أخبار عاجلة

رأي الإمام أبي العزائم في مسائل العقيدة (/)

تكاد كلمة المسلمين تتفق على أن المعارف التي يجب على المسلم استيعابها هي: أصول الدين، وأحكام الشريعة.

وإن كانت المعرفة – بشكل عام – مطلوبة، ومرادة، وبكل فروعها، فيما يتعلق بالكون والحياة، وبخاصة ما يرتبط بالجوانب الاجتماعية والإنسانية التي تحدد علاقة الإنسان ببني نوعه، وذوات جنسه من كافة المخلوقات، كالأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة، التي استقطبت جهودًا جبارة من المصلحين، وفي مقدمتهم الأنبياء والأئمة، والعلماء، والصالحين من الناس.

الدكتور سامي عوض العسالة

بقية الفصل الأول: الإلهيات

بقية: المبحث الثاني: أسماء الله الحسنى

رأى الإمام في الاسم الأعظم:

في تفسير الإمام لآية الكرسي يشير إلى أن الاسم الأعظم هما الحى القيوم، فيقول: فهذان الاسمان الشريفان سر الوجود من بدأه لختمه، وهما الاسم الأعظم ومن ذكرهما ملاحظًا معناهما مستحضرًا أسرارهما شهد الغيب المكنون وطالع السر المصون، وأحياه الله حياة أهل الإيقان وأقامه الله في محابه ومراضيه([i]).

غير أن الإمام لا يقتصر في تعريفه لاسم الله الأعظم على هذا التفسير، بل نجده يتوسع في تعريفه له وذلك عند تفسيره لقول الله تعالى: )رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( (البقرة: 127) يقول: “والاسم الأعظم أن تدعو ربك حاضر القلب وموقنًا بالإِجابة. وهذا هو الاسم الأعظم. وما دعا داع متجملًا بالحضور أو باليقين إلا قال الله له: لبيك عبدي أعطيتك ما سألت؛ إلا إذا دعا بعقوق أو قطيعة رحم أو ظلم، فإن الله لا يستجيب له”([ii]).

ويقول في كتاب اصطلاحات الصوفية: “الله تعالى: حيطة المحيط، اسم الذات المفرد المنادى بحسب تفصيل مجملة لكل عائذ، الاسم الأعظم عند التحقيق بالاضطرار”([iii]). ويقول: “الله: الاسم الأعظم، العلم الدال على الإله الحق دلالة جامعة لمعاني الأسماء الحسنى كلها، وله الهيمنة عليها جميعًا”([iv]).

عدد أسمائه تعالى:

روى الشيخان عن أبى هريرة 0 أن رسول الله J قال: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا ـ مائة إلا واحدًا – من أحصاها دخل الجنة)([v]).

وقد افترق العلماء تجاه هذا الحديث إلى فريقين:

الفريق الأول: يرى أن أسماء الله تعالى لا تزيد عن التسعة والتسعين، والغرض من الحديث تحديد عدد أسمائه تعالى، وحصرها في هذا العدد، وبهذا قال الإمام ابن حزم، واستدل على أنه ليس لله تعالى أسماء غير التسعة والتسعين بنص الحديث السابق.

الفريق الثاني: وهذا الفريق يرى أن لله تعالى أسماء أكثر مما ورد في الحديث من التسعة والتسعين، وعلى ذلك فليس ما ورد في الحديث يعني الحصر فيها دون غيرها، وإنما نص الحديث عليها لمنزلتها لكونها جامعة لصفات الجلال والكمال والجمال.

وهذا الفريق انقسم إلى قسمين:

الأول: يرى بأنه يجوز إطلاق أي اسم على الله بشرط أن يدل على الكمال، ويشترط عدم ورود منع من الشرع بإطلاقه كالموجود، الصانع، الشيء، الذات، وهذا مذهب المعتزلة والكرامية والباقلاني من الأشعرية([vi]).

الثاني: يرى أنه لا يجوز إطلاق أي اسم على الله إلا إذا ورد في القرآن الكريم أو السنة المطهرة، أو أجمع العلماء على جواز إطلاقه؛ حتى ولو كان معناه صحيحًا. وهو مذهب الأشعرية([vii]).

بعد أن عرضنا الآراء في موضوع أسماء الله تعالى نود أن نتعرف على رأى الإمام في أسماء الله تعالى التوقيفية والتوفيقية:

يرى الإمام أبو العزائم 0 أن لله تعالى أسماء أكثر مما ورد في الحديث من التسعة والتسعين، وعلى ذلك فليس ما ورد في الحديث يعني الحصر فيها دون غيرها، وإنما نص الحديث عليها لمنزلتها لكونها جامعة لصفات الجلال والكمال.

ففي حديثه عن صفة القــدم يقول 0: “لم تكن تلك الصفة من الصفات التوقيفية وإن كانت وردت في بعض الأحاديث بطرق حسنة، وإطلاقها على الله تعالى من جهة مدلولها الذى بيَّنَّاه لا حظر عليه عند العلماء”([viii]).

بهذا نستطيع أن نفهم موقف الإمام 0 من مسألة الأسماء التوقيفية والتوفيقية، فهو لا يقتصر على القول بالأسماء التوقيفية فقط، بل إنه يقول بوجود الأسماء التوفيقية، وإطلاقها على الله سبحانه لا حظر عليه. وذلك خلافًا للأشعري ومن تبعه، إذ إنهم يرون أنه لا بد من التوقف في أسماء الله تعالى، وذلك للاحتياط احترازًا عما يوهم باطلًا، ففي إطلاق الأسماء لا بد من إذن شرعي([ix]).

وإلى هذا الرأي الذي قاله الإمام 0 ذهب كثير من العلماء منهم الإمام الغزالي، والرازي، والباقلاني وغيرهم، والمعتزلة. وهنا يقول الإمام الباقلاني: “كل لفظ دل على معنى ثابت لله تعالى جائز إطلاقه عليه بلا توقيف إذا لم يكن إطلاقه موهمًا لما لا يليق بكبريائه”([x]).

كما ذكر الغزالي: أن أسماء الله تعالى من حيث التوقيف ليست مقصورة على تسعة وتسعين بل ورد التوقيف بأسماء سواها، حيث ورد في القرآن “شديد العقاب”، “قابل التوب”، “غافر الذنب”، “مولج الليل في النهار”، وورد في الخبر “السيد”. إذ قال رجل للنبي J يا سيد فقال: (السيد هو الله تعالى)([xi]).

وكأنه قصد المنع من المدح في الوجه([xii])، وإلا فقد قال J: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)([xiii]).

===========================

([i]) أسرار القرآن ج3 ص7.

([ii]) أسرار القرآن ج1 ص263.

([iii]) كتاب اصطلاحات الصوفية للإمام أبى العزائم ص16.

([iv]) المرجع السابق ص22.

([v]) رواه البخاري في كتاب التوحيد – الفتح 13/377، ومسلم بشرح النووي ج17: ص6. والمراد من حفظها وإحصائها الإيمان بها وتعقل معناها وفهم دلائلها، والتخلق بها على قدر الطاقة البشرية.

([vi]) التمهيد للباقلاني المطبعة الكاثوليكية، بيروت سنة 1957، ص230.

([vii]) شرح الموقف الخامس ص352.

([viii]) الإسلام دين الله ص33.

([ix]) شرح الموقف الخامس – تحقيق أ0د/ أحمد المهدى ص352، 353.

([x]) المرجع السابق ص352.

([xi]) أخرجه أبو داود وأحمد في مسنده.

([xii]) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للإمام الغزالي ص147.

([xiii]) صحيح مسلم ح2278، عن أبى هريرة.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (25)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …