لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود مما خلقه في الأرض والسماء وما فيهما، خلقه الله ليعمر به ملكه وملكوته، وجعله خليفة عنه في أرضه، والخليفة في الأرض هو سيد مَن في الأرض ومَن في السماء، وجعل له ملك الأرض مقرًّا للإقامة ومستقرًّا له بعد موته، ثم ينشئه النشأة الثانية، فيمنحه الملك الكبير.
لذلك ابتلاه الله تعالى بأن سخر له ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه، وصرَّفه تصريف الربوبية في المُلْك، فكل ما في المُلْك والمَلَكُوت مسخَّر له بإذنه تعالى.
السيد أحمد علاء أبو العزائم
نائب عام الطريقة العزمية
بقية: من دعائم الدعوة الإسلامية
بقية: الإمام علي بن أبي طالب A
رسول الله يغيِّر المفاهيم الخاطئة بالفعل لا بالقول فقط:
معلوم أن حضرة النبيّ o رزق البنين والبنات فعاش له البنات، وتوفي البنون عن سن صغير، وإن مجرد أن يرزق الواحد في الجاهلية ببنت تكون هي الطامة الكبرى والعار الكبير المخجل.
وهـنـا يأتي دور المخلِّص o الذي خلص البشرية من الجاهلية العمياء؛ التي تنشر ظلماتها على شطر المجتمع المتمثل في النساء.
وقد وصف الله الحالة التي كان عليها الناس في الجاهلية في هذا الجانب فقال تعالى: )وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ( [النحل: 58، 59].
فلما رزق رسول الله بالبنات بدت عليه علامات البهجة والسرور، فبدأ رسول الله o يغير المفاهيم الخاطئة والعادات السيئة بالفعل لا بالقول فقط، فهو الذي بيَّن حق المرأة في الحياة والعيشة الكريمة في جميع أدوار حياتها.
فكانت ابنته الكبرى السيدة زينب والتي تزوجت بأبي العاص بن الربيع أكبر بناته، وكانت هي البشرى الأولى من البنات التي بشر بهن o، وبمولدها ابتهج، وقد أنجبت عليًّا وأُمامة، فأمَّا عليًّا فقد توفي صغيرًا، وأما أمامة فعاشت في ظل والديها حتى توفيت والدتها السيدة زينب، فعاشت في ظل جدها رسول الله o وكفالته، وقد كان رسول الله o يحب حفيدته أُمامة ويحملها على عاتقه وهو يُصلِّي، فإذا سجد وضعها حتى يقضي صلاته ثم يعود فيحملها.
وأما السيدة رقية والسيدة أم كلثوم فتزوجتا من ابني أبي لهب، لكن الكفر فرَّق بين أبناء أبي لهب وبنات النبي o، وحظي بهما عثمان بن عفان فأُكْرِم بهما حتى لُقِّب بذي النورين.
فإن أبا لهب وزوجه قد أجبرا عتبة وعتيبة بتطليق بنتي سيدنا رسول الله o كفرًا وعنادًا لما نزلت سورة المسد، قال الواقدس: وإن أمهما – أم جميل بنت حرب ابن أمية – لما أنزل الله U: )تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ( [المسد: 1]، قالت هي وأبو لهب لعتبة وعتيبة: “وجهنا من وجهكما حرام إن لم تطلقاهما”، فطلقاهما فتزوجهما جميعًا عثمان بن عفان 0؛ تزوج رقية فتوفيت عنده ثم تزوج بعدها أم كلثوم.
وأما السيدة فاطمة الزهراء فمنها نسل رسول الله o، ومنها انتشر النور الدائم إلى قيام الساعة.
السيدة فاطمة الزهراء B
ومن دعائم الدعوة الإسلامية السيدة فاطمة الزهراء B، وهي أصغر بنات النبيّ o، وقيل: إنها ولدت وقريش تبني الكعبة، وقد ابتهج وفرح رسول الله o بمولدها.
ونلاحظ أن كلا من سيدنا رسول الله o، والإمام عليّ والسيدة فاطمة الزهراء C؛ ارتبط مولدهم بالكعبة.
أما السيدة فاطمة B فقد ولدت في العام الذي أعيد فيه بناء الكعبة، ونجى الله أهل مكة من الاقتتال بفضل المصطفى o، ولدت B يوم الجمعة العشرين من شهر جمادى الآخرة قبل بعثة رسول الله o بخمس سنوات.
فقد ولد سيدنا محمد o في عام الفيل الذي نجى الله فيه الكعبة، ورد سبحانه أبرهة بفيله برجم أبابيل.
وولد سيدنا عليّ كرم الله وجهه داخل الكعبة ولف في أستارها.
وسماها رسول الله o فاطمة بإلهام من الله تعالى؛ لأن الله فطمها عن النار، قال رسول الله o: [يَا فاطمة أتدرينَ لِمَ سُمِّيتِ فاطمة؟]، قال الإمام عليّ: يا رسول الله، لم سميت فاطمة؟، قال: [إنَّ اللهَ U قَد فطمَهَا وذريتَها مِن النارِ يومَ القيامةِ].
وكان هذا الاسم محبوبًا عند أهل البيت D، يحترمونه ويحترمون من سميت به، وسأل الإمام الصادق A أحد أصحابه – وقد رزقه الله بنتًا – بم سميتَها؟، قال الرجل: فاطمة. فأوصاه الإمام الصادق: فاطمة؟، سلام الله على فاطمة، أما إن سميتها فاطمة فلا تلطمها ولا تشتمها، وأكرمها.
أما لقبها الزهراء؛ فلأنها كانت نورانية اللون، وقد سئل أبو عبد الله الحسين A عن فاطمة؛ لِمَ سُميت الزهراء؟، فقال: (لأنها كانت إذا قامت في محرابها يزهو نورها لأهل السماء كما يزهو نور الكواكب لأهل الأرض).
أما لقبها المحدثة: فلأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تنادي مريم ابنة عمران B.
وكم من ألقاب لقبت بها السيدة الزهراء مما يدل على تعدد أوصافها وشمائلها وكمالاتها.
اجتماع الأنوار
وبعد مولد السيدة الزهراء بسنة شاء الله تعالى أن ينضم الأصلين المباركين فاطمة وعليّ C في بيت واحد هو بيت سيدنا رسول الله o، وكان عليّ A حينئذ يبلغ من العمر ست سنوات.
فقد جاء في سيرة ابن هشام: أنه كان من نعمة الله على عليّ بن أبي طالب؛ ومما صَنع الله له وأراده به من الخير؛ أن قريشًا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله o للعباس – عمه؛ وكان من أيسر بني هاشم -: [يا عباس؛ إن أخَاكَ أبا طالب كثيرُ العيالِ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطَلِقْ بنا إليه، فلنخفِّف عنه من عيالِه، آخذُ من بنيه رجلًا وتأخذ أنتَ رجلًا فنكفلهما عنه]، فقال العباس: نعم.
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلًا فاصنعا ما شئتما.
فأخذ رسول الله o عليًّا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرًا فضمه إليه.
صفاء رُوحيّ:
وبدأ الإمام عليّ مرحلة جديدة من مراحل حياته، في الوقت الذي كان رسول الله o يتحنف فيه في غار حراء، فلما أن شرف بحضانة رسول الله o شهد إرهاصات الرسالة التي كانت تتوالى على رسول الله o قبل البعثة.
لقد كان للإمام عليّ من الصفاء الرُّوحي ما به كوشف بما لا يُرى بالبصر ولا يُسمع بالأذن.
ذكر ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) عن الإمام جعفر الصادق قال: “كان عليّ يرى مع النبي o قبل الرسالة الضوء ويسمع الصوت”.
وأخرج مسلم: أن رسول الله o قال: [إنِّي لأعْرِفُ حَجَرًا في مَكَّةَ كَانَ يسلِّم عَلَيَّ قبلَ أَنْ أُبْعَثَ].
وذكر الماوردي في كتابه (أعلام النبوة): أنه قبل البعثة بثلاث سنوات وكّل الله بالنبيّ o إسرافيل؛ كان يسمع حسه ولا يرى شخصه، يحدثُه ويخاطبُه ويناديه بالنبوة.
وأخرج البيهقي في (دلائل النبوة) عن الإمام عليّ قال: (كنا مع رسول الله o بمكة فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال له: السلام عليك يا رسول الله).
وقد صرح الإمام عليّ A عن حاله عند نزول الوحي على رسول الله o بعد البعثة في خطبته القاصعة قائلًا: ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزول الوحي عليه، فقلت: (يا رسول الله؛ ما هذه الرنة؟)، فقال o: [هذا الشيطانُ قد آيس من عبادتِه، إنكَ تسمعُ ما أسمعُ، وترى ما أرى، إلا أنكَ لستَ بنبيٍّ، ولكنكَ وزيرٌ، وإنكَ على خيرٍ].
فكل هذه الإرهاصات شهدها الإمام عليّ الذي كان لا يفارق رسول الله o.
نزول الوحي
واقترب الوقت الموعود الذي أُوحِيَ فيه إلى رسول الله o بغار حراء، فبعد مولد الإمام عليّ بعشر سنوات؛ وبعد خمس سنوات من مولد السيدة فاطمة الزهراء؛ بدأ نزول الوحي على رسول الله o بحراء، لتكون نقطة تحول للبشرية جمعاء بالإسلام.
لما بلغ رسول الله o أربعين سنة بعثه الله رحمة للعالمين وكافة للناس أجمعين، فعن أنس بن مالك 0 أن رسول الله o بُعث على رأس الأربعين.
وأول ما بدئ o من النبوة الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح أي: كضيائه.
وحبب إليه الخلوة، فكان وحده بغار حراء يتحنث فيه “أي: يتعبد” الليالي ذوات العدد، حتى إذا كان شهر رمضان وفي الليلة الموعودة أتاه جبريل فقال: [اقْرَأْ]، فقال o: [ما أنَا بقارئٍ] يقول o: [فغطني ثم أرسلني، فقال: اقْرَأْ]، فقلت: [ما أنَا بقارئٍ]. ففعل ذلك به ثلاث مرات، ثم قال: )اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ( [العلق:1 – 5]، فيقول o: [فقرأتُها، وانصرفً عَنِّي وقد استقرَّ ذَلِكَ في قَلْبِي].
ولما قرأ o تلك الآيات رجع حتى دخل على السيدة خديجة فقال: [زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي] فزمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوْع، ثم أخبرها بقصة الوحي فقالت: (واللهِ لا يخزيكَ اللهُ أبدًا، إنك لتصل الرَّحِم، وتقرِي الضيفَ، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق).
ثم آمنت به o؛ فكانت B أول من آمن برسول الله o. (النجاة في سيرة سيدنا رسول الله) للإمام أبي العزائم 0.