أخبار عاجلة

قيمة الأذكار (2- 4)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان الأدومان المتلازمان على سيدنا محمد، واسطة عقد النبيين، وسيد أولي العزم من المرسلين، الفاتح لما أغلق، والخاتِم لما سبق، ناصر الحقَ بالحقِ، والهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم..

فضيلة الشيخ علي الجميل

إنك إذا رأيت شخصًا ما قاسى القلب فاعلم أن هذه القسوة من غفلة القلب عن ذكر الله؛ فغفل عن الآخرة وغفل عن مراقبة الله U.

فدوام الذكر: يورث اليقظة، ويورث الحضور، ويورث المعية مع الله والجمعية على الله، والجمعية والحضور من آثارهما يقظة القلب وتنزل الحكمة وتفجير ينابيع المعرفة، كل هذا من آثار إشراق القلب.

يقول الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم:

فِــي ٱلذِّكْرِ يَــظْهَرُ نُـــورُ ٱللَّهِ لِــــلْقَلْبِ

فِي ٱلذِّكْرِ دَارَتْ كُئُوسُ ٱلرَّاحِ لِلشُّرْبِ

فِــي ٱلذِّكْرِ يُـــشْرِقُ نُــورُ ٱللَّهِ لِلْفَانِــي

فِــي ٱلذِّكْرِ رَبِّـــي تَجَلَّىٰ لِلْفَتَى ٱلصَّبِّ

فِــي ٱلذِّكْرِ رَبِّـــي تَجَلَّىٰ ظَاهِرًا يُولِي

أَهْـــلَ ٱلصَّفَا نُورَهُ فِي حُظْوَةِ ٱلْقُرْبِ

قال أبو سليمان الداراني: إذا اعتادت النفوس على ترك الآثام {الذنوب والمعاصى} جالت في الملكوت، ثم عادت إلى صاحبها بطرائف العلوم، من غير أن يؤدي إليها عالمٌ عِلْمًا. هـ.

ولذلك نرى في طبقات الصوفية والأولياء أناسًا كانوا أميين ومع ذلك كانوا من علية العارفين، فمن أين أتت لهم ينابيع الحكمة والعلم؟.

ومن هنا نسأل؟

هل يستحيل في جانب الاقتدار أو في جانب الله أن يفيض على الأمي الذى لم يكن له زمن طلب تحصيل للعلوم؟

هل من المستغرب أو من المستبعد أن يفيض على الأمي ما تخلفت عنه أسبابه، أو لم يكن له سبب في تحصيله؟ هل يعجز ربنا عن إمداده؟

نقول: لا، بلى قادر أن يعطيه كما قال تعالى: )وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا( (النساء: 113)

فهناك من نالوا العلوم بالتحصيل من مدارس علمية أو معاهد أو كليات فهذا أمر عادى، لكن عندما يؤتى الإنسان من العلوم الربانية ما يؤسس به، وعليه مفاهيم صادقة توافق النص الإلهى المحكم، وقد يستدرك من خلال ذلك على من كان لهم تحصيل، أو من كانت لهم دراسات؛ فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

إذن تفجر ينابيع المعرفة من القلب ليس طريقه التحصيل؛ لأنه يوجد علوم وهبية طريقه ليس الكسب، إنما طريقه الوهب.

وهنا نذكر عبارة أبو بكر الكلاباذي في القرن الرابع الهجري في كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف، يصف الصوفية الصادقين والأولياء العارفين واصفًا لمقاماتهم وأحوالهم: سبقت لهم من الله الحسنى وألزمهم كلمة التقوى، وعزف بنفوسهم عن الدنيا، صدقت مجاهداتهم فنالوا علوم الدراسة، وخلصت عليها معاملاتهم، فمنحوا علوم الوراثة، وصفت سرائرهم  فأكرموا بصدق الفراسة، ثبتت أقدامهم، وزكت أفهامهم، وأنارت أعلامهم، وفهموا عن الله، وساروا إلى الله، وأعرضوا عما سوى الله، وخرقت الحجب أنوارهم، وجالت حول العرش أسرارهم، وجلّت عند ذي العرش أخطارهم، وعميت عما دون العرش أبصارهم، فهم أجسام روحانيون، وفي الأرض سماويون، ومع الخلق ربانيون.

والمعنى صدقت مجاهداتهم في طلب العلم فنالوا علوم الدراسة، أي حصلوا العلم بالدراسة والاجتهاد في مدارساتهم والهمة في التحصيل للعلوم، وخلصت عليها، أي حققوا الإخلاص على العمل بها، فمنحوا علوم الوراثة، كما قال أنس بن مالك: من عمل بما علم؛ ورَّثه الله علم ما لم يكن يعلم.

وصفت سرائرهم فأكرموا بصدق الفراسة، أي أكرموا بأنوار المعرفة، فهذه مراحل لا بد منها لطالب الحق.

نعود إلى موضوع الذكر ونقول: لماذا تعددت أنواع الذكر؟

والإجابة لتنوع العلل، فلكل داء من العلل دواء من الذكر.

فمثلاً لظلمة الذنوب (الاستغفار)

ولظلمة الغفلة (الذكر بأنواعه)

ولظلمة الوهم والشبهات (الصلاة على النبى J)

ولمحو آثار الكفر من القلب (قراءة القرآن) كما قال الله U في أول سورة إبراهيم: )الر ۚ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ( (إبراهيم: 1)

وننظر إلى هذه الأمور من طريق آخر:

هل الاستغفار يمحو الذنب، أم يمحو أثر الذنب؟

نقول: إن الاستغفار يمحو أثر الذنب الذى سبق، وكذلك الذكر يمحو آثار الغفلة. وكذلك الصلاة على النبى J هل تمحو آثار الشبهة أم تمحو الشبهة؟ نقول: إن الصلاة على النبي J تمحو الشبهة نفسها.

لذلك نرى أن الذكر يقابل من الله بالذكر )فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ(، والاستغفار يقابل بالتوبة من الله )ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا(، أما الصلاة على النبي J فإنها تقابل بالصلاة من الله على العبد يقول J: (من صلى عليَّ مرة؛ صلى الله عليه عشرًا)، وصلاة الله U تخرج العبد من الظلمات إلى النور، فتكون الشبهات ليس لها وجود، فتمحى الشبهات بصلاة الله U الذي يصلي على من صلى على النبي J.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (25)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …