وعذاب القبر حق وحكمة وعدل على الجسم والروح والنفس، يشتركون في ذلك حسب اشتراكهم في المعصية، وإن كان نعيمًا كان ذلك على الجسم والروح والنفس، يشتركون في النعيم كما اشتركوا في الطاعة، وهذا من أحكام الآخرة يكون بمجاري القدرة ليس على ترتيب المعقول، ولا عرف العقول، يوصل الله العذاب والنعيم إلى الأرواح والأجسام وهي متفرقة، فيتصل ذلك بهما كأنهما متفقان، وليس في القدرة مسافة ولا ترتيب ولا بعد ولا توقيت…
الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم
بقية الركيزة الأولى: العقيدة
طريقة السلف في العقيدة
بقية خصال عقيدة السلف:
5- أن يعتقد أن الإمامة في قريش خاصة دون سائر العرب كافة إلى يوم القيامة، وأن لا يخرج على الأئمة بالسيف، ويصبر على جورهم إن كان منهم، ويشكر على المعروف والعدل، ويطيع إذا أمر بالتقوى والبر؛ حتى تأتيه يد خاطئة أو منية قاضية، كذلك السنة.
قال أبو محمد سهل رحمه الله تعالى: هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة، اثنتان وسبعون هالكة، كلهم يبغضون السلطان، والناجية هذه الواحدة التي مع السلطان، وسئل: أي الناس خير؟ فقال: السلطان. قيل: كنا نرى أن شر الناس السلطان. فقال: مهلًا، إن لله تعالى في كل يوم نظرتين: نظرة إلى سلامة أموال المسلمين ودمائهم، ونظرة إلى سلامة أفكارهم، فيطالع في صحيفته فيغفر له ذنوبه. وقال أبو محمد: الخليفة إذا كان غير صالح فهو من الأبدال، وإذا كان صالحًا فهو القطب الذي تدور عليه الدنيا، قوله: من الأبدال، يعني أبدال الملك، كما حدثنا عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: أبدال الدنيا سبعة على مقاديرهم يكون الناس في كل زمان من العباد والعلماء والتجار والخليفة والوزير وأمير الجيش وصاحب الشرطة والقاضي وشهوده.
روينا في الخبر: عدل ساعة من إمام عادل، خير من عبادة ستين سنة. ويقال: إن الإمام العادل يوضع في ميزانه جميع أعمال رعيته. وكان عمرو بن العاص يقول: إمام غشوم خير من فتنة تدوم.
وقال النبي J: » يكون عليكم أمراء يفسدون، وما يصلح الله تعالى بهم أكثر، فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر « وفي الخبر الآخر: » يليكم أمراء يقولون ما لا يعرفون، ويفعلون ما ينكرون، وفي لفظ: يفعلون ما لم يؤمروا، قلنا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا « وفي الحديث الآخر: » ما أقاموا الصلاة « وكان سهل رحمه الله تعالى يقول: من أنكر إمامة السلطان فهو زنديق، ومن دعاه السلطان فلم يجب فهو مبتدع، ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل، وكان يقول: الخشيبات السود المعلقة على أبوابهم أنفع للمسلمين من سبعين قاضيًا يقضون في المسجد، وقد كان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول: إذا كان السلطان صالحًا فهو خير من صالحي الأمة، وإذا كان فاسقًا فصالحوا الأمة خير منه، وهذا قول عدل.
6- ولا يكفر أحدًا من أهل القبلة – وإن عظم ذنبه – ولا ينزله جنة ولا نارًا بل يرجو له ويخاف عليه، وإن من مات مصرًّا على الكبائر عن غير توبة منها، في مشيئة الله تعالى إن أثبت وعيده عليه كان عدلًا، وإن عفا وسمح له بحقه كان ذلك منه فضلًا.
7- ولا نحكم ولا نقطع على الله تعالى بشيء، ولا نوجب لنا عليه شيئًا، إنما نحن بين عدله وفضله، وبمشيئته واختياره، إن حقق علينا وعيده فنحن أهل ذلك، وإن غفر لنا فهو أهل التقوى وأهل المغفرة، كيف وقد روينا عن رسول الله J أنه قال: »من وعده الله تعالى على عمل ثوابًا؛ فهو منجزه له، ومن أوعده على عمل عقابًا؛ فهو فيه بالخيار« والحديث الآخر أن النبي J سئل عن قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ (النساء: 93) ، فقال: » جزاؤه جهنم إن جازاه « ففي كل قضاء الله تعالى حكمة بالغة وعدل وحكم صادق وحق.
