الحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير، وهو ظاهرة اجتماعية خطيرة؛ إن لم يعالجها المربون في أطفالهم ستؤدي حتمًا إلى أسوأ النتائج، وأخطر الآثار….
الدكتور جمال أمين
بقية مسؤولية التربية النفسية
ظاهرة الحسد
الحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير، وهو ظاهرة اجتماعية خطيرة؛ إن لم يعالجها المربون في أطفالهم ستؤدي حتمًا إلى أسوأ النتائج، وأخطر الآثار.
وقد لا تكون ظاهرة الحسد واضحة لأول وهلة بالنسبة للأهل، فيظنون أن أولادهم لا يتوقع منهم الحسد، ولا يشعرون به، ولا يقعون فيه؛ لذا وجب على كل من يقوم بمسئولية التربية أن يعالج الحسد بالحكمة والتربية القويمة حيث لا يؤدي إلى مشاكل صعبة، ونتائج وخيمة، ومضاعفات نفسية أليمة.
وقبل أن أتعرض للوقاية والعلاج في استئصال هذه الظاهرة يحسن أن أتعرض للأسباب التي تؤجج نار الغيرة والحسد في نفوس الأطفال.
وأرى أن هذه الأسباب تتركز في الأمور التالية:
* خوف الطفل أن يفقد بين أهله بعض امتيازاته كالمحبة والعطف، وكونه شخصًا مرادًا، ولا سيما عند مقدم مولود جديد يتصور أنه سيزاحمه في هذه المحبة والعطف.
* المقارنة السيئة بين الأولاد كوصف أحدهم بالذكاء، والآخر بالغباوة.
* الاهتمام بأحد الأولاد دون الآخرين، كولد يحمل ويداعب ويعطي، وآخر يزجر ويهمل ويحرم.
* الإغضاء والتسامح عن ولد محبوب يؤذي ويسيء، والترصد بالعقاب لولد آخر تصدر منه أدني إساءة.
* وجود الولد في بيئة غنية مترفة وهو في فقر شديد، وحالة من العيش سيئة.
إلى غير ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى أسوأ الآثار في شخصية الطفل وبما يصاب بآفة من مركب النقص، أو الأنانية القاتلة، أو الحقد الاجتماعي …. عدا عن إصابته بمضاعفات نفسية كالقلق والتمرد، وعدم الثقة بالنفس.
والإسلام قد عالج ظاهرة الحسد بمبادئ تربوية حكيمة لو آخذ المربون بأسبابها اليوم لنشأ الأولاد على التوادد والإيثار، والمحبة، والصفاء، ولأضمروا كل تعاون، وخير، وتعاطف بالنسبة للآخرين.
وأرى أن هذه المبادئ التربوية لعلاج ظاهرة الحسد تتجسد في الأمور التالية:
إشعار الطفل بالمحبة:
وهذا ما كان J يفعله، ويأمر أصحابه به، ويحضهم عليه ويراقب تنفيذه هنا وهناك.
وإليكم بعض الأمثلة:
– روى الترمذي وغيره عن عبد الله بن بريدة عن أبيه 0 أنه قال: رأيت النبي J يخطب فجاء الحسن والحسين 5، وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل النبي J فحملهما، ووضعهما بين يديه، ثم قال: (صدق الله U: )أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ( (الأنفال: 28)، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما).
– وكان عليه الصلاة والسلام يداعب الحسن والحسين 5، فيمشي على يديه وركبتيه، ويتعلقان به من الجانبين، فيمشي بهما، ويقول: (نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما).
وروى البخاري في الأدب المفرد عن عائشة 1 قالت: جاء أعرابي إلى النبي J فقال: أتقبِّلون صبيانكم فما نقبِّلهم، فقال النبي J: (أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة).
– وروى البخاري في أدبه كذلك عن أنس بن مالك 0 قال: جاءت امرأة إلى عائشة 1، فأعطتها ثلاث تمرات، فأعطت كل صبي لها تمرة، وأمسكت لنفسها تمرة، فأكل الصبيان التمرتين، ونظرا إلى أمهما، فعمدت الأم إلى التمرة فشقتها فأعطت كل صبي نصف تمرة، فجاء النبي J فأخبرته عائشة، فقال: وما يعجبك من ذلك؟ لقد رحمها الله برحمتها صبيّيْها!!
وينبغي ألا يعزب عن البال أن الأخذ بالاحتياطات اللازمة للحيلولة دون اشتداد الحسد عند مقدم طفل جديد من أهم ما ينبغي أن يعتني به المربون ولا سيما الأم.
هذه الاحتياطات يجب أن تبدأ قبل عدة أشهر من الولادة كتغيير سرير الطفل الأكبر، أو إرساله إلى الروضة، ولا بأس بالسماح للأخ الكبير بالمساعدة في شؤون الطفل الجديد عند إلباسه، أو تغسيله، أو إطعامه؛ ولا بأس كذلك بالسماح له بأن يلاعب أو يداعب أخاه الصغير ولكن مع شيء من المراقبة مخافة إيذائه؛ وعندما تحمل الأم الوليد لإرضاعه، فيستحسن من الأب أن يداعب أخاه الأكبر، أو يحادثه ويلاطفه ليشعره بالمحبة والعطف والاهتمام.
والمقصود على العموم إشعار الأخ الأكبر بأنه محبوب، وأنه المراد، وأنه محل العطف والعناية كأخيه الوليد سواء بسواء.
وهذا ما كان يوجه إليه المربي الأعظم صلوات الله وسلامه عليه في الأحاديث التي مر ذكرها، وسبق تعدادها.
ألا فلينهج المربون طريقة رسول الله J في إشعار الطفل بالمحبة إن أرادوا تكوين شخصيات أطفالهم على الحب والتعاون والإيثار، وتحريرهم من الحقد والأثرة والأنانية.