الحمد لله رب العالمين دلَّ على ذاته بذاته، وتنزَّه عن مجانسة مخلوقاته، القريب من خطرات الظنون، والبعيد عن لحظات العيون، والعالم بما كان قبل أن يكون. والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد، الذي سعدت الدنيا بطلعته، وأنست بمشهده أرواح عالين وأعلى عليين يوم الصعود والعروج في السماء ذات البروج، يوم العلو والتجلي، يوم أن رأى المتجلي. ورضى الله تبارك وتعالى عن إمامنا ومعلمنا ومربى أرواحنا سماحة مولانا الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبي العزائم، وارض اللهم عن خلفائه الأبرار وأهل بيته الطيبين الأطهار.. آمين يا رب العالمين.
فضيلة الشيخ علي الجميل
بقية: أولاً: من المُكْنَةِ في المحبة
ومما سبق نقول: هل من الممكن أن يحب الله U الحبيب J، ثم يبغض من كان حبيبًا لحبيبه؟
فما دمتم تحبون رسول الله J؛ فاعلموا أن الله U يحبكم، وأنتم على خير كثير، واعلموا أنكم على باب كبير من أبواب الوصول والقبول.
ومن علامات حب الحبيب J: أن تتعلق بكل شيء يحبه الحبيب J، وبكل شيء يتعلق بالحبيب.
وهذا أرجى عندنا من أعمالنا، والدليل على ذلك:
يقول الله U: )قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(.
والمفروض في الأصل أن يقول: (قل كنتم تحبونني فاتبعوني) فالشيء الغريب أنه قال: )قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي(.
كيف تتحقق هنا هذه المناسبة؟
فجعل اتباع النبي J علامة على محبة الله العليا.
ما الشيء الذي فيه رسول الله J من قسم محبته I له؟ ما هي المرتبة التي نالها رسول الله من محبة الله U؟ هذا هو الفرق الذي حصل للنبي J.
وما للأنبياء من محبة الله U وبين قيامه J في مرتبة المحبة
فهو صاحب المرتبة بمعنى المتحكم فيها، وهو صاحب المكنة، هذا هو الفرق بين من له حظ من المحبة ومن هو صاحب المرتبة العليا فيها.
ولكونه J صاحب المرتبة جعل الله I محبتنا له J ارتقاءات ومعارج القبول، وسموًّا في معالم الإيمان.
فإذا تصورنا أن الايمان يزيد وينقص، فإن الإيمان لا يزيد ولا ينقص في نفسك، ولكن يزيد وينقص في المنعوت به والموصوف به، كما قال الله U لـ: )يَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا( (المدثر 31) هذه الزيادة لو تصورنا أن الإيمان يزيد وينقص فينا، يكون إذن من علامات زيادته ونقصانه تكون في المحبة، فالزيادة في كمال المحبة زيادة في السمو في الإيمان، والنقصان في المحبة والعياذ بالله نقصان في الإيمان.
والعلاقة بين محبة الله U لحبيبنا J وبين محبتنا له J أن محبة الله U للحبيب J بصدق التخصيص والعناية، ومحبتنا للحبيب J أيضًا بالعناية الإلهية، وإياك أن تظن أن محبتك للنبي J من كسبك.
عن أنس 0 عن النبي J قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار).
فمسألة الله ورسوله مسألة تكوينية (أن يكون الله ورسوله)، فمحبة الله ورسوله ليست مكتسبة، أي هي من عطاء الله U.
ولما جاء إلى المحبة الثانية (محبة الناس) وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، فهي مكتسبة بدليل قوله J: (وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله).
إذن أن يكون الله ورسوله J هذه عناية من الله U، أن ينشأ المرء يجد نفسه يحب الله ورسوله J، يجد في قلبه محبة الله U ورسوله، من غير عناء، ومن غير جهد، ومن غير مكابدات، ومن غير مجاهدات، وإذا وجدت نفسك مقام في هذا الأمر؛ فهذا دليل العناية الربانية بك.
كما اختار الله U أصحاب النبي J.
وفى كل زمان ومكان فإن الله U اختار أحباب محبوبه J.
اختيروا في الأزل الذين لهم قسط من محبة رسول الله J اختارهم الله U.
فالإنسانُ الذي يجدُ نفسَه مجبولًا ومطبوعًا على محبه الله ورسوله J فليطمئن وليستبشر وليفرح، كما قال الله U: )قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ( (يونس: 58)، فإنك إذا أحببته كنت محبوبًا عند الله U، من باب حبيب الحبيب حبيب، فالحق I لا يبغض حبيبًا لحبيبه J، إنما يبغض من يوالي أعداءه J، أو من يحب أعداءه J، الله يبغضهم، أولئك ملعونون في الدنيا والآخرة.