جمع الرسول نحو ألف رجل من المهاجرين والأنصار وبعض الجياد والإبل وخرج نسوة من المدينة وراء الجيش بالطعام والماء، وقسم الرسول جيشه إلى ثلاثة أقسام، وجعل عبد الله بن أبي على قسم منها وتحت إمرته نحو ثلاثمائة رجل، وكان يقول لأصحابه: أطاعهم وعصاني..
الأستاذ صلاح البيلي
هذا كتاب ألفه الأديب عبد الرحمن الشرقاوي صاحب كتاب (علي إمام المتقين)، ومسرحية (الحسين ثائرًا) ثم مسرحية (الحسين شهيدًا)، وقد دمجهما معًا المخرج جلال الشرقاوي بنية إخراج مسرحية عن حياة واستشهاد سيدنا الحسين فأبى الأزهر ورفض تجسيد الإمام الحسين على الشاشة أو خشبة المسرح، وهذا هو موقف أهل السنة؛ لأن الشيعة يجسدون أئمة أهل البيت في صور وأعمال درامية دون حساسية، وللشرقاوي أيضًا أول قصة واقعية عن بؤس الفلاحين، وهي (الأرض) وقد حُولت إلى فيلم بنفس الاسم، وفي الكتاب الذي يعنينا الآن يسرد الشرقاوي قصة حياة النبي J سريعًا، فهو كتاب أقرب إلى التاريخ، وقد كتبه بمشاعر محايدة كأديب لدرجة أنه كلما ذكر اسم الرسول قال: (وقام محمد، ودخل محمد، وقال محمد)!.. بدون السيادة والصلاة والسلام عليه من باب التعظيم الذي نحن كمسلمين مأمورين به في القرآن الكريم الذي هو دستورنا بنص الآية: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( (الأحزاب: 56)، ومع ذلك سوف نتجاوز هذه الملاحظة وندخل في صميم الكتاب لنقف عند بعض الحوادث من سيرة الرسول J.
يتعرض المؤلف لموقف سيدنا محمد J من حرب (أحد) يوم اقتربت قريش بجيشها وفيه نحو ثلاثة آلاف محارب من المدينة، وشاور الرسول صحابته فقال لهم: (إن رأيتم أن تقيموا في المدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشَرِّ مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها)، فاندفع الشباب متحمسين للخروج من المدينة للحرب، في حين كان رأي الحكماء الكبار من رأي الرسول وهو البقاء في المدينة، ومما قاله عبد الله بن أُبي باسم الشيوخ: (يا رسول الله! أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا، ولا دخل علينا إلا أصبنا منه، فدعهم، فإن أقاموا أقاموا بشرِّ محبس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين)، ولكن رأي الأغلبية كان في الخروج فأذعن الرسول لهم، ودخل لبس عدة حربه، فلما خرج إليهم قال له بعضهم: (استكرهناك ولم يكن ذلك لنا فإن شئت فاقعد صلى الله عليك)، ولكن كان الأمر قد انتهى، فلم يكن للرسول وقد لبس عدة حربه أن يخلعها.
وجمع الرسول نحو ألف رجل من المهاجرين والأنصار وبعض الجياد والإبل وخرج نسوة من المدينة وراء الجيش بالطعام والماء، وقسم الرسول جيشه إلى ثلاثة أقسام، وجعل عبد الله بن أبي على قسم منها وتحت إمرته نحو ثلاثمائة رجل، وكان يقول لأصحابه: أطاعهم وعصاني، ثم صاح برجاله في منتصف الطريق: والله ما ندري علام نقتل ها هنا أيها الناس، ولوى زمام فرسه راجعًا إلى المدينة ومن ورائه ثلاثمائة رجل، وصاح فيهم آخرون: لا تخذلونا، فرد عبد الله بن أبي: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، وتقدم الرسول بما بقي معه من جيشه وكانوا نحو سبعمائة.
كان جيش قريش يتفوق في عدده وجياده، وكانت هند بنت عتبة بينهم تشق الصفوف في زينتها ومن حولها نساء الطبقة العليا في قريش وأجمل الجواري، متعطرات متأنقات يحمسن الرجال، ويعبثن ببعض عظام هيكل بشري… وكان أبو سفيان يقود قلب الجيش، والجناح الأيمن يقوده خالد بن الوليد، والأيسر يقوده عكرمة بن أبي جهل.
وعسكر الرسول بجيشه في أقصى الوادي من ناحية جبل أحد، وأمر الرماة وعددهم خمسون رجلًا أن يصعدوا إلى أعلى الجبل وليجعلوا همهم رمي الفرسان بالنبال ومنعهم من التقدم للاشتراك في المعركة، وكرر الرسول على قائد الرماة قوله: (ادفع الخيل عنا بالنبال واثبت مكانك؛ حتى لا يأتونا من خلفنا). وشدد الرسول ألا يبرح الرماة أماكنهم مهما يكن من أمر.
وأعطى الرسول سيفه لأبي دُجانة الأنصاري وطلب منه أن يستوفي لهذا السيف حقه، فأمسك الرجل به وأخرج عصابته الحمراء فعصب بها رأسه، فقال الناس: (أخرج أبو دجانة عصابة الموت)، وجعل الرسول الراية لمصعب بن عمير، واصطف المسلمون يتقدمهم حمزة، وأبو دجانة، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وأشار الرسول على الرماة فرموا واضطربت خيل عكرمة وهي تواجه سيل النبال، واصطدم فرسان قريش وابتعد خالد بقسمه عن النبال، وأمر الرسول جيشه بالتقدم، فاندفع حمزة يصيح: (أمت أمت)، والمسلمون يتقدمون، وهند بنت عتبة تصرخ في رجال قريش:
ويها بني عبد الدار
ويـها حـماة الأدبار
ضــربًا بكـل بـتـار
إن تـقـبـلـوا نـعانق
ونـفـرش الـنـمارق
أو تـدبـروا نـفارق
فـراق غـيـر وامق
وتلبس لباس الحرب وتخمش صدور الرجال بالطعن، ويسيطر عليها أبو دجانة فتركع مولولة باكية، فيقول لها: إني لأكرم سيف رسول الله أن أضرب به امرأة.
وفجأة نزل الرماة من فوق الجبل لجمع الغنائم النفيسة وأسر الرجال والنساء، وخالفوا أمر الرسول لهم، ورأى خالد بن الوليد ذلك فزحف بقسم جيشه من خلف الجبل وحاصر المسلمين، وسقط حمزة بحربة (وحشي) العبد الحبشي الأسود، وانطلقت إليه هند بنت عتبة فأخرجت كبده وقلبه وعصرت كبده ولعقت دمه وأكلت كبده متشفية فيه([i])، وتقدم أبو سفيان من جثة حمزة فركلها وضرب شدقه بسن حربته، وصاح: مات حمزة، واضطرب المسلمون، وتقدم رجل من مصعب بن عمير حامل الراية وكان شبيهًا برسول الله فقطع يديه وقتله وصاح أنه قتل محمدًا، وأعطى الرسول الراية لعلي بن أبي طالب، وكانت رأس الرسول قد شجت ودمه ينزف من جسده وخده مشقوق انغرست فيه حلقتان من الزرد، وشد أبو عبيدة بن الجراح الحلقتين فانخلعت بعض أسنانه معها، ورمى سعد بن أبي وقاص بالسهام والرسول يقول له: (ارم، ارم بأبي أنت وأمي).
====================
مجلة الإسلام وطن موقع مشيخة الطريقة العزمية