أخبار عاجلة

الإسلام وطن تحاور العلامة د. أحمد كريمة (4)

الكلام عن اختيار المفتي والبحث عنه يقتضي منا الكلام عن ثقافة المستفتي، فإذا كان هناك اهتمام بالمفتي من ناحية تحقيق الآداب فيه فإنه لا بد من الاهتمام بالمستفتي من ناحية ثقافته التي تتيح له اختيار المفتي…

الأستاذ محمد الشندويلي

آداب المستفتي:

كما أن للمفتي آدابًا ينبغي أن يتحلى بها فإن للمستفتي أيضًا آدابًا ينبغي عليه أن يلتزم بها، وإجمالًا فإن على المستفتي أن يعلم أن لحكم الشرع قيمة كبيرة، فعليه أن يدرك أهمية تلك القيمة ولا يسأل في الأمور التافهة، وعليه أيضًا أن يخلص النية لله U، ويأمل في ذلك السؤال طلب الحق والصواب، وأن يتقبل حكم الله في مسألته وهو راض لا يخالطه في هذا القبول هوى نفس، ولا يعترض على الإجابة، وعليه أن يوجه سؤاله على أساس من الاستفهام، ولا يوجه على أساس من الامتحان والتعنت، فإن هذا غير مقبول في الشريعة المحمدية، قال مجاهد: “لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر”. ويقول ابن الصلاح عن تعريف المستفتي أنه: “كل من لم يبلغ درجة المفتي، فهو فيما يسأل عنه من الأحكام الشرعية مستفتٍ ومقلد لمن يفتيه”.

أما عن الآداب فيقول ابن الصلاح: “الأولى: اختلفوا في أنه هل يجب عليه البحث والاجتهاد عن أعيان المفتين؟ وليس هذا الخلاف على الإطلاق، فإنه يجب عليه قطعًا البحث الذي يعرف به صلاحية من يستفتيه للإفتاء إذا لم يكن قد تقدمت معرفته بذلك، ولا يجوز له استفتاء كل من اعتزى إلى العلم”.

وهذا الذي يذكره ابن الصلاح هو الذي يعبر عنه بالاختيار عند تزاحم المفتين؛ فإنه إذا اجتمع اثنان أو أكثر ممن له أن يفتي فيلزم المستفتي الاجتهاد والبحث عن الأعلم والأورع والأوثق ليقلده دون غيره؛ لأنه يمكنه هذا القدر من الاجتهاد بالبحث والسؤال وشواهد الأحوال فلم يسقط عنه والعمل بالراجح واجب كالأدلة، وهناك من رأي أنه لا يجب عليه أن يبحث عن ذلك نظرًا لعدم أهليته في البحث وعدم معرفته بمن يحق له الفتوى، وهو في هذا يمتثل قول النبي J: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).

ثقافة المفتي والمستفتي:

س- هل يحتاج المفتي إلى بعض الثقافات الأخرى لكي يمارس الفتوى؟

ج- الكلام عن اختيار المفتي والبحث عنه يقتضي منا الكلام عن ثقافة المستفتي، فإذا كان هناك اهتمام بالمفتي من ناحية تحقيق الآداب فيه فإنه لا بد من الاهتمام بالمستفتي من ناحية ثقافته التي تتيح له اختيار المفتي؛ لأن عمل المستفتي يعد شرارة البدء في عملية الإفتاء؛ إذ إن جواب المفتي هو رد فعل على مبادرة المستفتي بالسؤال.

ومن هذا المنطلق فإن الحل يكمن في تربية المستفتي على الاستفتاء الرشيد من خلال تربية المستفتي على ثقافات خمس، هي: ثقافة الاختيار، وثقافة العرض، وثقافة الحوار، وثقافة الفهم، وثقافة العمل الرشيد؛ فثقافة الاختيار: تكفل اجتناب المفتي غير الصالح، فتنبني عملية الفتوى على أساس سليم. وثقافة العرض: ركن مهم في سلامة الفهم من قبل المفتي، ولا يخفى أن فهم السؤال فهمًا سليمًا من أسس بناء الفتوى الرشيدة. وثقافة الحوار: تحقق أمرين مهمين، هما: إخراج التفاصيل المهمة والعناصر الجوهرية التي قد يهملها المستفتي إما نسيانًا وإما اعتقادًا منه عدم أهميتها، والواقع أن المفتي في حاجة إلى معرفتها.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (25)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …