثر، قد أحاط به علم الله أزلًا، وخصصته إرادته، ودبرته حكمته، وأبرزته قدرته جل شأنه، ولم يكن شيئًا مما في السماوات والأرض موجودًا بالصدفة بل بتقدير العزيز العليم”([5]).
ويقول كذلك في تفسيره لقول الله تعالى: )وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( [الأنعام: 39]: “لأنه سبحانه خلق الأكوان من عدم بعلم سابق، وإرادة خصصت ما شاء أن يخلقه Y، وقدرة وحكمة أبرزت ما شاء إيجاده”([6]).
كما وأن إسناد الإيجاد إلى القدرة إنما هو إسناد مجازي لا حقيقي؛ إذ أن الموجد هو الله لا القدرة، والقرينة المانعة هنا هي استحالة قيام المعنى بالمعنى؛ وذلك كما يقول المتكلمون.
بعد أن يعرف الإمام أبو العزائم القدرة يقيم على هذه الصفة الدليل من القـرآن الكريم فيقول: “قال تعالى في بيان آثار قدرته تعالى في مخلوقاته: )إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( [البقرة: 164]، وقال في إثبات كمال قدرته تعالى وعجز ما سواه وأنه مستحق للعبادة دون سواه: )قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ( [الأنعام: 65]، وقال جلت قدرته في بيان كمال قدرته أودعه بما في عالم المخلوقات من أرض وسماوات وإحياء ونبات وفلك وأفلاك وليل ونهار ورياح وسحاب من العبر والآيات. وقال تعالى في بيان قدرته وأنه إذا أراد فعل أي شيء لا يمكن غيره أن يعارضه أو يمانعه: )وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( [الأنعام: 17]”([7]).
===============================
([1]) الإبانة عن أصول الديانة – أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ص 40- ط إدارة الطباعة المحمدية.
([2]) الاقتصاد في الاعتقاد – أبو حامد الغزالي ص 96.
([3]) كتاب الإسلام دين الله ص44.