أخبار عاجلة

لماذا يختار الناس الشخص السيء؟

في زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، جلست مع بعض الأشخاص في جلسة حوارية حول الانتخابات الأمريكية ومصير بلادهم، فإذا بسائل يطرح سؤالًا مفاجئًا لي ويقول: (لماذا يختار الناس السيء ولا يختارون الصالح؟)، فقلت له: (ماذا تقصد؟)، قال: (ترامب رفع الاقتصاد وقوَّاه، وبايدن دمَّره، ورغم ذلك سيختار الناس بايدن)…

السيد علاء أبو العزائم

شيخ الطريقة العزمية

ورئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية

لماذا يختار الناس الشخص السيء؟

في زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية، جلست مع بعض الأشخاص في جلسة حوارية حول الانتخابات الأمريكية ومصير بلادهم، فإذا بسائل يطرح سؤالًا مفاجئًا لي ويقول: (لماذا يختار الناس السيء ولا يختارون الصالح؟)، فقلت له: (ماذا تقصد؟)، قال: (ترامب رفع الاقتصاد وقوَّاه، وبايدن دمَّره، ورغم ذلك سيختار الناس بايدن).

فقلت له: إن الإجابة عن هذا السؤال طويلة، وتحتاج إلى بحث ودراسة وشرح، وسأوجز لك عدة أسباب، ووعدته أن أجيبه عن هذا السؤال بمزيد من الاستفاضة بمقالي بمجلة (الإسلام وطن)، لسان حال دعوتنا.

أسباب الاختيار

كانت إجابتي على السائل تنحصر في خمس نقاط رئيسة، هي:

1- الجهل.

2- فقدان الأمل في المستقبل.

3- عدم الولاء للوطن.

4- الإعلام السيء.

5- الفقر.

أولاً: الجهل

يعد الجهل من أفظع الأمراض الاجتماعية، فهو أساس كل بلاء، وبسببه تنهار دول وتتقوض حضارات، ويقتل الأخ أخاه، ويدمر المواطن بلده.

لذلك يشرع الحكام السَّيِّئون في نشر الجهل بين شعوبهم؛ حتى تظل منقادة لهم، ويحظون بالتواجد في مناصبهم لأطول فترة ممكنة.

وتحضرني هنا مقولة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة التي وجهها لأحد حكام شمال إفريقيا، حين قال له: (علِّم شعبك، فإن ثاروا عليك وهم متعلمون حاكموك، وإن ثاروا عليك وهم جهلة قتلوك).

الجهل لا أقصد به عدم التعلم في المدارس والجامعات فقط، ولكن أقصد به ثقافة الجهل عمومًا، فقد يكون المجتمع كله من خريجي المدارس والجامعات، لكنهم يجهلون بعض التقنيات الحديثة، أو يجهلون علومًا بعينها، فالمجتمع في هذا الوضع جاهل.

ولنأخذ مثالًا: الأمية في بعض الدول العربية تعني عدم القراءة والكتابة، لكن الأمية في أوروبا وأمريكا تعني عدم إجادة استخدام الحاسب الآلي، والأمية في اليابان وتايوان وغيرها من البلدان صانعة التكنولوجيا تعني عدم معرفة كيفية برمجة الأجهزة الإلكترونية وصناعة برامج الحاسوب والهواتف المحمولة.

المجتمع الأمريكي كمثال مجتمع يغلب بين أفراده التعليم في المدارس والجامعات، لكنه في ذات الوقت جاهلٌ تمام الجهل بالعديد من الأمور، بل إنك قد تسأل بعض الأمريكان عن دول في العالم ولا يعرفون عنها شيئًا، ولا يعرفون عدوهم من صديقهم.

لذلك عندما أعلن جورج بوش الأب الحرب على الدول الإسلامية، لم يكن أغلب الأمريكان يعرفون ما هو الإسلام، فلما عرفوه وقرأوا عنه أسلموا.

فالمجتمع الأمريكي رغم انتشار التعليم به، مجتمع جاهل بالعديد من الأمور، وهذا الجهل يدفعه للاختيار الخاطئ في الانتخابات التي تقدم له على أنها ديمقراطية، إلا أنها انتخابات موجهة ومسيرة بفضل الجهل وإخفاء الحقائق.

2- فقدان الأمل في المستقبل:

الأمل هو المحرك الرئيس للعمل وبناء الوطن، فإذا فقد الأمل في المستقبل، فقد الإنسان رغبته في بناء وطنه والحفاظ عليه.

لذلك إذا كان الأمل مفقودًا، لا يهم الإنسان من يحكمه ومن يتحكم في مصيره، فهو يرى أنه في كل الأحوال ليس هناك نتيجة إيجابية، فيتساوى عنده الثرى والثريا، فيختار لمجرد الاختيار.

بل أحيانًا وفي ظل هذه الظروف، يقوم الناخب بما يسميه أهل السياسة بـ”التصويت العقابي”، وهو يعني أن يختار الناس الخيار الثاني لا لشيء، إلا ليعاقبوا الاختيار الأول، فهو تصويت يحركه العناد والأهواء، وليس على أسس علمية.

لذلك يعمل الأعداء: من الطابور الخامس داخل البلدان، وأعداؤها الخارجيون على بث اليأس بين الشعوب، وإيصالهم لمرحلة اللامبالاة تجاه أوطانهم، فيسهل تحريكهم في أي وقت لاختيار الشخص المفروض عليهم.

لذلك تحدث في الولايات المتحدة قبيل كل انتخابات رئاسية أزمة كبيرة، أو حرب، أو عمليات إرهابية، أو ضائقة اقتصادية، هذه الأزمة يكون هدفها نزع الأمل من المواطنين؛ حتى يسهل تحريكهم في الانتخابات ودفعهم لاختيار الشخص السيء، باعتباره المنقذ لهم من هذه الأزمة.

3- عدم الولاء للوطن:

الولاء للوطن من الفطرة، وهو من الأمور التي يولد بها الإنسان، فيكون مواليًا لأسرته وعائلته وبلده ووطنه، وحيث إننا في خضم حرب ثقافية كبرى تهدف لتغيير فطرة الله في البشر، فإن الولاء للوطن مستهدف.

في هذه الحرب، يتم تغيير وحدة المجتمع من الأسرة للفرد، وتغيير الفطرة من الانجذاب للجنس الآخر للانجذاب لنفس الجنس، وتغيير الفطرة من الحمية والغيرة على الأهل إلى التفريط في العرض والدياثة، وغيرها من التغييرات المهمة التي يستهدفها أعداء الإنسانية لنزع فطرة الله من النفوس.

إذا فقد الإنسان إحساس الولاء للوطن، فإنه لا يضع في اعتباره تقدم وطنه وازدهاره وقت التصويت على الانتخابات، بل إذا ذهب للتصويت يذهب كدرًا، والبعض وقتها ينتقم من الوطن بالتصويت للشخص الفاسد؛ لأنه فقد حبه لوطنه.

4- الإعلام السيء:

ربما الأسباب الثلاثة الماضية لم تكن لتحقق تأثيرها إلا بهذا السبب الرابع: الإعلام السيء.

الإعلام العالمي فقد مصداقيته منذ عقود، وأصبح يخدم فقط مصالح أسياده، وغالبًا هم: من الصهاينة، أو من المتحالفين مع الصهيونية العالمية.

هؤلاء لا يهمهم مصالح الشعوب، ولا ازدهار الأوطان، وإنما مصلحتهم الوحيدة في إشعال الأزمات والحروب، لذلك يرفعون من قدر الشخص الذي يشعل العالم ويضيق على الناس ويثير الأزمات، ويحاربون أي شخص يحاول تنمية وطنه وتقدمه.

أصبح للإعلام أشكال ومظاهر عدة عبر التاريخ، بداية من الإعلام المقروء، ثم المسموع، ثم المرئي، وختامًا بالإعلام الفضائي والإلكتروني، وإعلام منصات التواصل الاجتماعي، ثم إعلام الواقع الافتراضي.

هذا الإعلام كلما ازداد تقدمًا، ازداد قدرة على التزييف:

فالإعلام المقروء، كان يزيف الأخبار أو يتلاعب في بعض الصور.

ثم جاء الإعلام المسموع، ليزيفوا من خلاله المقاطع الصوتية باستخدام المونتاج والقص واللزق.

ثم جاء الإعلام المرئي، ولم يكن تزييف الفيديو سهلًا، فكانوا يعتمون على أحداث بعينها، ويركزون الكاميرات على أحداث أخرى.

وجاء الإعلام الإلكتروني وإعلام منصات التواصل الاجتماعي، فكان بيئة خصبة للشائعات، حيث أضحى كل شخص فيه مصدرًا للخبر، ولم يعد هناك تحكم، فتم تفخيم بعض التوافه من الشباب وتصديرهم باعتبارهم: صانع محتوى، ويوتيوبر، وبلوجر، وانفلونسر، وغيرها من المسميات، وهؤلاء بثوا الشائعات وزيفوا الحقائق.

ثم تطورت التكنولوجيا أكثر، فأصبحنا على مشارف تعميم إعلام الذكاء الاصطناعي، وإعلام الميتافيرس أو الواقع الافتراضي، وهي وسائط إعلامية يسهل فيها التزييف والتشويه باستخدام تقنيات مثل: الديب فيك.

باستخدام هذه التقنيات، سنسمع في الفترات المقبلة مكالمات هاتفية كاملة تمت بالذكاء الاصطناعي لتشويه المرشحين، وسنرى مقاطع فيديو كاملة قد تكون مخلة أو بها أحاديث لا تصح، وكلها تمت بالذكاء الاصطناعي وبرامج الديب فيك.

كل هذا التزييف يساعد بشكل كبير في تغييب العقول، وتشويه الصالح، وتلميع الطالح، وبالتالي يختار الأشخاص الشخص السيء.

5- الفقر:

الفقر مرض خطير من أمراض المجتمعات، وهو يتساوى في تأثيره مع الجهل والمرض.

المجتمع الفقير يختار بناء على الرشاوى الانتخابية التي تقدم له، سواء كانت أمولًا، أو عينات من سلع أو خدمات، أو حتى وعود رنانة ومشروعات وهمية.

المجتمع الأمريكي ليس فقيرًا، لكن به بعض الفئات الفقيرة والأقليات المهمشة، هذه الفئات يسهل قيادتها وتوجيهها خلال الانتخابات لاختيار شخص بعينه.

لذلك يحاول الحكام السيئون نشر الفقر بين الشعوب ليظلوا تحت قيادتهم وتوجيههم، فتراهم يفتعلون الأزمات الاقتصادية، ويرفعون التضخم، ويطبعون نقودًا دون غطاء، بهدف زيادة شريحة الفقراء التي تضمن لهم البقاء في السلطة.

وما الإعانات التي تصرفها الحكومات الأمريكية بين الحين والآخر إلا رشاوى انتخابية استغلالًا لظروفهم المادية، وكذلك بعض الزيادات الاستثنائية للرواتب أو غيرها من مظاهر استغلال الفقر.

 كيفية اختيار الشخص الصالح

هناك عدة شروط وضعتها الدساتير أو القوانين في العديد من البلدان لاختيار الأشخاص الذين يتولون المناصب العامة، إلا أن الشرط الأساس لتولى الوظيفة العامة فى الإسلام هو الصلاحية لشغلها، ويقصد بالصلاحية القدرة على تحمل أعباء الوظيفة، أو بعبارة أخرى الأهلية والكفاءة لهذا العمل مع الورع، يقول تعالى على لسان سيدنا يوسف A: ﴿ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]، فعبَّر بقوله: )إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ( عن توافر الكفاءة فيه لتولِّى خزائن أرض ملك مصر، ويقول سبحانه على لسان ابنة الرجل الصالح حين طلبت من أبيها استِئجار نبى الله موسى A: ﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِى الأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، فعبَّرت بقولها: )الْقَوِى الأَمِينُ( عن توافر الكفاءة والورع فيه للعمل عند أبيها فى رعى الماشية والقيام على شؤونها.

ولَمَّا طلب أبو ذرٍّ 0 من النبى J أنْ يستعمِلَه فى الولاية ضرَب بيده على منكبه ثم قال: (يا أبا ذرٍّ، إنَّك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزى وندامة، إلَّا مَن أخَذَها بحقِّها وأدَّى الذى عليه فيها)([1]).

فأبو ذرٍّ هنا لا ينقصه الورع، فهو صحابى جليل من صحابة رسول الله J وإنما الذى ينقصه الكفاءة، وهو ما أشار إليه J بقوله: (يا أبا ذرٍّ، إنَّك ضعيف)، والمقصود أنَّ فى طبع هذا الصحابى الجليل لينًا ورقة لا تناسب ما تقتَضِيه الولاية من قوَّة وشدَّة تُرهِب الظالم المعتَدِى وتردعه عن الاعتداء والظلم.

وقد راعى النبى J هذا الأمرَ فيما يخصُّ الولايات والمسؤوليات، فوضع كلَّ عامِلٍ فى مكانه المناسب، ومن ذلك على سبيل المثال: أنَّ النبى J اختار معاذ بن جبل 0 ليوليه القضاء فى اليمن؛ لفقهه ورجاحة عقله، واختار مصعب بن عمير 0 ليكون داعية الإسلام فى المدينة؛ لحكمته وعلمه وحسن أسلوبه، واختار عمر ابن الخطاب 0 عامِلاً على الصدقات؛ لحزمه وعدله، واختار خالد بن الوليد 0 قائدًا للجيش؛ لمهارته وحنكته العسكرية، واختار بلالًا 0 لبيت المال؛ لزهده وتَقواه وحسن تَدبِيره.

فيجب أنْ يكون معيارُ اختِيار العامل وتوظيفه هو أهليَّته لهذا العمل، لا قرابته من المسؤول أو صداقته، أو وجود مصلحة شخصيَّة فى اختياره وتقديمه على غيره، أو نحو ذلك من المعايير الزائفة.

إنَّ الأمَّة التى تَشِيع فيها المحاباة والوساطات، وتَعبَث فيها المصالح الشخصيَّة بالمصالح العُليَا لها، فتَتجاهَل أقدارَ الأكفاء وتُهمِلهم وتقدِّم عليهم مَن دونهم – لا شكَّ أنَّ ذلك سيُولِّد لديها اضطرابًا، ويُوجِد عندها ضعفًا وعجزًا يدبُّ فى أوصالها ومختلف مؤسَّساتها، ويُعِيق تقدُّمها ونموَّ اقتصادها ويضعها فى آخر الرَّكب بين الأُمَم.

وترتكز الكفاءة والورع على عنصرين هما: القوة والأمانة، وذلك بقول الحق سبحانه وتعالى: )إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِى الأَمِينُ(، ونوضح فيما يلى هذين العنصرين:

أولاً: القوة

القوة هى التعبير المادى للكفاءة، ويقصد بها القوة فى تدبير شئون الأمة وصالح الأفراد. ولكي يكون الشخص قويًّا فى مفهوم الإسلام يجب أن تتوافر فيه الأمور الآتية:

 قوة الإيمان: يجب أن يكون الموظف العام فى الدولة مؤمنًا؛ لكي يستطيع أن يعمل من خلال وظيفته باعتباره مظهر الدولة ويدها المنفذة.

– القدرات العقلية والمهارات الفكرية: وذلك حتى يتمكن الشخص من إدراك حقائق الأشياء والوقائع المختلفة والربط بينها ربطًا يتماشى وتحقيق المصلحة. وقد اهتم الإسلام بالعقل – وهو وسيلة العلم – وبنى عليه التكاليف الشرعية، فالشخص لا يسأل حال غياب العقل.. كما حض الإسلام على العلم كوسيلة لتنمية المهارات الفكرية، ففى الحديث الشريف: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)([2]).

 المقدرة البدنية: لكي يكون الشخص قويًّا على أداء متطلبات الوظيفة ويستطيع أن ينهض بأعبائها يجب أن تتوافر فيه المقدرة البدنية، والمقصد من ذاك ألا يكون فى الشخص علة أو إصابة تؤثر فى مقدرته على إبداء الرأى السليم، أو تحول بينه وبين القيام بمتطلبات الوظيفة، وتستلزم المقدرة البدنية أن يكون الشخص قد بلغ سنًّا معينًا تؤهله لممارسة أعباء الوظيفة. ولهذا فإن بعض الفقهاء ذهب إلى عدم جواز تولية الشخص الوظيفة العامة إلا إذا كان قد بلغ سنًّا معينًا، وهي خمسة عشر عامًا استنادًا لما روى عن ابن عمر عن نافع قال: عرضت على رسول الله J فى جيش وأنا ابن أربعة عشر فلم يقبلنى، ثم عرضت عليه وأنا ابن خمسة عشر فقبلنى، فحدثت عمر بن عبد العزيز فقال: (هذا حد بين الصغير والكبير).

وتختَلِف محددات “القوة” ومعاييرها من عملٍ إلى آخَر، وذلك بحسب طبيعة هذا العمل والقدرات الذاتيَّة اللازمة للقِيام به، فالقوَّة فى إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب وإلى الخبرة بالحروب، وإلى القدرة على أنواع القتال، والقوَّة فى الحكم بين الناس ترجع إلى العمل بالعدل الذى دَلَّ عليه الكتاب والسنَّة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام.

 ثانيًا: الأمانة

الأمانة من أهمِّ الأخلاق التى يجب أنْ يتَّصِف بها العامل؛ لأنها من الدِّين، وقد وَرَد فى القرآن الكريم ما يؤكِّد أهميَّة هذا الخُلُق الكريم فى العامل فى أكثر من موضع، من ذلك على سبيل المثال قولُه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58].

ويقول النبى J مُؤَكِّدًا على أهميَّة الأمانة: (لا إيمان لِمَن لا أمانة له)([3])، ويقول كذلك: (أدِّ الأمانة إلى مَن ائتَمنَك، ولا تخن مَن خانَك)([4]).

 وللأمانة هنا معانٍ وصورٌ كثيرة، منها:

1-  أنْ يحرص العامِل على وقت العمل، وأنْ يستثمره فى سرعة إنجاز العمل الموكول إليه، وأداء واجبه كاملًا فى عمله؛ وعدم إضاعة الوقت وتبديده فى الانشِغال بأمورٍ لا علاقة لها بالعمل، سواء كان ذلك داخل مقرِّ العمل أو خارجه، ويقتضى ذلك منه أنْ يرعى حقوق الناس التى وُضِعت بين يديه؛ فليس أعظم خيانة من رجل تولَّى أمور الناس فنام عنها؛ حتى أضاعَهَا.

2- أنْ يجتنب فى أداء عمله الغشَّ بكافَّة أشكاله وصُوَرِه، فهو محرَّم شرعًا؛ يقول النبى J: (مَن غشَّنا فليس مِنَّا)([5]).

3- ألاَّ يستغلَّ موقعه فى العمل لجرِّ منفعة شخصيَّة له ولقرابته وصداقته، أو للاستِيلاء على المال العام بطُرُق ملتويَة، أو لصرف العهدات الماليَّة ونحوها فى غير ما خُصِّصت له، أو للتكسُّب المادى غير المشروع؛ كتلقِّى الهدايا والرَّشاوَى مقابل خدمات وتسهيلات للمُهدين أو الراشين.

وهكذا بتكامل عنصر القوة والأمانة تتحقق الكفاءة المطلقة والورع لشغل الوظيفة العامة، وينطبق ذلك أيضًا على نائب البرلمان دون النظر إلى لونه أو دينه أو جنسه.

رسالة للأمريكان

عرضت عليكم موجزًا للشروط التي سنتها الشريعة الإسلامية فيمن يتولون المناصب العامة، وأعلم أنكم مقبلون هذا العام على انتخابات مصيرية يتنافس فيها كل من: ترامب، وبايدن، وقد جربتم كلاهما، ولكل منهما حسناته وسيئاته – بالنسبة لكم -.

حاولوا أن تأخذوا القواعد التي سنتها الشريعة الإسلامية وتطبقوها على المرشحين، ووقتها سترون الخير يعم على بلادكم.

ولكن قد لا تجدون الشروط منطبقة على أي من المرشحين في الانتخابات النهائية، وذلك لأنكم تختارون ممن تم اختيارهم من قِبَلِ الأحزاب والولايات وطرحهم عليكم، وحتى لا تفشلوا هذه المرة في اختيار الصالح، فطبقوا عام 2028م وقبل الانتخابات الرئاسية، هذه القواعد على انتخابات الأحزاب وانتخابات الولايات؛ حتى يصل الشخص الأصلح للانتخابات الختامية.

أسأل الله أن يكتب الخير لجميع الشعوب، وأن تحظى الأمم بحكام يتولون ازدهارها وتقدمها.

===========================================

وصلى الله على سيدنا ومولانا رسول الله وعلى آله وسلم.

([1]) رواه مسلم في صحيحه في كتاب (الإمارة)، باب (كراهة الإمارة بغير ضرورة)، القاهرة: دار الريان، ج12، ص209 – 210.

([2]) رواه السيوطي في الجامع الصغير ح52246.

([3]) رواه أحمد في “المسند” عن أنس بن مالك 0 الحديث رقم (12383)، ج19، ص375، 376.

([4]) رواه أبو داود في “سننه” في كتاب (البيوع)، باب (في الرجل يأخذ حقه من تحت يده)، الحديث رقم (3535) – بيروت: دار إحياء التراث العربي، ج3، ص290.

([5]) رواه مسلم في “صحيحه” في كتاب (الإيمان)، باب (قول النبي J: مَن غشَّنا فليس مِنَّا)، ج2، ص108.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

أضواء حول السر المستودع في السيدة الزهراء عليها السلام

حقيقة السر المستودع يظهر من خلال عدة احتمالات نحتملها في كونها هي مفاد السر المستودع، …