6- وأن يصدق بجميع أقدار الله تعالى، وأن خيرها وشرها من الله تعالى، وأنها سابقة في علمه جارية في خلقه بحكمه، وأنهم لا حول لهم عن معصيته إلا بعصمته، ولا قوة لهم على طاعته إلا برحمته، وأنهم لا يطيقون ما حملهم إلا به، ولا يستطيعون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا إلا بمشيئته.
ونؤمن بقدر الله وآياته في ملكه وغيب ملكوته مما ذكر في الأخبار من كراماته لأوليائه، وإجاباته لأحبائه، وإظهار القدرة للصديقين والصالحين، مزيدًا لإيمانهم، وتثبيتًا ليقينهم، وتكرمة وتشريفًا لهم، وأنه ليس في ذلك إبطال لنبوة الأنبياء، ولا إدحاض حججهم، من قبل أن هناك غير مثبتين ولا مخالفين للأنبياء، ولا ادعوا ما ظهر بحولهم وقوتهم، ولا أظهروا دعوة إلى أنفسهم، ولا تظاهروا به، ولا اجتلابًا للدنيا، ولا طلبًا للرياسة على أهلها، وإنما هو شيء كشفه الله تعالى لهم من سر ملكوته كيف شاء، وأظهرهم عليه من غيب قدرته أين شاء كما شاء، تخصيصًا لهم وتعريفًا. وهم للأنبياء متبعون، وعلى آثارهم مقتفون، ولسنتهم مقتدون، فأتاهم الله تعالى ذلك ببركة الأنبياء، وبحسن اتباعهم لهم، ولأنهم إخوانهم أبدالًا لا أشكالًا لهم، وعنهم أمثالًا قد تواترت الأخبار عن الصحابة والتابعين الأخيار بما ذكرناه، فغنينا بالتواتر عن التناظر.
ثانيًا: الخصال التي هي في الآخرة:
1- أن يعتقد العبد مسألة منكر ونكير، يقعدان العبد في قبره سويًّا ذا روح وجسد فيسألانه عن التوحيد وعن الرسالة، وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، وهما فتانا القبر. كذلك روينا عن رسول الله J وهو معنى قول الله عز وجل: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾، قيل: عند مسألة منكر ونكير: ﴿ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ (إبراهيم: 27).
2- وعذاب القبر حق وحكمة وعدل على الجسم والروح والنفس، يشتركون في ذلك حسب اشتراكهم في المعصية، وإن كان نعيمًا كان ذلك على الجسم والروح والنفس، يشتركون في النعيم كما اشتركوا في الطاعة، وهذا من أحكام الآخرة يكون بمجاري القدرة ليس على ترتيب المعقول، ولا عرف العقول، يوصل الله العذاب والنعيم إلى الأرواح والأجسام وهي متفرقة، فيتصل ذلك بهما كأنهما متفقان، وليس في القدرة مسافة ولا ترتيب ولا بعد ولا توقيت.
3- ويؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان أنه حق وعدل وحكمة وفضل، كما جاء وصفه في العظم من أن طبقات السموات والأرض توزن فيه والأعمال بقدرة الله تعالى، والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل بحقيقة العدل، ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ (طه: 111)، فتكون الحسنات في صورة حسنة تطرح في كفة النور فتثقل بها الميزان برحمة الله تعالى، وتكون السيئات في صورة سيئة تطرح في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى.
4- ويعتقد أن الصراط حق على ما جاء وصفه في الآثار كدقة الشعرة وحد السيف، وهو طريق الفريقين إلى الجنة أو النار، يثبت عليه أقدام المؤمنين بقدرة الله عز وجل فيحملهم إلى الجنة بفضل الله تعالى، وتزل عنه أقدام المنافقين فتهوى بهم في النار بحكم الله U، وهو على متن جهنم بإذن الله تعالى، من قطعه نجا منها برحمة الله، ومن زل عنه وقع فيها بحكمة الله تعالى.
5- ويؤمن بوقوع الحساب وتفاوت الخلق فيه، فمنهم من يحاسب حسابًا يسيرًا، ومنهم من يدخل النار بغير حساب، وهم الكافرون، وكان إمامنا محمد سهل رحمه الله تعالى يقول: يسأل الأنبياء عن تبليغ الرسالة، ويسأل الكفار عن تكذيب المرسلين، ويسأل المبتدعة عن السنة، ويسأل المسلمون عن الأعمال، فقولنا لقوله تبع .
6- ويؤمن بالنظر إلى الله عز وجل جلاله عيانًا بالأبصار كفاحًا مواجهة تكشف الحجب والأستار، بقدرة الله ومشيئته ونوره ورحمته كيف شاء، وهو معنى قول الله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ (يونس: 26)، فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى الله تبارك وتعالى، وكذلك فسره رسول الله J.
7- ويعتقد إخراج الموحدين من النار بعد الانتقام؛ حتى لا يبقى في جهنم موحد بفضل الله .
8- ويعتقد بشفاعة الشافعين من النبيين والصديقين، وأن لكل مؤمن شفاعة بإذن الله، فيشفع النبيون والصديقون والعلماء والشهداء وسائر المؤمنين كل واحد وسع جاهه وقدر منزلته، أجمعت الرواة بذلك عن رسول الله J في إثبات الشفاعة، وفي إخراج الموحدين من النار، وهم الجهنميون من أهل الطبقة العليا من النار، وهو معنى قول الله تعالى: ﴿ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾ (الحجر: 2). قال أهل التفسير: ذلك عند إخراج الموحدين من النار، ويبقى الباقي لرحمة أرحم الراحمين فيخرج من النار بمشيئته وسعة رحمته وفضل فضله، من لم يشفع لهم الشافعون، ولم يقدم في الشفاعة لهم المرسلون، هكذا روينا معناه عن رسول الله J.
فهذه عقود السنة الهادية، وطريقة الأمة الراضية، وقد أجمع السلف من المؤمنين على ما ذكرناه من قبل أنه لم ينقل عن أحد منهم خلافه، ولا روي عن رسول الله J ضده، بل قد روي في كل ما ذكرناه أخبار توجب إيجابه، ومعان تشهد لإثباته، وتولى الله تعالى إجماعهم على سنة رسول الله J، كما تولى إظهار دينه على الدين كله.
لا تجتمع أمتي على ضلالة:
وروينا عن النبي J: » إن الله عز وجل ضمن لي – وفي لفظ آخر: أعطاني – أن لا تجتمع أمتي على ضلالة، فإذا رأيتم خلافًا فكونوا مع السواد الأعظم « والسواد الأعظم يعبر به عن الكثرة، فالمختلفون متفقون على أن السواد الأعظم ما عليه العامة من المسلمين والكافة من العموم، وأن المبتدعة والمخالفة لما ذكرناه إنما هم فرق وشراذم قليلون، وشيع وأحزاب متفرقون؛ لأن كل مبتدعة منهم فرقة، وكل شرذمة منهم مختلفة، وليس السواد الأعظم والجم الغفير الدهماء إلا أهل السنة والجماعة وهم السواد والعامة، ولذلك كان عمر بن عبد العزيز وغيره من الصالحين يقولون: ديننا دين العجائز وصبيان المكاتب ودين الأعراب. أي: هو القوي السليم العام. وفسر ذلك رسول الله J في الحديث الآخر فقال: »من كان على ما أنتم عليه اليوم«.
فأجمعت الأمة على أن ما أحدثت الفرق المختلفة لم تكن عليه الصحابة، ولا تكلموا فيه ولا نقل عنهم، وأنهم كانوا على ما ذكرناه آنفًا؛ لأنه لم يرو عن أحد منهم خلافه، بل قد نقل عنهم وفاقه في القرن الأول والثاني، ثم حدث ما ذكرناه من الخلاف في بعض القرن الثالث وفي القرن الرابع، وقد كان عمرو بن دينار وأيوب وحماد بن زيد إذا ذكر أحدهم الإرجاء ومذهب جهم يقول: لعن الله دينًا أنا أكبر منه، يعني أنه سبق حدوث هذه المذاهب التي تدين بها المبتدعون، فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين على حسن توفيقه وجميل هدايته، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
الجماعة خير من التفرقة:
فنعمة الله تعالى علينا بالسنة كنعمته علينا بالإسلام، إذ نعمته علينا برسول الله J كنعمته علينا بمعرفته لاقتران طاعته بطاعته، ولحاجة الكتاب العزيز إلى تفسير سنته، وقد روينا في حديث عمر عن رسول الله J: » الشيطان مع الواحد وهو مع اثنين أبعد، ذئب أحدكم كذئب الشاة يتبع الشاذة والقاصية، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، ومن شذ ففي النار « .
وروينا عن أبي غالب عن أبي إمامة: أنه نظر إلى رؤوس الحرورية جيء بها من البصرة، فنصبت على الخشب بدمشق، قال: شر قتلى تحت ظل السماء وخير قتلى من قتلوه، ثم قال: كلاب النار، ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾ (آل عمران: 7). ثم قرأ: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ (آل عمران: 106)، ويشير بإصبعه إليهم ثم بكى، فقلت: يا أبا إمامة تقول فيهم ما تقول ثم تبكي؟ فقال: قاتل الله إبليس، ما صنع بهؤلاء الناس يا أبا غالب، إنهم كانوا على ديننا فأبكي مما هم لاقون، هؤلاء بأرضك كثير، فأعيذك بالله منهم – ثلاث مرات – فقلت: آمين، يا أبا إمامة أشيء سمعته من رسول الله J، أو شيء تقوله من قبل رأيك؟ قال: إني إذًا لجريء – ثلاث مرات – لقد سمعت رسول الله Jغير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع، يقول: » تفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، تزيد أمتي عليها فرقة، كلها في النار إلا السواد الأعظم « فقال رجل كان معنا: يا أبا إمامة إن في السواد الأعظم بني فلان، قال: وإن فعلوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم، والجماعة خير من التفرقة، والطاعة خير من المعصية.
ثم نظر إلى الرؤوس فقال: أيغضبون لنا ويقتلوننا؟ هذه رؤوس الخوارج وهم الحرورية الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب A بالنهروان، وهم أول قرن نبع من المبتدعة، وأول بدعة ابتدعت في الإسلام، وكانوا قراء، المصاحف في أعناقهم والسجادات كركب المعزي في جباههم، فأنكروا عليه تحكيم الحكمين، وسألوه أن ينقض حكمه فيرجع عنه، وقالوا: لا حكم إلا الله، وأنكروا أمر السلطان، ورأوا الخروج على الإمام، وكفَّروا عثمان، وصوبوا قتل غوغاء المصريين له، وطالبوا عليًّا A أن يوافقهم على رأيهم، ويتابعهم على أهوائهم، على أن يقاتلوا معه المسلمين إن رجع عن تحكيم الحكمين، وكفروا أهل الكبائر بالمعاصي .
فرأى عليٌّ ما أراه الله تعالى، وبما عهد إليه رسول الله J من قتل المارقين، فقتلهم فهؤلاء في النار، وقاتلهم علي وأصحابه خير أهل الأرض في الجنة، وكان رئيسهم في الضلال وقاتلهم في القتال عبد الله بن الكوا الأعور، قد كان علي يبغضه ويسبه قبل أن يظهر منه ما ظهر، فخرج عليه عبد الله بن الكوا في ستة آلاف، فأرسل علي A عبد الله بن عباس إليهم يناظرهم ويحاجهم، فسبوه وبطشوا به، وجرأهم عليه ابن الكوا هذا فقام خطيبًا فيهم فقال: أتعرفوني بهذا، أنا أعرفكموه، هذا من القوم الذين قال الله فيهم: ﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ (الزخرف: 58). ثم تراجع بعضهم إلى ابن عباس فسأله فكشف له عن الحق، واستتاب منهم ألفين، وقاتل علي كرم الله وجهه أربعة آلاف مرقت من الدين، واتبعت غير سبيل المؤمنين.
ثم افترقت الفرقة الثانية بالمدائن فرأوا دين الإرجاء، وأن الإيمان قول وعمل، وأنه لا يزيد ولا ينقص، وكتب بذلك إلى أمير الشام، فهمَّ بقتالهم، ثم شغل عنهم بقتال الروم.
ثم افترقت الفرقة الثالثة بالبصرة، وهم القدرية إمامهم معبد الجهني وتابعه عمرو ابن عبيد، وواصل بن عطاء الغزال وأصحابهم.
ثم خرجت الفرقة الرابعة من الكوفة وهم الرافضة، سموا بذلك لما رفضوا علي ابن الحسين حين خرج يقاتل هشامًا فقالوا له: أتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما؟ قال: هما جداي إماما عدل لا أتبرأ منهما، فرفضوه، ثم افترقت كل فرقة ثماني عشرة فرقة، فتمت اثنتان وسبعون فرقة وكلها نبع بأرض العراق، ومنه من نجد طلع قرن الشيطان وظهرت الفتن، نعوذ بالله منها ما ظهر منها وما بطن.
وقد روينا عن ابن عباس عن النبي J: » إن لله عز وجل ثلاثة أملاك، ملك على ظهر بيت الله تعالى، وملك على مسجد رسول الله J، وملك على ظهر بيت المقدس، ينادون في كل يوم، يقول الملك الذي على ظهر بيت الله تعالى: من ضيع فرائض الله خرج من أمان الله، ويقول الملك الذي على ظهر مسجد رسول الله J: من خالف سنة رسول الله J لم تنله شفاعة رسول الله J، ويقول الملك الذي على ظهر بيت المقدس: من أكل حرامًا لم يقبل منه صرف ولا عدل «.