أخبار عاجلة

من أسرار القرآن .. بقرة بني إسرائيل (2)

إن الرسل وإن كنا فقدنا هياكلهم الجسمانية؛ ولكننا ما فقدنا ما جاءوا به من عند الله D من الكتاب والحكمة، ونعتقد أن كل مَن فعل ما فعله بنو إسرائيل مِن التردد والشك والتشديد يوقعه فيما وقعوا فيه من اختلافهم على أنبيائهم؛ الموجب لغضب الله تعالى…

فضيلة الشيخ قنديل عبدالهادي

على كل من سمع كلام الله أمرًا ونهيًا أن يسارع في تنفيذه

الله تعالى يقول: )قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ( (البقرة: 68)، والمعنى: إنها بقرة وسط ليست فارضًا؛ أي: هرمة، ولا بكرًا: صغيرة لم يعلها فحل.

و)عَوَانٌ( أي أنها ولدت مرة فهي في قوتها وشبابها.

)بَيْنَ ذَلِكَ( أي أنها بين المرتين.

)فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ( (البقرة: 68)، أي: نفذوا أوامر الله من غير تردد أسئلة تدل على الريب والشك.

والواجب على كل من سمع كلام الله أمرًا ونهيًا، أن يسارع في تنفيذه بقدر اجتهاده؛ إن لم يعلم أسلوب التنفيذ بنقل عن الصحابة والتابعين.

الله سبحانه يعامل عباده على قدر تشديدهم على أنفسهم

وفي قول الله تعالى: )قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ( (البقرة: 69) بيان أن بني إسرائيل لم يكتفوا بأن حُرِمُوا التسليم لله ولكليمه A بإجابتهم بسوء الأدب؛ حتى بيَّن الله لهم بيانًا في البقرة لو أخذوا به لفازوا بعفو الله عنهم، ولكنهم رجعوا لعَنَتِهم وعَمَهِهم فقالوا مرة ثانية: )ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا( الخ الآية.

ولكنه سبحانه يعامل عبادة على قدر تشديدهم على أنفسهم، فبيَّن الله لهم لون البقرة بقوله: )إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ( اللون المعلوم بالصفرة )فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ( أي: شديد الصفرة أقرب إلى البياض في لونها؛ ومن شدة صفرته ولمعانه يسر الناظرين.

والسرور: انبساط القلب بما تراه العينان، كما يحصل سرور القلب بسماع ما يشرح الصدر.

وهنا يجب أن نتأدب بأدب الله تعالى الذي أدبنا به مع رسله الكرام D.

فإن الرسل وإن كنا فقدنا هياكلهم الجسمانية؛ ولكننا ما فقدنا ما جاءوا به من عند الله D من الكتاب والحكمة، ونعتقد أن كل مَن فعل ما فعله بنو إسرائيل مِن التردد والشك والتشديد يوقعه فيما وقعوا فيه من اختلافهم على أنبيائهم؛ الموجب لغضب الله تعالى.

إحسان الله تعالى رحمة بكل عبد عَظَّم كلامَه

وفي معنى قول الله تعالى: )قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ( (البقرة: 70)؛ فإن القوم يقولون للكليم A ما أخبر الله به: )قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ( بيانًا خاصًّا بعد هذا البيان العام.

)إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا( يعني أن البيانات السابقة لم تبين لهم بقرة خاصة تطمئن بها القلوب، مع أنهم لو ذبحوا بقرة من أول حكم لكشف الله لهم حقيقة القاتل.

ولكن الله I يحب التخفيف على عباده ما لم يشددوا على أنفسهم، وإنما يكون إحسانه رحمة بكل عبد عظَّم كلامَه فسارع إلى تنفيذ أمره ونهيه غير هياب ولا وجل؛ ولا شاك ولا مرتاب.

يقول الشيخ العقاد: وليست الشبهة عندهم في البقر، ولكنها في الحقيقة في قلوبهم، فلولا أن الشبهة في النفوس لما وقعت تلك المحاورة، حفظنا الله من الشبه والضلال إنه أهل التقوى والمغفرة.

البقرة كانت لرجل صالح وابنه بار بأمه

وفي قول الله سبحانه: )قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ( (البقرة: 71)؛ بين الله لهم أن البقرة ليست مذللة بتدريبها في الحراثة والسقيا، بل هي مهملة، فكانت أشبه بالبقر الوحشي، وذلك أنها كانت لامرأة أيِّم وولدٍ يتيم لا يقويان على استعمالها فيما ينفعهما.

ويفصِّل الشيخ العقاد القصة بقوله: وذلك أنه وجد ببني إسرائيل رجل صالح له بقرة وله ولد وارث وزوجة، فقال: يا رب إني استودعت هذه البقرة في حفظك وعنايتك وتركتها ميراثًا لولدي، ومات الرجل، وكان ابنه بارًّا بأمه، فقدر الله تعالى أن تكون تلك البقرة هي المطلوبة لبني إسرائيل، فشروها بثمن غال أضعاف أضعاف مثلها، كانت سببًا في غناء الولد وغمره بالنعمة…

)مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا( بينها سبحانه بأنها سالمة من العيوب، لون جلدها أصفر ليس فيه ألوان أخرى، )شِيَةَ( مأخوذ من الوشي.

وعند الإمام أبي العزائم: أن الله I بين لهم هذا البيان الخاص جزاء لقولهم: )وَإِنَّآ إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ( (البقرة: 70).

)قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ( (البقرة: 71) أي أنهم عندما بين لهم حقيقتها الخاصة بها تعارفها القوم، فقالوا هذه بقرة فلان، وطلبوها فأغلوا ثمنها جدًّا فحصل تردد في شرائها لقوله تعالى: )وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ( أي: قاربوا يفعلون، ولكن الرغبة في بيان القاتل جعلتهم يتساعدون في دفع ثمنها؛ حتى قيل: إنها بيعت بملء جلدها ذهبًا.

توجه العتاب لبني إسرائيل مرتين

يقول ابن عجيبة في قوله تعالى: )وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ( (البقرة: 72)؛ حق هذه الآية أن تتقدم قبل قوله: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ …( وإنما أخَّرها الحق تعالى ليتوجه العتاب إليهم مرتين:

– على ترك المسارعة لامتثال أمر نبيهم.

– وعلى قتل النفس.

ولو قدمها لكانت قصة واحدة بتوبيخ واحد.

الطمع مرض في نفوس بني إسرائيل

وفي تفسيره لهذه الآية يبين الإمام أبو العزائم أن الله سبحانه يذكِّر بني إسرائيل من معاصري رسول الله r حادثة تنتسق في عقد ما ارتكبوه من مخالفات، وما تفضل به سبحانه من الصبر عليهم والحلم لينفذ ما قدره عليهم Y.

وفي قوله تعالى )قَتَلْتُمْ( بلفظ الجمع – مع أن القاتل اثنان – دليل على مرض في نفوسهم هو الطمع فيما زُيِّن للناس من المال حتى يرتكب الرجل قتل عمه ليرث ماله، وهي خصلة أصحاب النفوس الخبيثة التي فقدت الرحمة منها.

وعن الألوسي: ولعلها هنا الإشارة إلى أن الكل بحيث لا يبعد صدور القتل منهم لمزيد حرصهم وكثرة طمعهم وعظم جرأتهم.

وقيل: إن القاتل جمع وهم ورثة المقتول، وقد روي أنهم اجتمعوا على قتله؛ ولهذا نسب القتل إلى الجمع.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (25)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …