أخبار عاجلة

الإنسان خليفة الله في الأرض (25)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود مما خلقه في الأرض والسماء وما فيهما، خلقه الله ليعمر به ملكه وملكوته، وجعله خليفة عنه في أرضه، والخليفة في الأرض هو سيد مَن في الأرض ومَن في السماء، وجعل له ملك الأرض مقرًّا للإقامة ومستقرًّا له بعد موته، ثم ينشئه النشأة الثانية، فيمنحه الملك الكبير.

لذلك ابتلاه الله تعالى بأن سخر له ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه، وصرَّفه تصريف الربوبية في المُلْك، فكل ما في المُلْك والمَلَكُوت مسخَّر له بإذنه تعالى.

السيد أحمد علاء أبو العزائم

نائب عام الطريقة العزمية

بقية: وأشرقت الأرض بنور ربها

الحمل برسول الله J:

ذَكَر الإمامُ أبو العزائم أن عبد الله تعرضت له فتاة جميلة غنية، كاملة النسب والعقل قرشية، -قيل: إنها امرأة من بني أسد بن عبد العزى – وطلبَتْه على أن تعطيه مالًا كثيرًا؛ وتمنحه إن أطاعها خيرًا وفيرًا، – قال يحيى العطار: وكانت قرأت في الكتب بـأن اليوم يُحمل بمحمد – ثم كشفت عن وجهها، فأبى إباء من عصمه الله، وجعله كنزًا لحبيبه ومصطفاه، وقال لها.

أما الحرامُ فالـمـمـاتُ دُونَـه

والـحـــل لا حـل فأسـتـبـينه

فكيفَ بالأمـرِ الذى تبغيــنَـه

يَحمِى الكريمُ عِرضَهُ ودينَه

تلك عناية الله بمفرد ذاته المحبوب، وهو في كنز الغيوب.

وأقبل سيدنا عبد الله حتى أتى السيدة آمنة فقال لها: تطهري وتطيبي فقد آن أن أودعك وديعة الجبار الذي أودعها لأنبيائه ورسله وأحبابه، فشمت منه روائح المسك.

ودخل بها ليشرق الله منها شمس أنواره، فحملت من وقتها بسيد الأنام ورسول الملك العلام، فكانت أفق هذا الكوكب المضيء لعالين، وصدفة درة عقد المرسلين.

وأصبح عبد الله وقد فُقِدَ النور من وجهه، وانتقل إلي آمنة فزادت به حسنًا وجمالًا وبهاء وكمالًا.

ثم إن عبد الله مر على قتيلة الخثعمية – تلك الفتاة التي عرضت له من قبل تطلبه – فقال لها: مالك لا تعرضي عليّ الذي عرضتيه بالأمس؟!، قالت له: وأين ذلك النور الذي كان بين عينيك؟، فلما علمت بانتقال النور إلى السيدة آمنة قالت له: لا حاجة لي بك بعد نور محمد J وإنما كنت أرغب فيه.

ثـم رجـعـت بـاكية حـزينـة علي ما فاتها من أنوار رسول الله J.

يقول الإمام أبو العزائم:

تـقــلـــبَ فـي بطونٍ زاكياتٍ

إلـــى أن شــاءَ مـولانا تعالى

وطَوْرًا في ظُهُورِ الطاهرينَ

فأظْهَرَهُ لنَــــــــــا نورًا مُبِينَا

بشارات الحمل به J:

لما حملت السيدة آمنة برسول الله ظهر لها كثير من خوارق العادات، إرهاصًا لنبوته J:

منها: أنها لم تجد من حمله J ثقلًا، وأتاها آت في المنام فقال لها: إنكِ حملتِ بسيدِ هذهِ الأمةِ ونبيِّها.

وعن الزهري رحمه الله تعالى قال: قالت آمنة: لقد علقت به J فما وجدتُ له مشقةً حتى وضعتُه.

وعنها أنها كانت تقول: ما شعرت – أي ما علمت – بأني حملت به ولا وجدت له ثقلًا كما تجد النساء؛ إلا أني أنكرت رفع حيضتي.

قالت آمنة: وأتاني آت من الملائكة وأنا بين النائمة واليقظانة، – وفي رواية: وأنا بين النائم؛

أي: الشخص النائم، واليقظان – فقال: هل شعرتِ بأنكِ قد حملتِ بسيدِ هذه الأمة ونبيِّها، وفي رواية: بسيد الأنام،- أي: اعلمى ذلك-، وأمهلني، حتى دنت ولادتي أتاني فقال: قولي إذا ولدتِه: أعيذُه بالواحد من شر كل حاسد؛ ثم سميه محمدًا.

وروى الحاكم بإسناد صحيح أن أصحاب رسول الله J قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، فقال: (أنَا دعوةُ أبي إبراهيم، وبُشْرَى أخِي عِيسَى، ورأَتْ أمِّي حينَ حمَلَتْ بي كأنه خرجَ منها نورٌ أضاءَتْ له قُصور بُصْرَى مِن أرضِ الشَّام).

ويقول J في الحديث الذي رواه ابن جرير في مولد البشير النذير: (إنِّي كنتُ بكرَ أمِّي، وأنها حمَلَتْ بي فلم تَجِدْ لي ثقلًا ولا وحمًا كما تجد النِّسَاء، ثم إنَّ أمِّي رأَتْ في المنامِ أنَّ الَّذِي في بطنِها نورٌ، قالت: فجعلتُ أتبع بصري النورَ، والنورُ يسبق بصري؛ حتى أضاءَتْ لي مشارق الأرضِ ومغاربها) [بشائر الأخيار فى مولد المختار للإمام أبى العزائم].

ويتساءل الإمامُ المجدِّد السيد محمد ماضي أبو العزائم عن بشارات الحمل به J فيقول: “وقد بشَّر اللهُ الملائكةَ بآدم وهو هيكلٌ مِن طين، فكيف تكون البشائر بحبيبِ اللهِ ومصطفاه الصادق الأمين؟!…

فتوالت البشرى من عالم عالين، وسرت في ملكوت رب العالمين، ثم توالت تلك البشائر إلى كل كائن في الأرض بآيات جلية، فبشرت به الحيوانات في القفار بعبارات عربية، وكيف لا؟!؛ وهو مراد ذات الله والمخصوص بالسابقية…

ظهرت الآيات في السماوات وفي الأرض لمن درسوا الكتب السماوية، وتوالت الهواتف على الكهان بقرب إشراق شمس خير البرية…

وانتشرت الأفراح في الجنات، وعمت في عالم الملكوت المسرات، حبورًا بحمل آمنة بمن لأجله خُلِقَت الكائنات…

وهطلت السماء بغيث الإغاثة رحمة من الله بمن أضرهم الجدب، وفرحهم سبحانه بفضله بعد الشدة والكرب، وبارك الله لعباده ببركة الحمل به في الزرع؛ حتى كثر الخير ودر الضرع، وصار الخير يتوالى بتوالي أيامه الميمونة، والبركات تفاض بالمسرات مقرونة”.

وكانت تلك السنة التي حملت فيها برسول الله J سنة الفتح والابتهاج، فإن قريشًا كانت قبل ذلك في جدب وضيق عيش عظيم، فاخضرت الأرض، وحملت الأشجار، وأتاهم الرعد والمطر من كل جانب في تلك السنة، وأذن الله تلك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكورًا كرامة لرسول الله J.

وارتجس – أي اضطرب وانشق – إيوان كسرى أنو شروان، وكان مبنيًّا بناء في غاية الإحكام، وسمع لشقه صوت هائل، وسقط منه أربع عشرة شرفة.

وخمدت نار فارس – أي مع إيقاد خدامها لها -، وكتب صاحب فارس لكسرى أن بيوت النار خمدت تلك الليلة ولم تخمد قبل ذلك بألف عام.

وغاضت بحيرة ساوة، – أي غارت بحيث صارت يابسة كأن لم يكن بها شيء من الماء مع شدة اتساعها-, وفاضت بحيرة طبرية وجرى فيها الماء.

لماذا تلك البشائر؟:

يكشف الإمام المجدِّد السيد محمد ماضي أبو العزائم أن كل تلك البشارات التي أشرت إليها وغيرها الكثير التي أظهرها الله تعالى قبل مولده؛ إنما كانت تمهيدًا لمولده وبعثته J، وأنها كانت من دلائل نبوته.

ومما قاله الإمام أبو العزائم في ذلك: “من دلائل نبوته وعلامات رسالته J ما ترادفت به الأخبار عن الرهبان والأحبار وعلماء أهل الكتاب؛ من صفته وصفة أمته، واسمه وعلاماته، وذكر الخاتم الذي كان بين كتفيه J، وما وجد من ذلك في أسفار الموحدين المتقدمين”. “الإسلام دين الله للإمام أبي العزائم”.

وقال الإمام في كتابه “بشائر الأخيار في مولد المختار”: “ثبتت نبوته J قبل أن تشرق شمسه في الآفاق – بمحكم آيات الكتب السماوية – بالبشائر من المنعم الرزاق، وبما أظهره الله تعالى من الكرامات قبل ولادته وبعثته J جليًّا للعيان…

فقد خمدت نار فارس…

وفاضت بحيرة طبرية حتى عمت الأركان، وغاضت بحيرة ساوة…

وتوالت البشائر فنطقت الحيوانات، وتنكست الأوثان…

ورد الله أبرهة بفيله برجم أبابيل فباء بالحرمان…

فهو رحمة الله العامة لجميع الأنام، من لدن بدئه إلى الختام، وقد وصفه الله تعالى بالرءوف الرحيم في صريح الفرقان، وجعله سبحانه فارقًا بين الحق والباطل بما أولاه من القوة والتبيان”.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

لماذا كثر المدعون للنبوة والمهدوية في زماننا؟

إذا كانت القضية تتعلق بالأوهام الدينية، فإن إمام العصر الذي أقامه الله بين الناس هاديًا …