السيد علاء أبو العزائم
شيخ الطريقة العزمية
ورئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية
الضياع والأمل المرتقب (3)
تحدثت في المقالين السابقين عن وجود مرض يصيب الأمة في كل وقت بداية من عصر أول إمام مجدد من أهل البيت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وحتى الوقت الحالي، ويكون على إمام أهل البيت أن يوصِّفه ويعالجه.
وذكرت لكم أن مرض هذا الوقت هو “مرض الضياع” وهو نتاج تراكم جميع الأمراض السابقة بداية من مرض الشك في القيادة الذي أصاب الأمة في وقت الإمام علي، وحتى مرض التشدد في وقت الإمام السيد عز الدين ماضي أبي العزائم 0، ثم تحدثت عن أول أعراض مرض وقتنا وهو “ضياع اللغة العربية”، ثم تحدثت عن ثاني الأعراض وهو: “ضياع الدين”، وذكرت أن ضياع الدين، هو مقدمة للضياع الثالث: ضياع الأخلاق، وهو ما سنتحدث عنه تفصيلًا في هذا المقال.
الضياع الثالث: ضياع الأخلاق
لما أن أضعنا اللغة العربية، ولم نعد نفهم أكثر معانيها ومقاصدها، لعب ثلاثة أطراف ضدنا لإفساد الدين علينا، وهم: المستشرقون، والعلمانيون، والوهابيون، ولما ضاع الدين، ضاعت الأخلاق ومنظومة القيم.
عندما فقدت المجتمعات الإسلامية دينها، بعد تعرضها لصدمات ثنائية متزامنة: تيار يطالبهم بالتشدد، وتيار يطالبهم بالتسيب، وثالث يشكك في المنظومة بأكملها، اختلطت المفاهيم.
أصبح خلق الشجاعة يوصف بالتهور، والجبن بالحرص، والكرم بالهبل، والبخل بالحرص، والنفاق بالمجاملة، والكذب بالمرونة، والرشوة بالهدية، والأمانة بالخيابة، والخيانة بالفهلوة، وغيرها من المفاهيم المختلة التي تسببت في انهيار المجتمع وتفككه.
لقد ذكرت لكم فيما سبق أن هناك عدة مستويات من الأخلاق:
– أخلاق بهيمية: كالرفس والنطح والبصق والعض والغضب وانتزاع الطعام من فم الطرف الآخر، وتفرقة القطيع، واشتهاء أي أنثى من القطيع دون ضابط.
– أخلاق إنسانية: وهي المتعلقة بمشاعر الاحترام والتقدير والخوف على الجميع، والتعاطف مع الضعيف، واحترام الكبير وتقديمه.
– أخلاق إسلامية: وهي تتدرج من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة: الصدق والأمانة، وأخلاق الإسلام، ومكارم الأخلاق.
لكي يكون الإنسان مسلمًا لا بد أن يكون متصفًا بخلقي الصدق والأمانة على الأقل، ولكي يستمر إسلامه عليه أن يتصف بأخلاق الإسلام، ولكي يكون من أهل طريقنا عليه أن يتحلى بمكارم الأخلاق.
أهمية الأخلاق
الهدف الأساس من بعثة الأنبياء والرسل عليهم السلام، هو توجيه الإنسان نحو الخير، وإصلاح شخصيته، وبناء ذاته، وتقويم سلوكه ووجدانه؛ لذا كانت الأخلاق هدفًا أساسيًّا فى دعواتهم، ومعلمًا بارزًا من معالم رسالاتهم، قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ) (الأنبياء: 73).
ولقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم المثل الأعلى فى الأخلاق والاستقامة، وحسن التعامل مع الناس، وحب الخير للجميع؛ لذلك وصفه القرآن الكريم بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4).
وكم هو دقيق ودال على أهمية الأخلاق فى الرسالة الإسلامية ما ورد عن الرسول الهادى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من قول: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ليوضح أن أهداف رسالته وبعثته إنما تتركز فى تحقيق مكارم الأخلاق وإصلاح النفوس وتزكيتها؛ حتى تتحلى بالصدق والأمانة، والحب، والرحمة، والعدل، والحلم، والكرم، والشجاعة، والإخلاص، والوفاء.
وتخليص الإنسان من مساوئ الأخلاق ورذائلها، كالكذب والغش، والخيانة والغيبة، والبهتان والنميمة، والنفاق والرياء، والبخل وسوء المعاشرة، والحقد والحماقة، والسخط.. إلخ؛ لأنها من أسباب سقوط المجتمع وشقاء الإنسان وتعاسته، لذلك يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: (من ساء خلقه فقد عذب نفسه)، وعلى أساس هذه التربية الأخلاقية شاد الإسلام دعوته إلى حب الخير للجميع، ونداءه لتحقيق الخير للناس، كل الناس؛ لذلك يحث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين على فعل الخير ويدعوهم إليه، ويحذرهم من الشر، وينهاهم عنه، وقد ورد في الأثر: (خير من الخير معطيه، وشر من الشر فاعله)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (الخلق كلهم عيال الله، فأحب الخلق إلى الله أحسن الناس إلى عياله).
كل ذلك لإشادة وبناء المجتمع الإنسانى على أساس الخير، وحسن الخلق، وليكون مجتمعًا نظيفًا من الشر والرذيلة، وسوء الخلق، ذلك لأن الأخلاق، وحب الخير هى ميزة من أبرز ميزات الإنسان، وسمة من أهم سمات الحضارة الإسلامية، وقيمها المقدسة.
إن إنسانية الإنسان لا تكتمل إلا بالأخلاق الفاضلة، وحب الخير، والسعى نحوه، وتعتبر الأخلاق فى الإسلام الركن الأساس فى بناء الأسرة، والدولة والمجتمع، وبالأخلاق يرتبط القانون والسياسة والاقتصاد.. إلخ، ارتباطًا وثيقًا.
فالأخلاق فى الحياة الإسلامية كالماء فى خلايا النبات، تملؤها جميعًا وتمنحها الحياة، والنمو والنضارة والجمال.
الأخلاق الفطرية والمكتسبة
علينا أن نعلم يقينًا أن الأخلاق تنقسم إلى قسمين رئيسين: فطرية ومكتسبة، فبعض أخلاق الناس أخلاق فطرية، تظهر فيهم منذ بداية نشأتهم، والبعض الآخر مِن أخلاقهم مكتسب من البيئة، ومن تتابع الخبرات والتجارب وكثرتها ونحو ذلك.
الأخلاق الفطرية:
الأخلاق الفطرية: هي المعدن والجوهر بالنسبة لبنية الأخلاق الإنسانية.
والمكتسبة: هي ما يدعم هذا المعدن ويزيده قوة وصلابة ويشع نورًا بين الخلق.
فالأخلاق الفطرية قابلة للتنمية والتوجيه والتعديل؛ لأنَّ وجود الأخلاق الفطرية يدل على وجود الاستعداد الفطري لتنميتها بالتدريب والتعليم وتكرر الخبرات، والاستعداد الفطري لتقويمها وتعديلها وتهذيبها.
وقد أشار القرآن للفطرة السليمة التي تدرك طريق الشر وطريق الخير في قوله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد: 10).
وأشار لها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا).
وفي قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (الناس معادن) دليل على فروق الهبات الفطرية الخلقية، وفيه يثبت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن خيار الناس في التكوين الفطري هم أكرمهم خلقًا، وهذا التكوين الخلقي يرافق الإنسان ويصاحبه في كل أحواله. فإذا نظرنا إلى مجموعة من الناس غير متعلمة ولا مهذبة، أو في وسط مجتمع جاهلي، فإنَّه لا بد أن يمتاز في نظرنا من بينهم أحاسنهم أخلاقًا، فهم خيرهم معدنًا، وأفضلهم سلوكًا اجتماعيًّا، ثم إذا نقلنا هذه المجموعة كلها فعلمناها وهذبناها وأنقذناها من جاهليتها، ثم نظرنا إليها بعد ذلك نظرة عامَّة لنرى من هو أفضلهم، فلا بد أن يمتاز في نظرنا من بينهم من كان قد امتاز سابقًا؛ لأنَّ العلم والتهذيب والإيمان تمدُّ من كان ذا خلق حسن في أصل فطرته، فتزيده حسن خلق واستقامة سلوك وتزيده فضلًا، ثم إذا جاء الفقه في الدين كان ارتقاء هؤلاء فيما فضلوا به ارتقاء يجعلهم السابقين على من سواهم لا محالة، وبذلك تكون فروق النسبة لصالحهم فضلًا وكرمًا.
الأخلاق المكتسبة:
السبب الأول لاكتساب الأخلاق هو العقل، ويستطيع الإنسان بعقله وإدراكه للأشياء من حوله اكتساب الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة، كالأعرابي الذي قال: (ما أمر الدين بشيء وعرضته على العقل؛ إلا وقبله العقل).
ولو ترك الإنسان لعقله لغلبه الهوى، ومن ثم فقد جاءت الشرائع من عند الله لتكميل الأخلاق وضبطها.
قال الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم رضي الله عنه:
فِطَرُ النُّفُوسِ تَقُودُهَا لِعَنَاهَا
وَاللَّهُ بِالشَّرْعِ الشَّرِيفِ هَدَاهَا
لَوْلَا الشَّرِيعَةُ بَيَّنَتْ سُبُلَ الْهُدَىٰ
ضَلَّتْ نُفُوسٌ فِي سَحِيقِ هَوَاهَا
واقع الأخلاق
لقد جرى استهداف الأخلاق في وقتنا بنوعيها، كما يلي:
استهداف الأخلاق الفطرية:
في هذا الوقت تم استهداف الفطرة الإنسانية بكل الأشكال، حيث يتم تنشئة الأجيال الجديدة على مبدأ “الفردانية”، أو “المصلحة الفردية”.
عندما تحرك الإنسان نحو مصالحه الفردية وقدمها على المصلحة العامة فقد إنسانيته، سر قول الإمام أبي العزائم: (فمن شغله شأنه الخاص عن شأنه العام أنزل نفسه في الحضيض الأسفل حضيض البهائم السائمة وخرج من الإنسانية، فكيف يحكم على نفسه بالإسلام؟).
كما أشار المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)، فإن هذه المعادن إذا تعرضت لضغط وحرارة شديدتين، أعني بالضغط والحرارة: المعاملة الحسنة والأخلاق الفاضلة؛ تتغير خصائص هذه المعادن لدى الكثير من الناس.
ولأن الأخلاق تورث، فإن الأخلاق إذا كانت فاضلة أو سيئة فإنها ستورث في الأجيال المقبلة.
وإذا فقدت الأخلاق بشكل كامل من المجتمع الإنساني، تحول لمجتمع حيواني، تغلب عليه الأخلاق البهيمية والنزاعات والصراعات، وتغيب عنه الألفة والوئام.
استهداف الأخلاق المكتسبة:
أما الأخلاق المكتسبة التي يكون محل استقبالها العقل، فقد تم التشويش عليه بمغريات العصر من شهوات وأمور تافهة شغل بها الرأي العام، ومواد ترفيهية زاحمت الهواء من حولنا؛ حتى شوشت على العقل وأضحلت تفكيره.
كما أن الأخلاق المكتسبة تتطلب قدوة خاصة أو ونموذجًا في المنزل وهو الأب، وقد تم كسر قبضته على أسرته ضمن نظام العولمة الجديد، ونموذجًا في المدرسة هو المعلم، وقد تم تهميش دوره وجعله تابعًا للتلاميذ بعد مد يديه لهم لتلقي أموال الدروس الخصوصية.
وأما نموذج الزعامة أو القدوة العامة، فتحول من إمام أهل البيت ورجل الدين الصالح والعالم النافع لأمته، للتافهين من رجال الغناء والتمثيل ولاعبي كرة القدم، الذين تم صناعتهم بعناية بحيث ينشرون أخلاقًا جديدة تخالف القيم والشرائع، ويقودون الناس لعصر بلا أخلاق، والخلق الوحيد الثابت فيه هو البحث عن المصلحة والمال، وفي سبيلهما يضحي الإنسان بكل شيء.
من المسؤول عن ضياع الأخلاق؟
هناك عدة جهات تسببت في ضياع الأخلاق في المجتمع، نوجزها فيما يلي:
1- العلمانيون: الذين يريدون بناء مجتمع متحلل أخلاقيًّا بلا ضابط ولا رابط.
2- الوهابيون: الذين كرَّهوا الناس لقاء الله بحديثهم المتواصل عن جهنم، فنفروا الناس من التخلق بأخلاق الجنة.
3- الغرب: الذي ينشر الفساد بيننا ليل نهار تحت ستار الترفيه.
4- اليهود: الذين يريدون جعل الإنسان عبدًا لشهواته؛ حتى يتحكمون فيه من خلال سيطرتهم على منابع الشهوات في العالم.
5- الحكام الفاسدون: الذين يريدون شغل شعوبهم بأي شيء بعيدًا عن الحكم.
6- رجال الدين: الذي توقفوا عن قول كلمة الحق ومحاربة الباطل، وتفرغوا لرضاء السلاطين.
7- القدوة الواهية: من اللاهين واللاعبين الذين جرى تسويقهم كنماذج ناجحة.
8- نشر ثقافة الاستهلاك: التي جعلت الناس مدمنين لجمع المال وإنفاقه، دون التقيد بحلال أو حرام.
الأخلاق التي أضاعت المجتمع
في نظري أن المجتمع الإسلامي أضاع أهم ثلاثة أخلاق، والتي بدونها خرج المجتمع من ثوب الإسلام، وبات أقرب لأخلاق الجاهلية، ولتوضيح ذلك أقول:
في زياراتي المتعددة للغرب، وجدت أناسًا يشربون الخمور ويقامرون ويزنون ويفعلون كافة الموبقات، لكنهم لا يكذبون ولا يخونون ولا ينافقون، لذلك تقدمت مجتمعاتهم.
في مجتمعاتنا الإسلامية تفشى الكذب والنفاق والخيانة بشكل كبير؛ حتى أصبح المجتمع مخوَّخًا كما يلي:
1- الكذب:
لقد تسبب الكذب في إفقادنا الثقة في بعضنا البعض، وأصبح عادة يوميًّا، وحتى نبرره لأنفسنا قمنا بتلوينه، فأصبح هناك كذب أبيض، أحله المجتمع، وكذب أسود، حرمه المجتمع لكنه أباحه عند الضرورة، بل واختارت الشعوب يومًا للكذب وهو الأول من إبريل، وأصبح الجميع يكذب فيه تحت مسمى “كذبة إبريل”.
2- النفاق:
النفاق أصبح سمة منتشرة بين الجميع، فأصبحت الترقيات في الوظائف تتجه نحو الأكثر نفاقًا، وأصبح الزعماء يقربون المنافقين، وكذلك في جميع المؤسسات، حتى أصبح مديرو الأقسام ومديرو الإدارات ورؤساء مجالس الإدارات من أكثر النماذج المنافقة في المجتمع، ولأنهم لا يجيدون غير النفاق تدهورت الحياة الزراعية والتجارية والصناعية والدينية والثقافية في مجتمعاتنا.
3- الخيانة:
انتشرت الخيانة الزوجية نتيجة عصر التحول الرقمي، وقيام العديد من الأزواج أو الزوجات بالحديث مع أناس آخرين من خلف شاشات الهواتف المحمولة، اعتقادًا منهم أن الحديث مع الغير دون تلامس ليس بخيانة، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبَّه إلى أن العين تزني مثلها مثل اليد، ومثل الأعضاء الجنسية.
وفي هذا السياق انتشرت الصور التي يصورها بعض الناس لأنفسهم في غرف نومهم عبر صفحات الإنترنت؛ لأن من تخون زوجها أو تخون ثقة أبيها وترسل صورها لشخص ما، يقوم هو بدوره بخيانتها ونشر هذه الصور.
هذا من جانب، ومن جانب آخر انتشرت خيانة الأوطان، ورأينا مسؤولين وضباطًا يسلمون أراضيهم وأسلحتهم ومقدرات شعوبهم للإرهابيين أو لأعدائهم.
لكن ليس هذا ما يؤلمني، ما يؤلمني حقًا هو انتشار خيانة الأمانة، ولا أقصد هنا الأمانات التي تودع عند بعض الناس ولا يردونها؛ لأنها سرقة، وإنما الأمانة التي هي دور كل فرد في المجتمع.
في وقتنا، خان المدرس أمانته وأصبح لا يشرح في المدرسة من أجل إجبار الطلاب على أخذ الدروس الخصوصية.
في وقتنا، خان الطبيب عمله، واتفق مع صيدلية ومركز تحليل ومركز أشعة لحلب المريض وأخذ أكبر قدر من المال منه.
في وقتنا، خان المزارع عمله، وسهر طوال الليل أمام الإنترنت والتليفزيون، ثم استيقظ بعد الظهر فلم يعطِ زراعته حقها، فتراجعت.
في وقتنا، خان العامل مهنته، وقصر في عمله، فتخلفت الصناعة، بعدما برر لنفسه ذلك بقوله: أعمل على قدر ما يعطونه لي من راتب، رغم أن هذا الراتب هو قيمته، ولو كان هناك مكان آخر سيعطيه أكثر ما ظل في مكانه، لكنه تبرير الخائب الخائن.
في وقتنا، خان التاجر أمته، واكتنز سلعًا وقام بزيادة أسعارها بعد احتكارها، ولم يراعِ الفقراء الذين لا يستطيعون شراءها.
في وقتنا، خان بعض جنود الجيوش المحيطة أوطانهم، وتخلوا عن أماكنهم ما مكن الإرهابيين من السيطرة على بلادهم، مثلما حدث في سوريا.
في وقتنا، خان رجل الدين ضميره، وأصبح يبرر للسلطان ما يريد، وأصبحت فتاويه تستند لأسس سياسية أكثر من استنادها لأسس دينية.
لقد خانت الغالبية العظمي من أبناء أمتنا وظائفهم وأدوارهم في المجتمع، ونتيجة لذلك تراجعت المجتمعات بشكل فج في وقت بسيط، حتى أصبحنا ننام وهناك دول قائمة ونستيقظ لصلاة الفجر فنجدها قد انهارت، دون أي مقدمات.
كلمة أخيرة
لقد ربط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين ضياع الأخلاق وحدوث البلاء، فقال: (يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان؛ إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم؛ إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله؛ إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله؛ إلا جعل الله بأسهم بينهم).
لذلك فإن هذا الضياع الثالث: الأخلاق، هو مقدمة للضياع الرابع: التسلط (تسلط الحكام والأعداء والخونة)، وهو ما سنتحدث عنه تفصيلًا في القادم من المقالات.
وصلى الله على سيدنا ومولانا رسول الله وعلى آله وسلم.