أخبار عاجلة

الأشعري والأشعرية (46)

اعلم أن مذهب السلف في عصرهم كان هو الأفضل والأسلم والأوفق مع الإيمان الفطري المرتكز في كلٍّ من العقل والقلب. ومذهب الخلف في عصرهم أصبح هو المصير الذي لا يمكن التحول عنه، بسبب ما قامت فيه من المذاهب الفكرية والمناقشات العلمية…

د. محمد الإدريسي الحسني

بقية: التأويل عند الأشاعرة

بقية: الضرورة الدافعة إلى التأويل عند

أهم علماء الشريعة الإسلامية من السلف والخلف:

بقية عرض لجانب من أقوال بعضهم بالخصوص:

* قال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي: أما ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهة فقد أجمع السلف والخلف 7 على أنها مصروفة عن ظاهرها لقوله تعالى )قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ( (الإخلاص: 1 – 4)، وقوله سبحانه: )لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ( (الشورى: 11)، ثم اختلفوا في بيان معاني تلك الآيات والأحاديث، فالسلف يفوضون علم معانيها إليه تعالى، فيقولون إن الاستواء في آية: )الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى( (طه: 5) لا يعلمه إلا الله I، مع جزمهم بأنه Y يستحيل عليه الاستقرار على العرش أو اتصاله به أو جلوسه عليه؛ لأنه تعالى إله قديم موصوف باستوائه على العرش قبل خلق العرش؛ لأن القرآن الذي منه هذه الآية موجود قبل إيجاد العرش، فكيف يعقل أنه تعالى استقر على عرش غير موجود؟ ولما خلق الخلق لم يحتج إلى مكان يحل فيه، بل هو غني عنه. فهو تعالى لم يزل بالصفة التي كان عليها. والخلف يقولون فيها: الاستواء معناه الاقتدار والتصرف أو نحو ذلك. ومذهب السلف أسلم… ووجه صحة مذهب الخلف أنهم فسروا الآية بما يدل عليه اللفظ العربي، والقرآن عربي، وحملهم على التفسير المذكور ولم يفوضوا كما فوض السلف وجود المشبهة في زمانهم زاعمين – أي المشبهة – أن ظاهر الآيات يدل على أنه تعالى جسم، ولم يفقهوا أنه مستحيل عليه عز وجل الجسمية والحلول في الأمكنة… فوجب عليهم – يعني الخلف – أن يبينوا للعامة معنى تلك الآيات والأحاديث المتشابهة حسب مدلولات القرآن والأحاديث النبوية بما يصح اتصاف الله تعالى به، ليعرفوا الحق فيعملوا عليه ويتركوا الباطل وأهله؛ فجزاهم الله تعالى خير الجزاء. وقد نقل العلامة زروق عن أبي حامد أنه قال: (لا خلاف في وجوب التأويل عند تعين شبهة لا ترتفع إلا به) “.

* وقال الشيخ عدي ابن مسافر الشامي: “…فلما ظهرت البدع وانتشر في الناس التشبيه والتعطيل فزع أهل الحق إلى التأويل”. وقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباس فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل). رواه الإمام أحمد والطبراني. وفي رواية أخرى: (اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب). رواه ابن ماجه. وهذا الحديث هو وحده لو لم يكن غيره كاف في الدلالة على جواز التأويل. وكان مجاهد يقول: العلماء يعلمون تأويله، أي: تفسيره.  وطريقة التأويل ليست خاصة بالأشاعرة، فقد ورد عن كثير من السلف والحنابلة وأهل الحديث تأويل كثير من النصوص الموهمة للتجسيم والتشبيه. وقد ذكر المصنفون من أهل العلم بالحديث والفقه أن الذي حمل الأشاعرة والماتريدية في تأويل الأسماء والصفات هو التنزيه، وهذا لا يخرجهم عن دائرة أهل السنة والجماعة خاصة وأن معظم فقهاء الإسلام في الفقه والحديث والتفسير والعقيدة أغلبهم من الأشاعرة والماتريدية، وطريقتهم هي الوسط بين الغلو والتطرف والتساهل. وقد قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي البغدادي المتوفي سنة 513 هـ: “هلك الإسلام بين طائفتين: الباطنية والظاهرية، والحق بين المنزلتين وهو أن نأخذ بالظاهر ما لم يصرفنا عنه دليل ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع”. وقال الإمام المجتهد ابن دقيق العيد: “إن كان التأويل من المجاز البين الشايع فالحق سلوكه من غير توقف. أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه، وإن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه مسألة فقهية اجتهادية والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين”. وللإمام أبي حامد الغزالي كتاب سماه (قانون التأويل) وهو يقول فيه عند البحث فيما إذا كان بين المعقول والمنقول تصادم في أول النظر وظاهر الفكر: “والخائضون فيه تحزبوا إلى مفرط بتجريد النظر إلى المنقول، وإلى مفرط بتجريد النظر إلى المعقول وإلى متوسط طمع في الجمع والتلفيق، والمتوسطون انقسموا إلى من جعل المعقول أصلاً والمنقول تابعًا، وإلى من جعل المنقول أصلًا والمعقول تابعًا، وإلى من جعل كل واحد أصلًا” ثم شرح هؤلاء الأصناف الخمسة شرحًا جيدًا لا يستغني عنه باحث. وقد سرد المؤرخ المتكلم الفخر بن المعلم القرشي الشافعي في كتابه (نجم المهتدي ورجم المعتدي) في باب خاص منه نماذج كثيرة من التأويلات المروية عن الصحابة والتابعين وقد اكتظت كتب التفسير بالرواية بما روى عنهم في هذا الصدد. وأما المشبهة فيقولون: نحن لا نؤول بل نحمل آيات الصفات وأخبارها على ظاهرها. وهم في قولهم هذا غير منتبهين إلى أن استعمال اللفظ في الله سبحانه بالمعنى المراد عند استعماله في الخلق تشبيه صريح. ومن الأدلة القاطعة على رد مزاعم الحشوية في دعوى التمسك بالظاهر في اعتقاد الجلوس على العرش خاصة قوله تعالى:  )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ( (البقرة: 186)، وقوله تعالى: )وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ( (ق: 16)، وقوله تعالى: )وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ( (العلق: 19)، وقوله تعالى: )أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ( (فصلت: 54) وقوله تعالى: )وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ(، (الحديد: 4)، وقوله: )وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ( (الأنعام: 3) وقوله: )وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ( (الزخرف: 84)، إلى غير ذلك مما لا يحصى في الكتاب والسنة مما ينافي الجلوس على العرش، وأهل السنة يرونها أدلة على تنزه الله سبحانه عن المكان، فلا يبقى للحشوية الوهابية التيموية، أن يعملوا شيئًا إزاء أمثال تلك النصوص غير محاولة تأويلها مجازفة أو العدول عن القول بالاستقرار المكاني، إذا كانوا ممن يلتزمون بمرجعية الدليل كما يدعون.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (25)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …