المؤمن الذى سمع رسول الله يخبر عن الله فصدقه لا يحتاج بعد إلى دليل ولا برهان؛ حتى لو كشف الحجاب لرأى صورة ما علم، ولا يحتاج فى الدنيا لكشف حجاب، وعند أهل اليقين أن الإيمان بالغيب أقوى من الإيمان بالشهادة…
فضيلة الشيخ علي الجميل
بقية: الآية التاسعة:
من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
)وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ( (الأنعام: 48).
أما كونهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون عند الموت، فإن المسلم عند الموت تصول عليه صولة الموت من لقاء الله، والهمّ والحزن على أولاده وأقاربه، فيشتغل عن الاستعداد للقاء الله، فيرسل الله له ملكًا يقول له: أَى عَبدَ اللهِ مَا أَخَافَكَ؟ فيقول: ذُنُوبِى، فيقول: أُبَشِّرُكَ أَنَّ الله غَفَرَ لَكَ ذُنُوبَكَ وَأَعَدَّ لَكَ النَّعِيمَ. فيذهب خوفه ويبدل بأمن وطمأنينة، ثم يقول له: مَا يُحزِنُكَ يَا عَبدَ اللهِ؟ فيقول: مَن وَرَائِي مِن أَولَادِي وَأهلِي وَأقَارِبِي، فيقول له: أُبَشِّرُكَ أَنَّ الله أقَامَ نَفسَهُ وَكِيلًا عَنكَ عَلَيهِم. فيزول حزنه، وتتوالى عليه البشائر والمسرات والأفراح.
وأما فى البرزخ فإن الملكين إذا سألاه – وجاء إبليس يوسوس إليه ليفتنه – أيده الله وثبته وأنطق لسانه بالتوحيد الخالص وهى فاتحة البشرى فى الآخرة، وما فى يوم القيامة حيث يكون المحشر والهول الأكبر فإن الله يتفضل على أهل الإيمان به بنجائب من النور تلقاهم عند قيامهم من القبور، فتحملهم إلى الفردوس الأعلى، وهى بشرى من الله يوم القيامة لأوليائه، وتكون البشرى العظمى يوم لقاء الله تعالى حيث ينادى أولياءه فيزيدهم بأن يمنحهم رضوانه الأكبر الذى لا سخط بعده، وصدق الله العظيم، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ومعنى ما ورد فى موضع آخر: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِى الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ﴾ (يونس: 64).
Pوَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَO بالجنان والنيران للمؤمنين والكفار ولن نرسلهم ليقترح عليهم الآيات بعد وضوح أمرهم بالبراهين القاطعة والأدلة الساطعة )فمن آمن وَأَصْلَحَ( أي داوم على إيمانه )فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(.
الآية العاشرة:
من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
)يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ( (الأعراف: 35).
«يا بني آدم إمَّا» فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة «يأتينكم رسل منكم يقصُّون عليكم آياتي فمن اتقى» الشرك «وأصلح» عمله «فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» في الآخرة.
يا بني آدم إذا جاءكم رسلي من أقوامكم، يتلون عليكم آيات كتابي، ويبينون لكم البراهين على صدق ما جاؤوكم به فأطيعوهم، فإنه من اتقى سخطي وأصلح عمله فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله تعالى، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
وجاء في كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ فرائضي وأحكامي ﴿فَمَنِ اتَّقَى﴾ اتَّقاني وخافني ﴿وَأَصْلَحَ﴾ ما بيني وبينه ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ إذا خاف الخلق في القيامة ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ إذا حزنوا.
وجاء في كتاب تفسير البغوي “معالم التنزيل”: قَوْلُهُ تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾، أي: إن يأتكم. قِيلَ: أَرَادَ جَمِيعَ الرُّسُلِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: يَا بَنِي آدَمَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَبِالرُّسُلِ مُحَمَّدًا J وَحْدَهُ، ﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي﴾، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، ﴿فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ﴾، أَيْ: اتَّقَى الشِّرْكَ وَأَصْلَحَ عَمَلَهُ. وَقِيلَ: أَخْلَصَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾، إِذَا خَافَ النَّاسُ، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، أَيْ: إِذَا حَزِنُوا.