السيد علاء أبو العزائم
شيخ الطريقة العزمية
ورئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية
الضياع والأمل المرتقب (5)
تحدثت في المقالات السابقة عن وجود مرض يصيب الأمة في كل وقت بداية من عصر أول إمام مجدد من أهل البيت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وحتى الوقت الحالي، ويكون على إمام أهل البيت أن يوصِّفه ويعالجه.
وذكرت لكم أن مرض هذا الوقت هو “مرض الضياع” وهو نتاج تراكم جميع الأمراض السابقة بداية من مرض الشك في القيادة الذي أصاب الأمة في وقت الإمام علي، وحتى مرض التشدد في وقت الإمام السيد عز الدين ماضي أبي العزائم رضي الله عنه ، ثم تحدثت عن أول أعراض مرض وقتنا وهو “ضياع اللغة العربية”، ثم تحدثت عن ثاني الأعراض وهو: “ضياع الدين”، وذكرت الضياع الثالث: ضياع الأخلاق، ثم عرضت تفصيل العرض الرابع وهو: “التسلط” (تسلط الحكام والأعداء والخونة)، وذكرت أنه مقدمة للضياع الخامس: ضياع الإنسانية، وهو ما نتحدث عنه تفصيلًا في هذا المقال.
==================
الضياع الخامس: ضياع الإنسانية
==================
أوضحت لكم في المقال السابق كيف تسلط على الأمة الحكام والأعداء والخونة بعد الفساد الأخلاقي، ما أدَّى إلى فقدانها للإنسانية.
لقد تحول أكثر المسلمين إلى أجسام بلا أرواح، إلى هياكل بلا هوية، إلى سائل شفاف لا طعم له ولا لون ولا رائحة، يسير مع الريح دون أي مقاومة، إذا وضع فيه لون أحمر كان أحمر، وإذا وضع فيه أزرق كان أزرق، وإذا أشعلت أسفله نارًا تبخر سريعًا.
تحول أكثرنا إلى مسوخ فقدت إنسانيتها، أشباه رجال وليسوا برجال، وأشباه نساء وليسوا بنساء.
لقد ذكرت لكم مرارًا أن المسلمين موتى تأخر دفنهم، فهم أحياء بلا روح، وكل واحد منهم يعيش كالميت، وينتظر أن تستخرج له الجهات المختصة تصريح الدفن، فإذا ما حصل عليه سيسير بنفسه إلى المقابر، ويفتح المقبرة، أو حتى يحفرها بنفسه، ثم سيضجع في المقبرة، ويغلقها على نفسه، وينتظر ملك الموت حتى يأتيه فيسلمه روحه.
أعلم أن هذه التشبيهات صعبة، والبعض قد يعتبرها صادمة، لكن هكذا الحقيقة دومًا، ووضع المسلمين اليوم صعب حقًّا، فقد بلغوا أسفل مراحل الضياع على كل المستويات، وإلى تفصيل ذلك؟
=========
ما هي الإنسانية؟
=========
الإنسانية لغة: مصدر صناعي من إنسان وهي ضد الحيوانية أو البهيمية، وتعني الصفات التي تُميّز الجنس البشري عن غيره من الأنواع.
وتُعرف الإنسانية بأنّها حالة تصف الجنس البشري عن سواه من المخلوقات، كما تُعرّف وفقًا للفيلسوف إيمانويل كانط بأنّها هدفُ الأخلاق وأساسُ فكرة الواجب، أمّا بالنسبة لعالم الاجتماع والفيلسوف أوجست كونت فإنّ الإنسانية تُشكّل كائنًا جماعيًّا يتطوّر مع الزمن.
ويرتبط مفهوم الإنسانية بقيم معينة، مثل: الإحسان، والإيثار، والاحترام، والتعاطف، والأخوة، وقبول الآخر، والتفاهم، وغيرها، والتي تُعتبر مجموعة من الالتزامات الأخلاقية التي تُرشد الإنسان إلى كيفية التفاعل مع بني جنسه.
تُساعد الإنسانية وقيمها البشر على أن يعيشوا بانسجام، كما أنّها تُعزّز القيم الأخلاقية لدى الفرد، مثل: العدالة والنزاهة، وهي ضد العنف والجرائم في حق الإنسان.
كما ظهرت مؤخّرًا العديد من المفاهيم المعاصرة التي أصبحت مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بمصطلح الإنسانية، مثل: حقوق الإنسان، والتنمية، والأمن البشري، وأُشير إلى الإنسانية في العديد من القوانين في المعاهدات الدولية، حيث إنّها تُعدّ مصدرًا مهمًّا للقانون الدولي.
==================
كيف فقد المسلمون إنسانيتهم؟
==================
تسلط حكام الجور والأعداء والخونة على الأمة الإسلامية التي فقدت هويتها (لغتها)، ودينها، وأخلاقها، جعلها تفقد أهم صفة فيها وهي: الإنسانية.
==================
دور الحكام في إضاعة الإنسانية:
==================
تسبب حكام الجور في نزع الإنسانية من المسلمين من خلال ما يلي:
1- الفصل بين الأمة وروحها الطاهرة وعقلها الراجح وقلبها النابض وضميرها الحي، وهو إمام أهل البيت في كل عصر ووقت، وبالتالي أصبح المسلمون أجسامًا بلا روح ولا عقل ولا قلب ولا ضمير حي.
2- حكموا بالحديد والنار، فعلموا الشعوب الخوف والقهر والرضا بالظلم، وبسبب هذا فقدوا إنسانيتهم وأصبحوا يرون من يعذب أو يعتقل أو يقتل ولا يتحركون خوفًا، وبالتالي فقدوا الصفة الإنسانية في التعاطف والتضامن.
3- نشروا ثقافة التفاهة بين المسلمين لإبعادهم عن الشأن العام، ففقدوا الذوق والفهم للأحداث المحيطة بهم.
4- شجعوا الأفكار الشاذة والباطلة، ففقد المسلمون التفكير العقلاني.
5- اختلسوا وسرقوا وسمحوا لحاشيتهم بفعل المثل، فانتشر الفساد في النظام الإداري للدول الإسلامية، وأصبح جزءًا لا يتجزأ منها، وبات كل واحد من المسلمين يضع يده في جيب أخيه، ومن لم يجد أمامه جيبًا لشخص آخر ضربه الفقر.
6- قربوا أصحاب النفاق والمتملقين، فأصبح التملق هو معيار تولي المناصب بدلًا من الكفاءة، فاختل ميزان العدالة الاجتماعية، وأصبح المسلم يتعلم النفاق؛ حتى يصل إلى ما يبغاه بدلًا من أن يصقل مواهبه.
7- تحالفوا مع الأعداء؛ حتى رأينا دولًا تفتح ممرات برية وبحرية لإيصال المؤن للعدو الصهيوني في وقت يرتكب فيه جرائم ضد الإنسانية ضد إخواننا العزل في فلسطين ولبنان.
هؤلاء الحكام هم من أبناء اليهود، حيث ينتقل الدين اليهودي عن طريق الأم، وقد تم تزويج بعض أمراء وملوك ورؤساء المسلمين من يهوديات بهدف أن يخرج أولادهم يهودًا وقد حكموا بعض الدول الإسلامية، وتحقق مخطط رئيسة وزراء الاحتلال السابقة جولدا مائير التي قالت: (سيتفاجأ العرب ذات يوم أننا أوصلنا أبناءنا إلى حكم بلادهم)، فرأينا من يقول منهم: (نحن واليهود أبناء عمٍّ خُلَّص، ولن نرضى أن يرميهم أحد في البحر)، ورأينا من يقول بشكل فج: (لقد ربتني أمي اليهودية)، ولم يتحرك مسلم واحد لإسقاطهم؛ لأن المسلمين فقدوا النخوة والحمية.
==================
دور الأعداء في إضاعة الإنسانية:
==================
1- نشروا حب الشهوات بين المسلمين، وخصوصًا في العصر الرقمي، حيث سهلوا الزنا والقمار والشذوذ وكل شيء مقيت؛ حتى ربطوا المسلمين به فأصبحوا مسوخًا.
2- فرضوا على المسلمين الانفصال عن قدواتهم التاريخية؛ حتى يصبحوا بلا أمل، فمن ليس له ماضي ليس له حاضر ولا مستقبل.
3- علموا المسلمين الكسل، من خلال إرسال بضائع مستوردة بأسعار أقل من المصنعة في بلاد المسلمين، حتى توقفت المصانع وأصبح المسلم مستهلكًا فقط لما يصنعه عدوه.
4- فرَّقوا بين المسلمين وقسَّموا وطنهم لدول ودويلات، وأشعلوا النزاعات الطائفية والعرقية، فأصبح المسلم يقتل أخاه المسلم، أو يقتل شريكه في الوطن بدم بارد، ولا يشعر بالذنب.
5- علموا المسلم الخنوع، فبعد أن كنا سادة العالم، أصبحنا عالة على الأمم، وأصبح الحاكم المسلم يعطي الجزية لعدوه؛ حتى يقره على كرسي حكمهم.
6- حرضوا بعض المسلمين على ارتكاب المعاصي ووعدوهم بالحماية ودافعوا عنهم بحجة حقوق الإنسان، فنشروا بجمعيات حقوق الإنسان الأفكار الهدامة والسلوكيات التي تعتمد على الشهوات.
7- نشروا أفلامهم ومسلسلاتهم الدموية التي تعتمد على سفك الدماء؛ حتى عوَّدوا المسلمين على تقبل هذه المشاهد.
8- نشروا التطبيقات الإلكترونية التي تمنح المال لمن يتعرى أو ينشر أفكارًا هدامة؛ حتى أصبح التحرر والفجور على وسائل التواصل الاجتماعي سمة العصر.
==================
دور الخونة في إضاعة الإنسانية:
==================
1- نشروا الأفكار الهدامة، وحرضوا المسلمين على سفك دماء أبناء وطنهم ودينهم، فشربت بعض أراضي المسلمين دماءً في العقود الأخيرة كقطرات المطر.
2- أفهموا بعض المسلمين أن قتل المخالف في الطائفة أو المذهب واجب، فرأينا مسلمين يكبرون فرحًا بمقتل إخوانهم من الطوائف الأخرى.
3- نشروا الترفيه واللهو وقدموا اللاعبين واللاهين قدوة؛ حتى أصبح غاية أماني بعض المسلمين أن يخرج من أصلابهم ولدًا يلعب كرة قدم، أو بنتًا ممثلة، فيدرَّان عليهم مالًا وفيرًا، دون أدنى حرص على الشرف أو تقدم الأمة.
4- نشروا التوكتوك في بلاد المسلمين؛ حتى يزهد الشباب عن العمل في الورش والمصانع، فيومية التوكتوك أعلى من أجرة العامل في أي ورشة أو مصنع، فخربت مصانعنا، وأصبح كل واحد منا يهتم فقط بنفسه.
5- نشروا ثقافة: (اعمل على قدر الراتب)، فقصر كل مسلم في عمله، وأضاع الأمانة من يده، فتأخرت أمتنا بعدما خربت مدارسنا وضعفت جامعاتنا وهجرت مراكز أبحاثنا العلمية.
6- دمروا مصانعنا الوطنية، وجودة أراضينا الزراعية لصالح الاستيراد، وخدعوا العمال والفلاحين بما لهم من حقوق دون أن يخبروهم أن عليهم واجبات يجب تأديتها، فأصبح الفلاح لا يهمه أنه يقف على ثغر من ثغور المسلمين في مجال الأمن الغذائي، وأصبح يستيقظ بعد الظهر بدلًا من الفجر، وترك أرضه وحيواناته دون رعاية، وكذلك قصر الموظف والعامل؛ حتى أصبح معدل العمل في بلدنا 27 دقيقة فقط يوميًّا.
7- دفعوا المسلم لأن يفكر في نفسه فقط، فترى فلاحًا يزرع الأراضي ويرش مبيدات ضارة لتسريع نضج الفواكه والخضار رغم علمه أنها ستضر غيره، لكنه يبحث فقط عن المكسب السريع.
8- جعلوا قيمة الإنسان في وطنه بالمال، دون الاكتراث لمصدره، فرأينا من يسرق أو يختلس أو يتلقى رشوة من أجل الحصول على المال الذي يساوي مكانته الاجتماعية.
9- عكسوا معاني الكلمات، فأصبح الجبن حرصًا، والشجاعة تهورًا، والأمانة خيابة، والنفاق شيئًا مقبولًا، ففسدت الأخلاق، وأصبح الناس مسوخًا لا يستطيعون التفريق بين الحق والباطل.
10- أوهموا المسلمين أن السير خلف الغرب هو بوابة تقدمهم وازدهارهم، فبدأ المسلمون في التحلل من الأخلاق، ومن خلال تجربتي الشخصية لم أجد في الغرب كذابًا ولا منافقًا وخائنًا للأمانة، رغم أنهم يرتكبون الكثير من المعاصي، ووجدت في بلادنا الكذب والخيانة والنفاق بشكل كبير.
==================
ماذا حدث عندما فقد المسلمون إنسانيتهم؟
==================
في عالمٍ باتت فيه القيم الإنسانية تتراجع أمام طغيان الماديات، أصبح المسلم أكثر انعزالًا، وأقل تعاطفًا.
نشاهد اليوم انحدارًا واضحًا في المشاعر الإنسانية، حيث باتت القسوة والأنانية والعزلة عناوين بارزة للمجتمعات الحديثة.
فما أهم مظاهر فقدان الإنسانية التي ظهرت على المسلمين:
==================
1- عزلة خلف الشاشات:
==================
لم تعد التكنولوجيا مجرد وسيلة تسهل الحياة، بل أصبحت جدارًا يعزل البشر عن بعضهم البعض.
على الرغم من أنها تقرّب المسافات، إلا أنها تسلب اللقاءات الحقيقية، حيث تحوّلت العلاقات الإنسانية إلى مجرد محادثات سطحية عبر الشاشات.
لقد استبدل المسلمون- كغيرهم من الناس- الأحاديث العميقة بالرسائل النصية السريعة، ففقدت المشاعر دفئها، وأصبح التواصل رقميًّا أكثر منه إنسانيًّا.
إن فقدان هذا النوع من التفاعل أدى إلى تآكل روابط المجتمع، مما جعل البشر عمومًا أقل قدرة على فهم بعضهم البعض.
==================
2- غياب التعاطف:
==================
التعاطف هو جوهر الإنسانية، وعندما يختفي، يصبح العالم مكانًا أكثر قسوة.
نشاهد يوميًّا مشاهد مؤلمة لأشخاص يتجاهلون معاناة غيرهم، أو يسارعون إلى إطلاق الأحكام الجائرة دون معرفة القصة الكاملة.
إن غياب القدرة على الشعور بآلام الآخرين يؤدي إلى حالة من العزلة واللامبالاة، حيث يصبح كل فرد مشغولًا بمشكلاته الخاصة، غير مكترثٍ بما يعانيه غيره، ويكفي مثالًا على ذلك أن الأمة كانت مشغولة بمباراة كرة قدم في وقت تضرب العاصمة اللبنانية بيروت من قبل الطيران الإسرائيلي، وقد أدت ضرباته لاستشهاد عدد من قيادات حزب الله على رأسهم السيد حسن نصر الله، ولم ينعه معظم الأمة إما لانشغالهم بالكرة أو لاختلافهم معه في المذهب.
==================
3- المال قبل الأخلاق:
==================
لقد أصبح النجاح في نظر الكثير من المسلمين مرهونًا بحجم الثروة والمقتنيات، متناسين أن القيم الأخلاقية هي الأساس الحقيقي للحياة، فعندما يُقاس الإنسان بما يملك لا بما يقدم، يصبح المجتمع أكثر تفككًا.
نجد اليوم أن العديد من المسلمين يلهثون خلف المكاسب المادية، حتى وإن كان ذلك على حساب المبادئ والعلاقات الإنسانية.
في هذا السباق المحموم نحو الثراء، تتلاشى القيم وتضيع روح التعاون، مما يؤدي إلى انهيار المجتمع من الداخل.
==================
4- انهيار الحصن الأخير:
==================
الأسرة المسلمة كانت ولا تزال اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، ولكنها اليوم تعاني من تفكك غير مسبوق.
الحياة السريعة، والانشغال الدائم، والهجرة المتزايدة لأسباب اقتصادية، جعلت العلاقات العائلية ضعيفة وهشة.
لقد أصبح من الصعب اليوم إيجاد أسر مسلمة مترابطة كما كان في الماضي، حيث كان الجار يعرف جاره، وكانت العائلة تمتد لتشمل الأقارب والجيران.
ومع فقدان هذه الروابط، تضاءلت المسؤولية المجتمعية، وأصبح كل فرد مسؤولًا فقط عن نفسه.
==================
5- الخوف والانقسام:
==================
لقد تم استغلال الاختلافات الدينية والعرقية والسياسية لخلق فجوات عميقة بين الشعوب، مما جعل المسلمين منقسمين أكثر من أي وقت مضى.
الإعلام والسياسات الدولية عززت هذه الانقسامات، فأصبح المسلمون يرون بعضهم البعض كخصوم بدلًا من أن يكونوا إخوة في الدين.
هذا الخوف المصطنع قاد إلى انتشار الكراهية والتعصب، مما زاد من حجم العنف والاضطرابات في المجتمعات الإسلامية.
==================
6- المكاسب على حساب المبادئ:
==================
مع ازدياد وتيرة الحياة الحديثة، بات الناس يبحثون عن الطرق الأسهل لتحقيق أهدافهم، ولو كان ذلك على حساب الأخلاق.
الكذب، والخداع، والانتهازية أصبحت ممارسات مألوفة في كثير من المجالات، مما جعل النزاهة شيئًا نادرًا، وعندما تغيب القيم، يُصبح من السهل تبرير أي سلوك، حتى وإن كان ذلك على حساب الآخرين.
هذا التدهور الأخلاقي جعل المجتمعات أكثر قسوة وأقل رحمة، حيث باتت المصالح الشخصية تتقدم على أي اعتبار آخر.
==================
7- الأزمات النفسية:
==================
مع تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، أصبح الاكتئاب والقلق أمرين شائعين في المجتمعات المسلمة.
يعاني الكثير من الوحدة والعزلة، مما يجعلهم غير قادرين على تقديم الحب والاهتمام للآخرين.
إن مجتمعًا مليئًا بأشخاص يعانون من مشاكل نفسية غير معالجة هو مجتمع يفقد حسه الإنساني تدريجيًّا، حيث يصبح الأفراد أكثر انغلاقًا وأقل تفاعلًا مع محيطهم.
==================
8- العيش من أجل الاستهلاك:
==================
في عالمٍ باتت فيه القيمة تُقاس بما يمتلكه الإنسان من مقتنيات، أصبحت الحياة تدور حول الاستهلاك.
هذه النزعة نحو شراء المزيد والسعي وراء الكماليات جعلت البشر عمومًا والمسلمين من ضمنهم أكثر أنانية.
باتت الأولويات مقلوبة، فأصبح اقتناء أحدث الهواتف والسيارات أكثر أهمية من مساعدة فقير أو دعم محتاج.
في ظل هذا النمط الاستهلاكي، تراجعت القيم التي تحث على الكرم والتكافل الاجتماعي.
=========
كلمة أخيرة
هل يمكننا التغيير؟
=========
قد يبدو الوضع قاتمًا، لكن لا يزال هناك أمل.
اعلموا أن التغيير يبدأ من الأفراد، حيث يمكننا استعادة إنسانيتنا عبر عدة خطوات سأشرع في عرضها.
لقد انتهيت في المقالات الخمسة من توصيف مرض الضياع، وإلى المقال المقبل للحديث عن كيفية علاج المرض، وستكون قاعدة علاجنا مبنية على الآية القرآنية: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد:11)، لذلك سننطلق من التغيير الذي علينا أن نفعله؛ حتى نصل للتغير الذي سيغيره الله لنا.
وحتى أبدأ في عرض العلاج عليكم، اعتبروا أن البحث عنه دعوة للتفكر، وللتغيير، ولإعادة إحياء ما فقدناه، فالعالم لا يصبح أكثر ظلامًا إلا عندما نختار نحن أن نطفئ نور قلوبنا.
واعلموا أن بإمكان كل منا أن يكون شعلة تضيء الطريق، ليعود الإنسان المسلم إلى جوهره الحقيقي: إنسانًا قبل كل شيء.
وصلى الله على سيدنا ومولانا رسول الله وعلى آله وسلم.