تكاد كلمة المسلمين تتفق على أن المعارف التي يجب على المسلم استيعابها هي: أصول الدين، وأحكام الشريعة.
وإن كانت المعرفة – بشكل عام – مطلوبة، ومرادة، وبكل فروعها، فيما يتعلق بالكون والحياة، وبخاصة ما يرتبط بالجوانب الاجتماعية والإنسانية التي تحدد علاقة الإنسان ببني نوعه، وذوات جنسه من كافة المخلوقات، كالأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة، التي استقطبت جهودًا جبارة من المصلحين، وفي مقدمتهم الأنبياء والأئمة، والعلماء، والصالحين من الناس.
الدكتور سامي عوض العسالة
بقية الفصل الأول: الإلهيات
بقية المطلب الثالث: صفات المعاني
بقية: ب ـ المعتزلة:
بقية: الرد على حجج القائلين بنفي الصفات:
(2) صفة الحياة
من الصفات الوجودية الواجبة لله تعالى صفة “الحياة”، وهذه الصفة لم يختلف حول إثباتها لله تعالى أحد طالما أن الكل يقر بأنه تعالى موجود، وإذا كان الكل قد أطبق على كونه تعالى حيًّا فإنا نجد خلافًا قد وقع بينهم حول مفهوم “الحياة”.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا: أن القرآن الكريم عندما يتحدث عن صفة الحياة يجمع بينها وبين صفة القيومية([1]) فنحن لا ندرك من حياة الله تعالى شيئًا إلا كونه U قيومًا للعالم كله، وكل ما في الكون إنما يقوم بأمره
تعريف الإمام أبي العزائم لصفة الحياة:
يعرف الإمام الحياة فيقول: “الحى الذى يدوم بقاؤه فلا ينقطع ويمنح الحياة لكل كائن بعد أن لم تكن له حياة بل وبالحياة يجب الاعتراف باتصافه بما يترتب على الحياة من سمع وبصر وكلام وعلم وإعطاء ومنع”([2]).
ويقول: “الحياة هي صفة قديمة ذاتية لله U، قال تعالى فى إثبات صفة الحياة له U: )هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ( [غافر: 65]، وقال تعالى في إثبات أنه حي لا يموت: )وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا( [الفرقان: 58].
تفصيل ذلك أنه تعالى حي قادر، جبار قاهر، لا يعتريه قصور ولا عجز، ولا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يعارضه فناء ولا موت، وأنه ذو الملك والملكوت، والعزة والجبروت، له القدرة والسلطان والقهر، والخلق والأمر، والسموات مطويات بيمينه، والخلائق مقهورون في قبضته، وأنه المنفرد بالخلق والاختراع، المتوحد بالإيجاد والإبداع، خلق الخلق وأعمالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، لا يشذ عن قبضته مقدور، ولا يعزب عن قدرته تصاريف الأمور، لا تحصى مقدوراته، ولا تنتهي معلوماته. أنوار تلك جلية لأن مفيض الحياة على هذا الكون يفيضها فضلًا منه سبحانه وكرمًا لا لحاجة إليها لغناه المطلق سبحانه عن كل من سواه، وافتقار كل من عداه إليه سبحانه، برهان حق على أن مفيض الحياة هو الحي القيوم، وممد هذا الوجود الممكن بالحياة حي أبدى أزلي”([3]).
ثمرة الاعتقاد بهذه الصفة عند الإمام:
وبعد أن يعرف الإمام أبو العزائم الحياة ويقيم على هذه الصفة الدليل من القـرآن الكريم، لا يخلى المقام من اللون الصوفي الذي يضفيه على هذه الصفة، مبرزًا الفائدة من الإيمان بصفة الحياة فيقول: “وصفات الله I تُعلم لنا بقدر ما نشهد من معناها المتجلي لا بقدر ما هي عليه في نفس الأمر، إذ ذلك لا يعلمه إلا الله تعالى، وما على المؤمن الكامل إلا أن يقول: آمنت بمعاني الصفات كما وردت”([4]).
الدليل على ثبوتها لله تعالى:
ذهب الإمام “الغزالي” و”ابن رشد” إلى أن ثبوت الحياة ضروري لمن ثبت له العلم والقدرة.
بينما ذهب “الأشاعرة” إلى القول بأن إثبات صفة الحياة لا يحتاج إلى سبق العلم باتصافه تعالى بالعلم والقدرة؛ إذ الأفعال في حد ذاتها تدل على كون صانعها حيًّا.
فهذان وجهان في الاستدلال؛ الأول يقوم على أساس أن ثبوتها ضروري تبعًا لثبوت العلم والقدرة، والثاني يعتمد على الاستدلال بالأفعال.
هذا وقد ذهب “الباقلاني” إلى نفي الاستدلال بهذين الوجهين؛ لما أنهما لا يسلمان من الاعتراض. بل الأفضل ـ حسبما يرى ـ اللجوء إلي الدليل السمعي في إثباتها، ورفض الدليل العقلي.
وذهب “سعد الدين التفتازاني” إلى أن صفة الحياة كصفتي “السمع، والبصر” يمكن الاكتفاء في إثباتهما بالدليل السمعي، لكنه لم يرفض الدليل العقلي.
رأى الإمام في هذه المسألة:
يتفق الإمام أبو العزائم مع الإمام “الغزالي” و”ابن رشد” في أن ثبوت الحياة ضروري لمن ثبت له العلم. حيث يقول: “وأما صفة الحياة فظاهر وجودها من صفة العلم، وذلك أنه يظهر في الشاهد أن من شرط العلم الحياة، والشرط عند المتكلمين يجب أن ينتقل فيه الحكم من الشاهد إلى الغائب، وما قالوه في ذلك صواب”([5])، غير أنه يختلف معهما في صفة القدرة.
فيقول الإمام: ” الله تعالى ليس كمثله شيء في كل شيء والقائلون أنه حي بتدبير الكون لأن الكون فيه الحياة ولا يفيض الحياة إلا الحي وبهذا يدللون على حياة الله بحياة الكون ولو فقد الكون، هل يكون الله تعالى ميتًا؟! تنزه I… فهو حياة كل حي من غير أن ينفصل من حياته المتنزه شيء وليس في الكون وتنزه ربنا أن يحل منه في الكون شيء وليس في ذات الله إلا سبحانه”([6]).
تعقيب:
ويتضح لنا من خلال ذلك النص أن الإمام يأخذ من الرأي الأول للإمام الغزالي والإمام ابن رشد إثبات صفة الحياة لله تعالى لثبوت العلم له.
وهو بذلك يخالف “الأشاعرة” فيما ذهبوا إليه من القول بأن إثبات صفة الحياة لا يحتاج إلى سبق العلم باتصافه تعالى بالعلم والقدرة؛ إذ الأفعال في حد ذاتها تدل على كون صانعها حيًّا.
كما يختلف مع الأشاعرة في الاستدلال بالأفعال بقوله متعجبًا: “ولو فقد الكون، هل يكون الله تعالى ميتًا؟!”
ويتفق مع الجميع في الاستعانة بالدليل السمعي لإثباتها.
وهذا يتفق مع ما قررناه سابقًا من استقلالية الإمام في آرائه، وعدم اتباعه لمذهب معين، أو رأي خاص، وإن كانت آراؤه تتفق مع أقوال أهل السنة.
=================
([2]) كتاب الإسلام دين الله ص 47.
([3]) كتاب الإسلام دين الله ص 48.
مجلة الإسلام وطن موقع مشيخة الطريقة العزمية