أخبار عاجلة

من أسرار القرآن .. بقرة بني إسرائيل (1)

الجاهل هو الذي لا بصيرة له يحفظ بها لسانه وجميع جوارحه من الوقوع في الخطايا، فكل مَن خالف الشريعة بجارحة من جوارحه كالعين والأذن واليدين والبطن والفرج يكون جاهلًا بالحقيقة؛ لأنه لو كان عالمـًا ما ارتكب ما يوقعه في جهنم مخلدًا…

فضيلة الشيخ قنديل عبدالهادي

بيان يقوم مقام المعجزة

ذَكَر الإمامُ أبو العزائم في تفسيره لقول الله تعالى: )وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ( (البقرة: 67) أن الله تعالى بيَّن لمعاصري رسول الله J بيانًا يقوم مقام المعجزة له عليه الصلاة والسلام.

لأنه J كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ونشأ بين أهل جاهلية عمياء، لا علم لهم بتاريخ الأمم قبله، ثم يخبرهم بما لا يعلمه إلا الراسخون في العلم من أتباع الكليم عليه الصلاة والسلام.

فيقول لهم: اذكروا خطاياكم التي منها قول موسى الكليم عليه السلام لأسلافكم: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً( من غير تعيين ولا تخصيص، فأنكروا عليه بهراء القول الذي لا يقال إلا لأهل الجهالة والسخافة )قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا( أي: أتهزأ بنا في قولك.

وهي كلمة تدل على جهلهم بنبيهم وبربهم وبأنفسهم.

ولولا فضل الله عليهم لاختصاصهم بأنهم أمة لكليمه؛ ورحمته عليهم بوجود كليمه A بين ظهرانيهم؛ لمسخهم قردة كما فعل بمن اعتدوا في السبت.

والاستهزاء استهانة بالمخاطَب وتكذيب له.

)قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ( الاستعاذة بالله: الالتجاء إليه، والاستعانة به من الوقوع فيما يغضبه سبحانه، )أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ( بعد أن أكرمني الله تعالى بالنبوة وبالكلام وبالرسالة.

الجاهل هو الذي لا بصيرة له

والجاهل هو الذي لا بصيرة له يحفظ بها لسانه وجميع جوارحه من الوقوع في الخطايا، فكل مَن خالف الشريعة بجارحة من جوارحه كالعين والأذن واليدين والبطن والفرج يكون جاهلًا بالحقيقة؛ لأنه لو كان عالمـًا ما ارتكب ما يوقعه في جهنم مخلدًا.

فقولهم لنبيهم: )أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا( حجة على جهالتهم.

وتشديدهم على أنفسهم في كثرة الأسئلة لنبيهم؛ دليل على شكهم وريبهم.

ويتساءل الشيخ العقاد: والحاصل أن اليهود أهل معارضة وعناد مع إمامهم وسيدهم وهو الكليم؛ فكيف يكون حالهم مع غيره؟!.

قصة البقرة

ذكر الألوسي في تفسيره أن القصة أنه عمد أخوان من بني إسرائيل إلى ابن عم لهما أخي أبيهما فقتلاه ليرثا ماله، وطرحاه على باب محلهم، ثم جاءا يطلبان بدمه، فأمر الله تعالى بذبح بقرة وضربه ببعضها ليحيا ويخبر بقاتله.

وقيل: كان القاتل أخا القتيل.

وقيل: ابن أخيه ولا وارث له غيره فلما طال عليه عمره قتله ليرثه.

وقيل: إنه كان تحت رجل يقال له عاميل بنت عم لا مثل لها في بني إسرائيل في الحسن والجمال فقتله ذو قرابة له لينكحها فكان ما كان.

وأورد الرازي في تفسيره أنه روي عن ابن عباس وسائر المفسرين أن رجلًا من بني إسرائيل قتل قريبًا لكي يرثه، ثم رماه في مجمع الطريق، ثم شكا ذلك إلى موسى A.

فاجتهد موسى في تعرف القاتل، فلما لم يظهر قالوا له: سل لنا ربك حتى يبينه، فسأله فأوحى الله إليه: )إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً(، فتعجبوا من ذلك ثم شددوا على أنفسهم بالاستفهام حالًا بعد حال، واستقصوا في طلب الوصف.

فلما تعينت لم يجدوها بذلك النعت إلا عند إنسان معين، ولم يبعها إلا بأضعاف ثمنها، فاشتروها وذبحوها، وأمرهم موسى أن يأخذوا عضوًا منها فيضربوا به القتيل، ففعلوا فصار المقتول حيًّا وسمى لهم قاتله – وهو الذي ابتدأ بالشكاية – فقتلوه قودًا.

دليل على نفاق بني إسرائيل وتكذيبهم الأنبياء

انظر إلى بني إسرائيل، يسأل القاتل منهم نبيهم أن يبين لهم خفية الأمر في المقتول، ومن الذي قتله، والسائل هو القاتل غير هياب ولا وجل، وذلك دليل على نفاقهم وتكذيبهم أنبياء الله تعالى D.

الذي قتل عمه وهو شقيق والده – لأنه كان غنيًا ولا ولد يرثه فتعجل الإيثار بالمال وقتل عمه – فتدافع القوم فيه، فأسرع القاتل إلى كليم الله عليه السلام يسأله كما تقدم، وهل يفعل مثل هذا مؤمن صادق؟!، لا.

فلما أُمِرُوا بذبح بقرة من غير تقييد، أنكروا كل الإنكار، وقالوا: ما للقتيل وما للبقر؟، ولكنهم بعد الرد عليهم بالشدة لم يقبلوا وقالوا لنبيهم ما أخبر الله به: )قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ( (البقرة: 68)، وجهلوا أن أمور الرسل عليهم الصلاة والسلام كلها اختبار من الله تعالى لتظهر قوة يقين القوم أو ضعفها، ولكن الحجة قامت على أنهم ضعفاء الإيمان.

ويشير الإمام أبو العزائم في هذا السياق من تفسيره إلى أن بعض المفسرين الواقفين عند دلالة اللفظ قد أخذ أن لفظ النكرة عام يحتاج إلى بيان وتمييز وتخصيص فجعل لأسئلته هذه وجهًا من التأويل.

ولكن أهل العلم بالله تعالى يرون أن كلام الرسل حجة لا تقابلها حجة.

والواجب على من يسمع كلام الله يبينه رسوله A أن يتجمل بالسمع والطاعة، وأن لا يرفع صوته فوق صوت النبيّ بفتح أبواب الفتن والتشديدات.

والله تعالى يقول: )إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً( (البقرة: 67) أي: أيّ بقرة كانت، كما قال الله تعالى: )أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ( (البقرة: 108)، وقد ورد في الحديث الشريف أن رسول الله r كره مَن سأله مشددًا على نفسه.

نفى الله الإيمان عن قوم تعلموا القرآن قبل الإيمان

ومن تعلم القرآن قبل أن يتعلم الإيمان والتقوى لا ينال من العلم إلا قوة الجدل والمناظرة اللتين ينالهما الكافر إذا تعلم العلم كما نرى الآن.

وقد نفى الله الإيمان عن قوم تعلموا القرآن قبل الإيمان فأرادوا أن يزنوا القرآن بعقولهم وضوابطهم العقلية واللغوية؛ فقال تعالى: )فَلَا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا( (النساء: 65).

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (25)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …