عمارة كل وقت من أوقات السالك فيما اقتضاه الوقت من اللازم الشرعي من عمل قلبي فقط، أو عمل بدني فقط، أو عمل مزدوج منهما، وبذلك ينتقل على معارج القرب في كل لمحة ونفس؛ لأن الزمن هو المراحل التي ينتقل منها إلى حضرة الرب سبحانه وتعالى..
الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم
بقية الأصل الأول للوصول إلى الله: صفاء جوهر النفس
التنافس:
النفس الملكية تواقة إلى عالمها العلوي، تشتاق للاتصال به علمًا وعملًا وحالًا، ولكن الفطر البشرية تحول بينها وبين ما جبلت عليه من الاستشراف إلى علومها ومعارفها ومشاهدها، فإذا أكرم الله الإنسان بعالم عامل بجميع الأعمال وعليِّ الأحوال، وكانت قواه البشرية متوسطة لا تحجب النفس الملكية عن شهود علومه وأعماله وأحواله لاشتغالها بدواعي الحظوظ والأهواء البشرية، فإن النفس بميل الإنسان إلى هذا العالم تستيقظ من نومها بحظوظ الجسم، واشتغالها بأهوائه، فتشرق عليه شمس أنوار الملكوت، وتنكشف له حقائق الأسرار وما عليه العالم العلوي من المشاهدات، والقيام بالطاعات والقربات فتحصل العزيمة والرغبة والشوق والوله والمسارعة إلى المزيد من العمل، وتحصيل المعارف الحقة، والعقائد الحقة، والتخلي عما كان عليه من قبيح العمل، ورديء الاعتقاد، وسيئ الخلق، وشر الحال، فتحصل المنافسة في طلب الخير، والتجمل بالمعاني القدسية؛ حتى يتشبه بالملائكة الروحانيين، وتدوم منافسته؛ حتى تجلي له حقائق صادقة في نفسه وفي الآفاق، فتبدل صفاته وأطواره ومعارفه وعقائده وأعماله بالمعاني الروحانية؛ حتى يكون روحانيًّا حقًّا ربانيًّا صدقًا.
وبذلك يتخلق بأخلاق ربه العلي ويتصف بالقرآن، ويكون في معية رسول الله J، وهو البدل الكامل والإنسان الكامل، الذي انجذب بكليته إلى الجناب العلي، وواجهته الجمالات الربانية، وفاز بالمنازلات الإلهية، ويكون قلبه مواجهًا الجبروت الأعلى بعد مواجهته للملكوت والعزة، وتكون هممه وعزائمه وإقباله ومعارفه وفقهه في الله ومن الله، وله في كل نفس فيوضات ومواهب ترد عليه من حضرة المنعم الوهاب I، وقد تبلغ المنافسة مبلغًا تجعل المنافس يبذل النفس والنفيس في نوال حظوة من حظوات القدس.
نسأل الله تعالى أن يمنحنا الإخلاص لذاته، والصدق في معاملته، والحفاظ على السنة والعمل بها، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وورثته والتابعين آمين.
السرائر:
المريد الصادق يجاهد نفسه في بدايته أن تألف الحسن من العمل والقول، ويجتهد في تحملها العمل الفادح لتقف عند الحد الوسط في خير الأعمال، خوفًا من أن تتعاصى عليه عند عمل الواجب أو تتهاون به؛ حتى إذا ارتاضت وألفت جمال الأعمال والأقوال، وأنس منها بالسهولة عند تأدية ما لا بد منه، حرمها من بعض لوازمها ومعتاداتها، مما لا يضر بها عقلًا ولا جسمًا؛ حتى تعتاد الخشن من الملبس، والنذر القليل من المأكل، وترضى بالمنزلة التي كانت تستنكف منها وتستقبحها، وتألف الابتذال والتقلل من الدنيا وزينتها، والتجافي عن زهرتها وغرورها، آلفًا الفضائل الشرعية والكمالات الدينية، آنسًا بالذكر والفكر والشكر والابتهال؛ حتى يملك نفسه ملكًا يجعلها منقادة له سلسة الانقياد، فيما ينفعها في آجلها مما هو خير وجميل شرعًا.
لديها يعطف عليها ويجدد أنسه بها بقدر معلوم، مادامت في طوعه متلذذة بالكمالات النفسانية، ويعينها على ما تحن إليه من الشوق إلى عوالم الأرواح، ومشاهدات الأنوار والتشبه بالصديقين، والسعي إلى منازل القرب من حظائر القدس الأعلى، والمسارعة إلى جنات المشاهدات التي عرضها السماوات والأرض، وكشف حجب الجهالة والحظ والهوى عن نفسه الملكية، التي بكمالها يدخل تلك الجنة، فلا يرى شيئًا في السماوات والأرض؛ إلا ويشهد فيه من جمال الجميل وحكمة الحكيم، وغريب تصريف قدرة القادر، ما يجعله في روضات الجنات متنعمًا بأبدع النعم.
فإذا بلغ تلك الحظوة أشرقت على سريرته أنوار معاني الصفات، ومجلى كمالات الذات فوُوجه بالوجه، وصار روحانيًّا ملكوتيًّا محفوظًا من لمة الشيطان وسلطان العدو، وحظ النفس وهو الطمع. وصار هواه أن يكشف له الحجاب عن جمال الجناب، وهواه شغله بذكر مولاه عمن سواه. ولديها يكون الإنسان الكامل، بل العالم الكبير الذي هو قلب العالم، مشكاة الأنوار وسر تنزلات الفتاح العليم الهادي الرحيم التواب الغفور، وتكون حركاته وسكناته ومشيئاته وحظوظه وأهواؤه في رضوان الله تعالى، ورضاء رسول الله J؛ لأنه ولي الله تعالى، لا خوف عليه ولا يحزن، تتوالى عليه البشائر في كل لمحة، وتفاض عليه الأسرار والمنن والمنح في كل نفس، أعانهم الله تعالى وأحسن إليهم، فأحسنوا إلى أنفسهم فعاملهم بالحسنى، وزادهم من فضله والله ذو الفضل العظيم.
قد أفلح من تزكى
1- فلاح تزكية النفس:
الفلاح: الفوز بأقصى الكمال، ونيل نهاية السعادة، وبلوغ غاية الأمل، وتلك المنن والمنح والعطايا كلها من الله الواسع العليم، فلا يمكن للسان أن يعبر عنها؛ لأن ما يعبر عنه اللسان لا بد وأن يكون مشهودًا للحس والعيان، أو للقلب بالكشف أو بالبيان.
وتلك العطايا بشرنا بها ربنا جلت قدرته متفضلًا بها على من زكى نفسه وطهرها، ولم يبين لنا حقيقتها؛ لأنها مواهب تناسب وسعة فضله وجميل كرمه، وعليَّ قدره وعظيم مننه من مشاهد ملكوته الأعلى، والعروج إلى عوالم الروحانيات، وآفاق المقربين، وفيض آلائه من علم اليقين وعين اليقين، والتشبه بعوالم القدس الأعلى، والتجمل بالأخلاق الربانية، والتعطف عليه بالخلافة عن جنابه العلي؛ حتى يكون مجملًا بمعاني الصفات، متحليًا بتجلي حضرات الأسماء، مواجهًا بالوجه العظيم، والمنازلة الرحموتية، كل ذلك لا يمكن أن يصفه واصف، ولا يتمثله خيال بعبارة، إلا بالفيض الإلهي الذي تعجز العقول عن الحيطة به، إلا بمعونة من الله تعالى للممنوح، فكيف يتمكن أن يصرح بها لغير الممنوح ؟! فسبحان المنان الكريم المعطي الوهاب. هذا ما يفيده الفلاح المرتب على تزكية النفس.
2- فـــلاح تـزكـيــة الجسم:
وتكون بالطهارة، والتخلية عن كل عائق عن بلوغ السعادة ونوال الفوز الأكبر، والقرب من حضرة الحق، وهذا العائق من عقيدة أو حال أو عمل أو أمل، وأساس تلك المراتب وباب هذه المقامات العقيدة الحقة، بقدر ما يقبل العقل الكامل من العلم بالحق سبحانه، علمًا يقينيًّا مؤيدًا بنور اليقين، وحقيقة التمكين، ولا تكون هذه العقيدة بالعقل ولا بالنظر في الكائنات، ولا بكشف أسرار مراتب الوجود؛ لأن ذلك يؤدي إلى إثبات صانع أبدع هذا الوجود، ولكنه لا يؤدي إلى معرفة كمالاته وجمالاته ، ولا إلى ما يحبه من القول والعلم والحال، ولا إلى ما أوجبه، وكلف به عباده من القربات والأوامر والنواهي.
فيجب على المريد المخلص أن يتلقى تلك العقيدة من كتاب الله تعالى، وكتاب رسوله J عن عالم متمكن عارف بالله تعالى، ثم يزيد إيمانه بالفكر فيما أمر الله بالفكر فيه، مما ورد في آيات القرآن الكريم، بعد معرفة أسرار الكائنات، وفهم آياته الدالة على عجيب القدرة وسر تصريفها، وغرائب الحكمة وجلي أنوارها، حتى يكون آنسًا بمشاهدة الحق، ظاهرًا في آياته، باطنًا في عظموت كمالاته.
فإذا ذاق حلاوة الإيمان بتلقي العقيدة من العالم العارف الورع الزاهد الناهج على المنهج القويم، والصراط المستقيم، وأنس بعلم أسرار مراتب الوجود، ومشاهدة أنوار واجب الوجود ومبدع الكائنات من العدم، وكوشف بما انطوى فيها من أسرار نظامها، وإحكام ترتيبها، وما فيها من الخصوصيات، وما أودع فيها من المنافع والخير، ونظر تسخير الكل للإنسان من الأفلاك العلويات وحركاتها، والسموات وما فيها، والجبال وكنوزها، وفائدتها التي هي حفظ الأرض من الميد واختلال التوازن، والأنهار وسر سيرها ونفعها للعالم، كل ذلك مشاهد لأهل المراقبة ورياض نزهة أهل المجاهدة، المتشوقون لخفي الأسرار، المشتاقون إلى شهود الأنوار.
أقسام التزكية
أولاً: تزكية النفوس:
قال الله تعالى: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ﴾ (طه: 76)، النفوس على التحقيق عند العلماء خمسة أنفس: نفس قدسية، ونفس ملكية، ونفس حيوانية، ونفس نباتية، ونفس جمادية.
1- النفس القدسية:
نفخة الحق من روحه في هيكل باركه سبحانه وبارك فيه وبارك له، وهو جسم الإنسان الكامل الذي انطوى فيه العالم الأكبر، وهو صورة الحق المجملة بمعاني أخلاقه الربانية، وهو الإمام الأعظم للأرواح والأشباح، خليفة ربه ووارث الولاية الكبرى الأحمدية، المتنعم بالمعية المحمدية الموصوف في آخر الفتح، ولأجله العوالم كلها، ومنه إمدادها، وله سخرت، قصر همه على الله سبحانه، ووقعت به المعرفة على حق اليقين، وهو العبد المخلص للذات الأحدية، الصادق في معاملة رب البرية، المتلقي القرآن عن قلبه عن ربه، وهذه النفس جلت عن العبارة والإشارة والحد والرسم ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ (الحجر: 29) ﴿ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ﴾ (النساء: 171) ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ (الشورى: 52) والخلق عجز العقل عن إدراك حقائقه وحكمه وأسراره، فكيف الأمر؟ والروح من أمر الله سبحانه، وهي الطاهرة المطهرة الزكية المزكية القدسية، الشمس المضيئة عوالم الملك والملكوت والعزة والجبروت.
2- النفس الملكية:
هي النور المضيء لأفق الحواس العاملة الذي به الإدراك والفقه والحركة في عوالم الملكوت وكشف أسرار التجليات، وفهم غوامض العلوم، والتجمل بجميل الأخلاق وكمال الصفات، ومتى صار لها السلطان على البدن، كان الإنسان ملكًا وأكمل؛ لأن الملائكة تتولى منفعته ودفع المضرة عنه، وتسخر له في مقعد صدق، وتلك النفس الملكية هي المديرة لجميع النفوس، وإنما تكون قائمة بأمور الجسم إذا قهرت بقية النفوس، وحبستها عن نزغاتها ورعوناتها، فإن تسلطت عليها النفوس الأخرى، كان لها تدبير شئون تلك النفوس، وإعانتها على غاياتها، وبذلك يكون الإنسان حيوانًا وأقل، أو شيطانًا وأضر، نعوذ بالله تعالى من تسجيل سوء القضاء على الإنسان، والحكم عليه بسابقة السوءى.
وتزكية النفس الملكية يكون بمعونة من الله تعالى بإيجاد الأسباب المعينة على ذلك من والدين وأخوة وإخوان، واعتدال مزاج، وتناسب جسم، وحفظ من فساد بمرض أو غرض، وإعانة من الله تعالى بصحبة مرشد عارف بأمراض النفوس ورعوناتها؛ حتى يكبح تلك النفوس ويخضعها للملكية، فتسارع في رغباتها من الفكر والذكر والقربات والثقة بالله تعالى، وحسن معاملة الخلق، والانتهاج على منهج السيد J، وبذلك تتجرد النفس الملكية للأعمال الخاصة بها من العروج إلى فسيح الملكوت، والشوق إلى حضرة القدس، والتأله للحق بالحق، فيكون البدن منجذبًا معها خاضعًا لها مطيعًا لأوامرها، حتى يرد موارد المقربين، ويفوز بالقرب من رب العالمين، والتشبه بالأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ويتأهل بالتخلق بأخلاق ربه، وعندها يتفضل ذو الفضل العظيم، فينفخ فيه من روحه، الروح التي بها العقيدة الحقة، والأخلاق الفاضلة، والعبادات والمعاملات.
3- النفس الحيوانية وهي نوعان:
أ- نفس غضبية:
وبها دفع المضار عن الإنسان، وجلب المنافع، فهي التي بها الشجاعة والإقدام، والصبر وعلو النفس، والحلم وتحمل الشدائد في اكتساب الخيرات، والمبادرة إلى عمل القربات، إذا انقادت إلى النفس الملكية، وبها الهلع والجزع والطيش والتهور والتعدي والكبر والظلم والجور، إذا أهملت عن التهذيب والتزكية.
ب- النفس الشهوانية:
وبها تحصل العفة والحياء والزهد، والورع والأمانة والخشية، والرهبة والرغبة والرجاء والطمع في الفضائل، إذا تهذبت وانقادت للنفس الملكية. ويحصل بها الفجور والفسوق والفحشاء والجبن، والمذلة والتملق والخداع، والشره والكيد والمكر وسوء الظن، والتطرف في الشهوات إذا أهملت، فالنفس السبعية والشهوانية يتحدان على الشر، فتكون منهما قوة شيطانية تجذب الإنسان إلى المساخط والمقت، وينحط حتى يكون أضل من البهائم سبيلًا، وأضر من الشيطان عملًا، ويتحدان على الفضائل حتى يكونا قوة واحدة لمعاونة النفس الملكية، فيتشبهان بها في إطاعتهما أوامر الله سبحانه وتعالى والعمل بما كلف، فلا يعصيان الله ما أمرهما، ويفعلان ما يؤمران به؛ حتى تتحد تلك النفوس كلها فتصير نفسًا واحدة، كما قيل لرجل: صف لنا بني فلان، فقال: هم ألف وفيهم حكيم، فهم يصدرون عن رأيه فكأنهم ألف حكيم.
وهكذا تترقى النفس الغضبية والشهوانية إلى أن تكملا كمالًا حقيقيًّا، وتتحدا بالنفس الناطقة، فتنالان الفوز بالفردوس الأعلى في النعيم المقيم، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
4، 5- أما تدبير النفس النباتية والجمادية وتدبير الأجسام:
فمبين في علوم الزراعة، وعلوم التركيب والتحليل، وعلوم الطب الإنساني والبيطري، وقد اختص بكل علم من تلك العلوم رجال لا بد منهم لسعادة المجتمع الإنساني، ولا حاجة لنا بالخوض في هذه العلوم، وقد بين الله لنا علوم الطب في أقصر آية، قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾، وبين لنا رسول الله J علوم الطب في حديث واحد وهو قوله J: (المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء) فمن فهم هذا الحديث عاش زكي الجسم، محفوظًا من الأمراض، وقوله J: للطبيب الذي أرسله المقوقس عندما رده: (إنا لا نأكل إلا إذا جعنا، وإذا أكلنا لا نشبع).
وهذا هو كمال الضوابط الصحية إذا اتصل بذلك النظافة الإسلامية، والتهجد ليلًا، والتبكير بصلاة الصبح، حصل للمسلم الغنى عن الطبيب والدواء، خصوصًا إذا تباعد عما حرمه الشرع، وأدى الصيام كما أمر، وقلل أنواع المأكولات، كما أمر الشرع الشريف، وعمل بيده للكسب كما أوجب الشرع، وترك الترف، فإنه يعيش في عافية من الآلام، والله سبحانه وتعالى أعلم بما به حفظ صحتنا ونوال سعادتنا، فأمرنا ونهانا وبين لنا رسول الله J، والله أعلم.
الْمَرَاقِي لِلتَّلَاقِـــــــــــي
عِلْمُ أَنْفُسِكُمْ رِفَاقِـــــــي
وَالْمَعَارِجُ لِلتَّدَانِــــــــي
أَنْ تَسِيرَ عَلَىٰ وِفَاقِـــي
وَالْمَدَارِجُ لِلتَّنَائِــــــــي
أَنْ تَمِيلَ إِلَـــى الشِّقَاقِ
وَالتَّجَلِّي بِالْمَعَانِــــــي
مَحْوُ أَنْتَ بِنُـــورِ بَاقِ
وَارْتِشَافُكَ مِنْ طَهُورٍ
أَنْ تُضِيءَ بِلَا مِحَاقِ
شَمْسُ أُفْقٍ فِي سَمَائِي
مُشْرِقٌ أُفْقَ الأَمَــــاقِ
مِتَّ مُخْتَارًا فَـــلَاحَتْ
فِيكَ شَمْسٌ نُـــورُ بَاقِ
عَبْدُ ذَاتٍ قَدْ تَمَلَّـــــىٰ
بِالْمَعَانِي وَالــــــرِّقَاقِ
لَوْحُ مَحْفُــــوظٍ وَبَيْتٌ
عَامِرٌ بِالْوَصْفِ رَاقِ
حَيْثُمَا وَلَّيْتَ تَـــــرْأَىٰ
بِالْبَصِيرَةِ وَجْــهَ وَاقِ
تِلْكَ رُتَبُ السَّيْرِ ذُقْهَا
وَبَعْدَهَا رَشْفُ الدِّهَاقِ
بَعْدَهَا قُرْبٌ وَوَصْـلٌ
وَاتِّحَادٌ عَـــــنْ تَلَاقِ
بَدَلٌ أُمُّ كِتَــــــــــابٍ
وَصِرَاطٌ وَمَـــــرَاقِ
وَهُدًى نُورٌ مُبِيــــنٌ
وَسِـــــــرَاجٌ لِلرِّفَاقِ
نِعْمَةُ اللَّهِ تَعَالَــــــىٰ
وَطَهُـــورٌ بَلْ وَسَاقِ
صَلَوَاتُ اللَّهِ رَبِّـــي
لِحَبِيبِي خَيْـــرِ سَاقِ
السعادة الحقيقية:
ومن أسعد السعادة أن يتفق لك يا أخي معلم رشيد، عالم عارف بحقائق الأشياء والأمور، مؤمن بيوم الحساب، عالم بأحكام الدين، بصير بأمور الآخرة، خبير بأحوال المعاد، مرشد لك إليها، ومن أنحس المناحس أن يكون لك ضد ذلك.
واعلم بأن المعلم والأستاذ حياة لنفسك، وسبب لنشوتها وحياتها، كما أن والدك أب لجسدك، وكان سببًا لوجوده، وذلك أن والدك أعطاك صورة روحانية، والمعلم يغذي نفسك بالعلوم، ويربيها بالمعارف، يهديها طريق النعيم والسرور واللذة الأبدية والراحة السرمدية، كما أن أباك كان سببًا لكون جسدك في دار الدنيا ومربيك ومرشدك إلى طلب المعاش فيها، التي هي دار الفناء والتغيير والسيلان ساعة بساعة.
فسل يا أخي ربك أن يوفق لك معلمًا رشيدًا هاديًا سديدًا، واشكر الله على نعمائه.