أخبار عاجلة

رسالة في الحقوق والآداب (3)

من العلاج الناجع في معالجة الغضب لدى الطفل تعويده على المنهج النبوي في تسكين الغضب….

الدكتور جمال أمين

بقية: حق الكبير

(ج) الترهيب من استخفاف الصغير بالكبير:

إذا كان يهزأ منه، ويسخر عليه، ويوجه كلامًا سيئًا إليه، ويسيء الأدب في حضرته، وينهر في وجهه، لما روى الطبراني في الكبير عن أبي أمامة عن رسول الله صJ أنه قال: (ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم، وإمام مقسط).

ويتفرغ عن هذه المعاني في توقير الكبير فضائل اجتماعية شرعية ترتبط بالاحترام، فعلى المربين أن يخلقوا أولادهم عليها، ويأمروهم بها:

1- الحياء:

وهو خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق الكبير، ويدفع إلى إعطاء ذي الحق حقه.

لهذا (كان الحياء خيرًا كله) كما روى الشيخان عن عمران بن حصين.

ومما يدل على فضيلة الحياء ما رواه الطبراني عن عائشة 1 قالت: قال رسول الله J (يا عائشة! لو كان الحياء رجلًا لكان رجلًا صالحًا، ولو كان الفحش رجلًا لكان رجل سوء).

وروى ابن ماجه والترمذي عن أنس 0 قال: قال رسول الله J: (ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه).

وروى مالك وابن ماجه عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه قال رسول الله J: (إن لكل دين خلقًا؛ وخلق الإسلام الحياء).

وروى البخاري ومسلم عنه عليه الصلاة والسلام: (…. والحياء شعبة من الإيمان).

فلا عجب بعد هذا التوجيه النبوي في فضيلة الحياء أن يتخلق أبناء الصحابة بهذا الخلق الرفيع، وأن تظهر بوادره أمام من يكبرهم سنًّا، ويعلوهم منزلة.

روى الشيخان عن أبي سعيد 0 قال: لقد كنت على عهد رسول الله J غلامًا فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالًا هم أسن مني).

2- القيام للقادم:

القيام للقادم: كالضيف أو المسافر أو العالم أو الكبير، أدب اجتماعي نبيل يجب أن يؤمر الولد به، ويتخلق عليه للأدلة التالية:

‌أ- روى البخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة 1 قالت: ما رأيت أحدًا أشبه سمتًا ودلًّا وهديًا برسول الله J – في قيامها وقعودها – من فاطمة بنت رسول الله J، قالت: وكانت إذا دخلت على النبي J قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي J إذا دخل عليها قامت من مجلسها وقبلته وأجلسته في مجلسها).

‌ب- وروى النسائي وأبو داود عن أبي هريرة 0: كان النبي J يحدثنا فإذا قام قمنا قيامًا؛ حتى نراه دخل إلى بعض أزواجه.

‌ج- وروى أبو داود عن عمر بن السائب أنه بلغه أن رسول الله J كان جالسًا فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من الجانب الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله J فأجلسه بين يديه.

‌د- وروى الشيخان أن سعد بن معاذ لما دنا إلى المسجد قال النبي J للأنصار: (قوموا إلى سيدكم أو خيركم).

‌ھ- ومن الأحاديث الصحيحة الثابتة الدالة على جواز القيام ما جاء في حديث كعب بن مالك المتفق عليه، وهو يقص خبر تخلفه عن غزوة تبوك قال: فانطلقت أتأمم رسول الله J، فتلقاني الناس فوجًا فوجًا يهنئوني بالتوبة، ويقولون: لتَهنِك توبة الله عليك؛ حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله J حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عُبيد الله 0 يهرول؛ حتى صافحني وهنأني.

وقد استدل أهل العلم والاجتهاد من مجموع هذه الأحاديث وغيرها على جواز القيام لأهل العلم والفضل في الموسم والمناسبات.

وأما ما ثبت أنه J نهى عن القيام فمحمول على من قصد القيام لذاته، واستشرفه وتطلع إليه، ومحمول كذلك على تقليد صفة خاصة من القائم، فيها معنى الكبر والتعظيم كان ينتهجها الأعاجم في تعظيم بعضهم بعضًا كأن يقعد المعظم مكرمًا مبجلًا والناس حول واقفون.

3- تقبيل يد الكبير:

ومن الآداب الاجتماعية التي ينبغي أن يعتادها الولد، ويحرص المربي على تلقينها والتخلق بها أدب تقبيل يد الكبير، لما لهذا الأدب الاجتماعي من أثر كبير في تعليم الولد التواضع والاحترام وخفض الجناح وإنزال الناس منازلهم.

ومما يدل على هذا حديث الرسول J، وعمل الصحابة، واجتهاد الأئمة:

‌أ- أخرج أحمد والبخاري في (الأدب الصغير)، وأبو داود، وابن الأعرابي عن زارع وكان في وفد (عبد القيس) قال: لما قدمنا المدينة جعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبِّل يد النبي J ورجله.

‌ب- وروى البخاري في الأدب المفرد عن الوازع بن عامر قال: قدمنا، فقيل ذلك رسول الله، فأخذنا بيده ورجله نقبلها.

‌ج- وأخرج ابن عساكر عن أبي عمار: أن زيد بن ثابت قُربت له دابة ليركبها فأخذ ابن عباس بركابها، فقال زيد: تنح يا ابن عم رسول الله J فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بكبرائنا وعلمائنا، فقال زيد: أرني يدك! أخرج يده فقبلها فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا!!

‌د- وروى البخاري في الأدب المفرد عن صهيب قال: رأيت عليًّا يقبّل يد العباس ورجليه.

‌ھ- وأخرج الحافظ أبو بكر المقريّ عن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لابن أبي أوفي: ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله J، فناولنيها فقبلتها.

هذا غيض من فيض مما ثبت في تقبيل يد أهل العلم والفضل، فما على المربين إلا أن يعودوا أطفالهم على هذا الخلق الكريم، والأدب الرفيع؛ حتى ينشؤوا على التواضع الجمّ، والأخلاق العالية الندية، في احترامهم الكبار، وتوقيرهم العلماء، وتعاملهم مع الآخرين.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (25)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …