أخبار عاجلة

السراج الوهاج في الرد على منكري المعراج

سماحة مولانا الإمام المجدد حُجَّةَ الإسلام والمسلمين فى هذا الزمان السيد محمد ماضى أبو العزائم – قدَّس الله سرَّكم، ونفعنا الله بكم، وجعلكم وليًّا مرشدًا لطلاب العلم النافع – بعض الناس ينكرون المعراج، وبعضهم يقولون: إنه كان بالروح فقط، منامًا لا يقظة، فنرجو من سماحتكم التكرم بالرد على هؤلاء، مع بيان الآيات والأحاديث المبينة للمعراج؛ حتى نتمكن من الرد عليهم وإبطال زعمهم....

فأجاب سماحته قائلاً:

لا اعتداد بكلام منكر المعراج:

يا بنى: اتفق المسلمون على الإسراء إلى بيت المقدس، لورود الحجة فى القرآن الشريف، وقد وردت حجة المعراج فى القرآن أيضًا، وفى صحيح السنة، فمن خالف ما وضَّحه الكتاب والسنة فهو ممن لا يُعْتَدُّ بكلامه..

الآيات والأحاديث المبيِّنة للمعراج

أولاً: دليل المعراج من الكتاب:

قال الله تعالى: )وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى* وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى* ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى* فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى* مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى* أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى* وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى( (النجم: 1- 18).

ثانيًا: دليل المعراج من السنة:

أمَّا عن الأحاديث الواردة فقد جاءت من طرق كثيرة، وقد رأينا أن نبدأ منها بأكملها وأجمعها وهو حديث قتادة، فقد روى عنه عن أنس بن مالك 0 عن أبى صعصعة 0 أن النبى o حدثهم عن ليلة أسرى به قال: (بينما أنا فى الحطيم وربما قال فى الحِجْرِ مضطجعًا، إذ أتانى آت فشق ما بين هذه إلى هذه – يعنى من ثغرة نحره إلى عانته – فاستخرج قلبى، ثم أُتيت بطست من ذهب مملوء إيمانًا فغسل قلبى، ثم حشى ثم أعيد)([1]).

وفى رواية: (ثم غسل البطن بماء زمزم، ثم ملىء إيمانًا وحكمةً، ثم أُتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بى جبريل، ثم أتى السماء الدنيا فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجىء جاء، ففتح، فلما خلصت، فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلِّم عليه، فسلَّمت عليه فردَّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبى الصالح.

ثم صعد بى حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجىء جاء، ففتح لنا، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلِّم عليهما فسلَّمت عليهما فردَّا، ثم قالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبى الصالح.

ثم صعد بى إلى السماء الثالثة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبريل؛ قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجىء جاء، ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلِّم عليه فسلَّمت عليه فردَّ، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبى الصالح.

ثم صعد بى حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجىء جاء، ففتح، فلما خلصت فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلِّم عليه فسلَّمت عليه فردَّ، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبى الصالح.

ثم صعد بى حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل، مرحبًا به فنعم المجىء جاء، فلما خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلِّم عليه، فسلَّمت عليه فردَّ، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبى الصالح.

ثم صعد بى حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجىء جاء، فلما خلصت فإذا موسى قال: هذا موسى فسلِّم عليه، فسلَّمت عليه فردَّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبى الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل: ما يبكيك؟ قال: أبكى لأن غلامًا بعث بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتى.

ثم صعد بى إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد بعث إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجىء جاء، فلما خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك إبراهيم فسلِّم عليه، فسلَّمت عليه فردَّ السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبى الصالح.

ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، فإذا أربعة أنهار، نهران باطنان ونهران ظاهران، قلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أمَّا الباطنان فنهران فى الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات.

ثم رفع بى إلى البيت المعمور، ثم أتيت بإناء من الخمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هى الفطرة التى أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علىَّ الصلاة خمسين صلاة كل يوم.

فرجعت فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإنى والله قد جربت الناس قبلك، وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عنى عشرًا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فوضع عنى عشرًا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم وليلة، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وليلة وإنى قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قلت: سألت ربى حتى استحييت ولكنى أرضى وأسلم، فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى([2]).

الأدلة على أن الإسراء والمعراج كانا بالروح والجسم:

من أنوار هذا الحديث الشريف، اقتبس أهل المحبة المواجهون بجمال ذى الجلال والإكرام إثبات وجود الحقيقة فى مكانين؛ لأنه o رأى موسى فى قبره يصلى ويتكلم، ورآه فى السماء السادسة فسلَّم عليه، ووقف معه عليهما الصلاة والسلام موقف الخليل لخليله، رحمةً وعطفًا به o وبأمته.

ورأى نفسه o فى الجالسين على يمين آدم فى السماء الأولى وتلك حضرة فوق حكم العقل، وغاية ما نجيب به لأهل العقول أن الذى رؤى فى السماء هى الأرواح، وهو جواب لا يقنع من تفضل الله عليهم بالعرفان؛ لأنه o قال: رأيت موسى، ولم يقل روحه، وإنا والحمد لله سلَّمنا وصدَّقنا فمنحنا الله ما به اطمأنت قلوبنا، ومن صدَّق بالغيب تفضل الله عليه بالشهود.

أثبت لنا هذا الحديث الشريف أن الإسراء والمعراج كانا بالروح والجسم بأدلة كثيرة منها:

1- أسرى به I محمولًا على البراق ليثبت الأسباب وليعلم العقل أنه السيد الكامل خاتم الأنبياء، وليبيِّن له أن الإسراء كان بالجسم والروح؛ لأن الأرواح لا تحتاج إلى الركائب، فوصل o محمولًا مرفوعًا على البراق يحفُّه الإجلال والإعظام، محاطًا بملائكة الرحمن، ثم شرَّف الله به بيت المَقْدِسِ وأَذِنَ للأنبياء والمرسلين جميعًا أن يتشرفوا بمشاهدة أنواره فى هذا البيت المُقَدَّس، وأظهر الله تعالى ما اختصه به من الفضل العظيم حتى صار إمامهم.

2- وفى ربط جبريل u البراق بصخرة بيت المقدس، دليل على أن الإسراء كان بالجسم والروح.

3- ولما أن ظمىء o وطلب الشراب شرب من قدح اللبن، دلَّ ذلك على أن الإسراء كان بالجسم؛ لأن الأرواح لا تجوع ولا تظمأ.

4- وفى افتتاح جبريل u أبواب السماء مستأذنًا، دليل على أن الإسراء كان بالجسم والروح؛ لأن الأرواح لا تستأذن ولا تحتاج إلى فتح أبواب، قال تعالى: )مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ( (ص: 50) فإذا كانت الأجسام البشرية تفتح لها الأبواب فكيف بالأرواح النورانية.

5- وفى رقيه على المعراج، دليل على أنه أسرى بجسمه وروحه o، وحجةً على أنه السيد الكامل الذى حفظ الله به الأسباب، ومنحه كمال الأدب لله تعالى.

6- وفى قوله تعالى: )سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ( (الإسراء: 1) دليل على أن الإسراء بالجسم؛ لأن الإنسان لا يسمى عبدًا بجسمه فقط ولا بروحه فقط، إنما يسمى عبدًا بكمال روحه علمًا، وكمال جسمه عملًا؛ حتى تحصل العبودية الكاملة.

7- ولو أن المعراج كان بالروح لعرف للرسل الموجودين فى السماوات؛ لأن الأرواح تعارفت بدءًا فلا تتناكر، وإنما بيَّن جبريل u للجسم لا للروح.

8- وفى تحية الرسل له صلوات الله عليه وعليهم بقولهم: مرحبًا بالأخ الصالح والرسول الصالح، أو بالابن الصالح، والنبى الصالح دليل على أن الإسراء بالجسم والروح؛ إذ النبوة المطلقة التى هى الرسالة لا يوصف بها إلا الإنسان الكامل.

– أدار هذا الحديث الشريف طهور روح العناية، فإن الله I جعل كل أنواع العالم تتقرب إلى حضرة المصطفى o، وتقدم له o من خالص المحبة ما دل على كمال عناية الله به o، فإن سيدنا موسى الذى كان فى قبره يقول ما يقول كيف وقف وزيرًا نصوحًا له o يردده لتخفيف عدد الصلوات؛ حتى جعل الله الخمسين خمسًا؟!! وفى هذا إشارة إلى أن المجذوب إلى الله تعالى يعينه سبحانه بكل الحقائق، خدمةً من الحقائق العالية، وتسخيرًا من الملك الأدنى.

===================================

([1]) صحيح البخارى 3/1410 حديث 3674.

([2]) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 1/53، وفى صحيح البخارى 3/1173 حديث 3035 باب ذكر الملائكة، وأيضًا فى الجمع بين الصحيحين البخارى ومسلم 1/354.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (32)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …