أخبار عاجلة

فقه مالك والمالكية (13)

المدرسة المصرية: وقد احتلت مركز القيادة بين المدارس المالكية بزعامة ابن القاسم أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة (191هـ)، واعتمدتها مدرسة إفريقية والأندلس اعتمادًا كليًّا، كما كانت سماعات ومرويات ابن عبد الحكم عن مالك، وهو أبو القاسم عبد الرحمن ابن عبد الله بن عبد الحكم مؤرخ من أهل العلم بالحديث….

د. محمد الإدريسي الحسني

بقية: رجاله وعصره وآثارهم

بقية: المدخل:

تطور المذهب المالكي ونشوء مدارسه واستقرارها:

مفردة مذهب، ميمية المصدر على وزن مفعل، تدل على الذهاب إلى مقصد، وفي الفقه تدل على الأحكام التي ذهب إليها إمام من الأئمة المعتبرين، والمراد بالمذهب المالكي، ما قاله الإمام مالك وأصحابه على طريقته ونسب إليه، لكونه يجري على قواعده وأصله الذي بنى عليه مذهبه، فمن المسلم به أن أصحاب مالك قيدوا ما أطلق وخصصوا ما عمم من الآثار، ومع ذلك ينسب اجتهادهم إلى مذهب مالك؛ لأن تلاميذه نسجوا على منوال منهجه في الاستنباط، والفتوى، ومع التزام جميع تلاميذ مالك بنسبتهم إليه؛ إلا أن الواقع خصص ملامح مدارس تميزت في الإطار الكلي للمذهب المالكي نوجزها قيما يلي:

1- مدرسة الحجاز: وهي المدرسة الأم، وتمثل الاتجاه الأثري في المذهب ويمثلها تلامذة مالك المدنيين. والمدنيون مصطلح يقصد به كبار تلامذة مالك في المدينة من أمثال: عثمان بن عيسى بن كنانة (185هـ)، وعبد الله بن نافع بن الصائغ (186هـ)، وابن الماجشون (212هـ)، ومحمد ابن سلمة (216هـ)، ومطرف بن عبد الله بن مطرف (220هـ) ونظرائهم، وتميّزت هذه المدرسة بالتزامها منهج الاعتماد على الحديث النبوي – بعد القرآن – مرجعًا للأحكام، دون نظر إلى كون عمل الصحابة والتابعين موافقًا له، أو غير موافق، وقد أيد هذا التيار من المصريين عبد الله بن وهب (197هـ) ومن الأندلسيين عبد الله بن حبيب (238هـ). وظلت المدرسة الحجازية قوية نشطة في أداء رسالتها، وبث إشعاعها على كل بلاد الإسلام، تشد إليها رحال طلبة العلم من إفريقيا، والأندلس، ومصر، والعراق، وغيرها من البلاد، إلى أن أصابها بعض الفتور بسيطرة الفاطميين على المدينة منتصف القرن الرابع الهجري، ثم استعادت مكانتها ونشاطها بظهور قاضي المدينة: برهان الدين بن إبراهيم بن علي بن محمد، ابن فرحون، اليعمري (799 هـ).

2- مدرسة العراق: كانت البصرة مسرحًا لبداية ظهور مذهب مالك في أرض السواد على يد بعض تلامذته كعبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري (198هـ) وعبد الله بن مسلمة بن قعنب (222هـ) وغيرهما، لكن المذهب لم يظهر بقوة إلا في الطبقة التالية أيام قضاء آل حماد بن زيد، وكان منهم الحافظ أبو إسحاق ابن إسماعيل بن محدث البصرة حماد بن زيد الأزدي البصري ثم البغدادي المالكي، (282هـ)، أحد الذين شُهد لهم بالاجتهاد بعد مالك، قال الباجي: (ولم تحصل هذه الدرجة بعد مالك إلا لإسماعيل القاضي) ترتيب المدارك (4/282). وهذه المدرسة تميل إلى التحليل المنطقي للمسائل الفقهية، والاستدلال الأصولي. ومن أبرز رجالات هذه المدرسة – والذين كان لهم تأثير واضح في تطورها-: القاضي إسماعيل (282هـ)، والشيخ أبو بكر الأبهري  (375هـ)، وعبد الله ابن الحسين ابن الجلاب (378هـ )، والقاضي أبو الحسن بن القصار  (398هـ)، والقاضي عبد الوهاب (422هـ)، وقد انقطعت هذه المدرسة بحدود 452هـ وهي سنة وفاة الإمام أبو الفضل بن عمروس ، آخر فقهاء المالكية ببغداد.

3- المدرسة المصرية: وقد احتلت مركز القيادة بين المدارس المالكية بزعامة ابن القاسم أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة (191هـ)، واعتمدتها مدرسة إفريقية والأندلس اعتمادًا كليًّا، كما كانت سماعات ومرويات ابن عبد الحكم عن مالك، وهو أبو القاسم عبد الرحمن ابن عبد الله بن عبد الحكم مؤرخ من أهل العلم بالحديث. مصري المولد والوفاة (ت 257هـ). وأشهب، وهو (مسكين) أبو عمرو أشهب بن عبد العزيز بن داوود بن إبراهيم القيسي الجعدي الفقيه المالكي المصري (ت 204هـ) ذات حظوة عند المدرسة العراقية شاركتها فيها مدونة ابن القاسم لسحنون. وتعتبر هذه المدرسة رائدة منهج اعتماد العمل إلى جانب الحديث، خلافًا للمنهج الحجازي، وهذا المنهج المصري هو الذي ساد المذهب المالكي وتبنته أكثرية مدارس المذهب.

4- المدرسة المغربية: كان المذهب السائد في المغرب وتونس، مذهب الإمام أبي حنيفة، إلى أن دخل علي بن زياد، وهو أبو الحسن علي بن زياد، الطرابلسي الليبي المولد، ثم التونسي، الفقيه المفتي، (ت 183 هـ) وابن أشرس وهو أبو مسعود عبدالرحيم بن أشرس، لم تحدد المصادر تاريخ وفاته، وبعدهما أسد بن الفرات، وهو أبو عبد الله أسد بن الفرات بن سنان قاضي القيروان (ت 213هـ)،  تلقى العلم بإفريقية عن علي بن زياد الطرابلسي، ثم ارتحل إلى المشرق في طلب العلم سنة 172 هـ، فسمع من الإمام مالك وابن القاسم ومن محمد الشيباني الحنفي بالعراق، وغيرهم فبدا المذهب في الانتشار إلى أن جاء سحنون وهو أبو سعيد عبد السلام سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي (ت 240هـ) فغلب المذهب في أيامه، وما المدونة إلا نتيجة تعاون المدرسة المصرية والقيروانية، فقد أملاها ابن القاسم بمبادرة أسد وتدقيق سحنون وتولت المدرسة القيروانية المغربية ضمان الحياة لها بنشرها وتدريسها، وأهم مميزات هذه المدرسة، الحرص على تصحيح الروايات وبيان وجوه الاحتمالات وضبط الحروف على حسب ما يقع في السماع وتتبع الآثار. ورغم تأخر ظهور هذا الفرع إلا أنه سيصبح فيما بعد الممثل للمذهب المالكي في شمال إفريقيا عامة والأندلس خاصة، وقد تعرض هذا الجناح لهزات كبيرة وعديدة، لكنه صمد أمامها، وهي في غالبها هزات سياسية. ومن العلماء المغاربة في اصطلاح المتأخرين محمد بن محمد بن وشاح ابن اللباد (333هـ) وابن أبي زيد القيرواني، وهو عبد الله أبو محمد بن عبد الرحمن (ت386 هـ)، وأبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري ابن القابسي (403هـ)، وأبو القاسم عبد الرحمن بن محرز (450هـ) وابن عبد البر، وهو أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري المعروف بابن عبد البر (ت463هـ) والباجي وهو أبو الوليد سليمان بن خلف ابن سعد بن أيوب التجيبي (ت474 هـ)، واللخمي وهو علي بن محمد الربعي القيرواني أبو الحسن اللخمي (ت 478هـ)، وأبو الوليد بن رشد الجد  (520هـ) والقاضي سند بن عنان بن إبراهيم أبو علي (541هـ) وأبو بكر بن العربي (543هـ).

5-  مدرسة الأندلس: مؤسسها زياد بن عبد الرحمن الملقب بشبطون  (193هـ) وهو أول من أدخل الموطأ إلى الأندلس، وكان لتلميذه أبو محمد يحيى بن يحيى بن كثير الليثي (234هـ) مستشار الأمير عبد الرحمن بن الحكم الفضل في تثبيت المذهب بالأندلس. ولا فرق بين هذه المدرسة والمدرسة المغربية بل هي امتداد لها، خاصة أن عددًا من علماء الأندلس هاجروا إلى المغرب.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (36)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …