أخبار عاجلة

رأي الإمام أبي العزائم في مسائل العقيدة (10)

تكاد كلمة المسلمين تتفق على أن المعارف التي يجب على المسلم استيعابها هي: أصول الدين، وأحكام الشريعة.

وإن كانت المعرفة – بشكل عام – مطلوبة، ومرادة، وبكل فروعها، فيما يتعلق بالكون والحياة، وبخاصة ما يرتبط بالجوانب الاجتماعية والإنسانية التي تحدد علاقة الإنسان ببني نوعه، وذوات جنسه من كافة المخلوقات، كالأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة، التي استقطبت جهودًا جبارة من المصلحين، وفي مقدمتهم الأنبياء والأئمة، والعلماء، والصالحين من الناس.

الدكتور سامي عوض العسالة

بقية الفصل الأول: الإلهيات

بقية: المبحث الثاني: أسماء الله الحسنى

بقية: تقسيم الإمام لأسماء الله الحسنى:

بعد أن بينا منهج الإمام 0 في تقسيمه لأسماء الله الحسنى، يجدر بنا أن نورد جانبًا من شروحه لبعض هذه الأسماء، تأتى على سبيل المثال لا الحصر لمعرفة اتجاهه حول هذه الأسماء.

1- الله هو الاسم الأعظم الواجب الوجود لذاته، المفرد العلم الدال على الإله الحق دلالة جامعة لجميع الأسماء الحسنى الإلهية الأحدية، الجامع للجمال والجلال والبهاء والنور والضياء والكمال لذاته بذاته. ومن الأثر ترك التكلم في اشتقاقه وجموده([1]).

2- التَّوَّابُ أي: يتوب على العبد ويقبل من العبد التوبة([2])، ولفظة تواب مبالغة في قبول التوبة، ولكنها ليست مبالغة في أسماء الله تعالى، فالتواب اسم من أسماء الله تعالى، ويطلق هذا اللفظ ويراد منه كثير التوبة من الذنوب إلى الله تعالى، فإن العلماء الراسخين يرون أنفاسهم في غير شهود وحضور ومراقبة ذنبًا، ويرون أنهم إذا لم يعاملوا الله في كل أعمالهم ومعاملاتهم أخطأوا، فهم دائمًا في توبة الله تعالى لنظرهم كثرة خطاياهم، لدوام مواجهتهم عظمة  الله وكبرياء، ولاعتقادهم العجز عن التقوى رعاية لقوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( (آل عمران: 102)([3]).

3- غَفُورٌ أي: واسع المغفرة، و)غَفُورٌ( صيغة مبالغة كما يقول علماء اللغة. والمبالغة لا تكون في أسماء الله ولا في صفاته؛ لأن معنى المبالغة أن تثبت حق زيادة على ما يستحق، وهذا لا يجوز في حق الله تعالى؛ لأن كمال أسمائه سبحانه وصفاته لا يتناهى، فكيف تثبت الزيادة على ما لا نهاية له؟ ‍وإنما تأتى المبالغة من جهة كثرة ذنوب الناس وظلمهم، فالمبالغة في كثرة الذنوب وتعدد صورها وأشكالها وأنواعها، وكثرة من يفعلونها سرًّا وعلانية ظالمين بها أنفسهم، وكل عمل منها  كبيرًا كان أو صغيرًا عليه أو معه مغفرة من الله تبارك وتعالى، كما قال Y: )وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ((الرعد: 6) أى: مع ظلمهم )إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا( (النساء: 116)، وأسماء الله وكلماته ليس لها حدود([4]).

ويقول: لا مبالغة في صفات الله؛ لأنها غير متناهية ولا محدودة([5]).

4، 5- الحي القيوم، الحى بذاته لا بصفة زائدة عن ذاته، أو حي بصفة زائدة عن ذاته، أو بتدبير الكون، والمحققون يعتقدون أنه حي بذاته لا بصفة زائدة عن ذاته، والقائلون بصفة زائدة قاسوا الغائب على الشاهد والله تعالى ليس كمثله شيء في كل شيء([6]).

6، 7- العلى العظيم: هذان الاسمان المقدسان ليس كمثلهما شيء فلا يفهم معناهما بما يدل عليه بحثنا، فإن العلو هو الارتفاع فوق المكان العالي، ولكن معناه هو العلى أن يجانسه أو يشاكله أو يدانيه شيء، بل هو العلى سبحانه المنفرد بكمال الرفعة عن كل شيء، فله سبحانه الفوقية المطلقة وهو الظاهر في كل شيء وفوق الفوق وفوق التحت، فله الفوقية المطلقة، بهذا البيان يجب أن نفهم أسماء الله تعالى وصفاته، فإن كل اسم من أسمائه وضع لغة لحقيقة من الحقائق تنزه الله تعالى على أن تشابهه تلك الحقائق، وأسماؤه وصفاته وأفعاله وكلامه ليس كمثلهما شيء في كل شيء([7]).

تعقيب واستنتاج:

من خلال استعراضنا لكلام الإمام في أسماء الله تعالى يتبين لنا الآتي:

1- أن الصوفية اتخذوا لفظ الجلالة رمزًا لمعاني عالية من التأليف، والإيجاد والإمداد، والبدء والخلق، والنشأة والفناء، والإحاطة والعلم والقدرة، وإرسال الرسل والشرائع السماوية، ووحي الله وإلهامه، وعظمة الله تعالى وقدرته، وملكه وملكوته، فقد رأوا في هذا الاسم المفرد الشريف المقدس أسرار كل شيء، فهو علم على الذات العلية يرمز لبقية الصفات، وكل المخلوقات آثار تلك الصفات.

2- كما شرحوا أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، وتوسلوا إلى الله بها أن ينقى ظاهرهم وخافي سرائرهم.

3- أن الإمام 0 في عرض بديع يقسم أسماء الله تعالى إلى أسماء جمال وأسماء جلال وأسماء كمال، وأن الله هو الاسم الأعظم الواجب الوجود لذاته عند التحقيق بالاضطرار. وأنه ليست هناك مبالغة في أسماء الله تعالى ولا في صفاته؛ لأن كمال أسمائه سبحانه وصفاته لا يتناهى، ونجد أن الإمام يخرج من خلاف العلماء في حقيقة القول في اسم الله الأعظم. ليجعل من كل اسم لله تعالى هو اسم الله الأعظم، إذا ما أخلص العبد لله تعالى في دعائه حاضرًا القلب وموقنًا بالإِجابة.

4- والإمام أبو العزائم في شرحه لهذه الأسماء إنما يبين لنا عقيدته فيها وكيف أنها تدل على المعاني الثابتة لله تعالى من خلال أسمائه الحسنى، وهو بذلك يرد على المنكرين لدلالة الأسماء على تلك المعاني كابن حزم الذى زعم أن أسماء الله تعالى الحسنى لا تدل على المعاني، فلا يدل عليم على علم، ولا قدير على قدرة، بل هي أعلام([8]).

كما نلحظ أن الإمام 0 بعد أن يلخص لنا آراء المتكلمين حول زيادة الصفات والأسماء، أو عدم زيادتها، يذكر رأيه الذي يعتمده حول هذه المسألة: أنه حي بذاته لا بصفة زائدة عن ذاته.

وهو بذلك يسير على منهج أهل السنة في إثبات أسماء الله الحسنى وصفاته العلا وأنه مدعو بأسمائه موصوف بصفاته التي سمي ووصف بها نفسه وسماه ووصفه بها نبيه J([9]).

5- كما أن الإمام 0 يسير على منهج أهل السنة في فهمه لهذه الأسماء حيث يجب أن نفهم أسماء الله تعالى وصفاته بما يليق بذات الله تعالى، فأسماؤه وصفاته وأفعاله وكلامه ليس كمثلها شيء.

=============================

([1]) كتاب أسرار القران للإمام أبى العزائم ج1 ص20.

([2]) كتاب أسرار القران للإمام أبى العزائم ج1 ص115.

([3]) كتاب أسرار القران للإمام أبى العزائم ج1 ص140.

([4]) كتاب أسرار القران للإمام أبى العزائم ج5 ص11.

([5]) كتاب من جوامع الكلم للإمام أبى العزائم ص287.

([6]) كتاب أسرار القران للإمام أبى العزائم ج3 ص11.

([7]) كتاب أسرار القران للإمام أبى العزائم ج3 ص11.

([8]) منهاج السنة النبوية 2/583 لابن تيمية، ط1. 1406هـ تحقيق محمد رشاد سالم.

([9]) اعتقاد أئمة الحديث ص 51، تحقيق أبو بكر الإسماعيلي، ط1. 1412هـ.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (25)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …