الإمام مطوىٌّ سره، مجهولٌ مقامه، خفىٌّ حاله، وغاية ما يعرف منه أنه الفرد الوارث لأسرار النبوة وعلوم الرسالة، العالم الربانى، والإنسان الروحانى الراسخ فى العلم. ولا يظهر سره ولا حاله إلا لأهل الصفوة الذين جعل الله لهم نورًا..
الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم
فى مراتب الرجال، والجمع والفناء، والنظام الداخلى للسالكين
الرجال خمسة([1])
إمام – فبدل – فنجيب – فنقيب – فوتد
أولاً: الإمام
الإمام مطوىٌّ سره، مجهولٌ مقامه، خفىٌّ حاله، وغاية ما يعرف منه أنه الفرد الوارث لأسرار النبوة وعلوم الرسالة، العالم الربانى، والإنسان الروحانى الراسخ فى العلم. ولا يظهر سره ولا حاله إلا لأهل الصفوة الذين جعل الله لهم نورًا، وقد أشرت إلى صفاته الظاهرة فى (المكنون).
والسعيد من وفقه الله لمعرفته، وتلقى علومه عنه، ولا يخلو زمان من قائم لله بحجة إما ظاهرًا مشهورًا أو باطنًا مغمورًا؛ حتى لا تبطل حجج الله وبيناته.
والإمام هو الذى وهبه الله الحكمة، والفقه فى دينه، ولسان العبارة، وهو الحجة لله، والنجم الذى يهتدى به المؤمنون.
ثانيًا: البدل
البدل إما أن يكون خزانة علم الأحكام الشرعية، وهو أعلم أهل عصره بأحكام الشريعة، الذى يرجع إليه العلماء، فيكون بدلًا من أبدال الأئمة. أو خزانة علم بالله وبأيام الله، وبأمراض النفوس وتزكيتها، وهو أعلم زمانه بطريق الله، وسير السلف الصالح وأحوال أهل اليقين، ويكون مرجع السالكين، ويسمى: البدل الروحانى؛ لأنه يطهر النفوس من رعونتها ولقسها، ويعين على المحافظة على الواجبات والنوافل.
والبدل صورة الإمام المرشد، أعماله التأثير على الإخوان بالأعمال الموافقة للشرع، وأحواله التى تعلو بها همم النفوس عن الميل إلى الفانيات، بالمسارعة إلى ما به نيل السعادة الباقية، والعبارات المشوقة للنفوس إلى محبة الله تعالى، والرغبة فى الخير الحقيقى الأبدى، والفرار مما يوجب غضبه. فعمله إصلاح الناس والصلح بينهم، وتأليف النافرين والكافرين لتميل قلوبهم إلى الحق فيتبعوا سبيله، وهو صاحب وقت، والإمام صاحب نَفَس، والنجيب صاحب حال، والنقيب صاحب عمل، والوتد مأمور – كل هذا فى دائرة التصريف.
أما فى دائرة التعريف فالوتد بعد بدل الرسل مباشرة؛ لأنه متمكن فى مقامه، متلون فى حاله. وقد يقوم النجيب مقام البدل، إذا أنس من نفسه نجاح العمل فى الصلح والإصلاح وإلَّا لزم رتبته، وحافظ على الإخوان من التفرقة، فإن حصل خلاف لا يزيله إلا البدل؛ سعى بين الإخوان بما يوجب الصفاء والألفة.
ثالثًا: النجيب
من المقرر أنه لا بد أن يكون لكل جماعة في بلد أو قرية أو مدينة أخ مقدم عليهم يلاحظ أن يكون:
1- عالمًا بالسنة حتى يردهم إليها إن سهوا أو خالفوا.
2- عالمًا بأسرار الطريق ليبين لهم مقامات السير والسلوك، وطرق تزكية النفوس وحقيقة الآداب، وهم الأصلان العظيمان اللذان بهما يقدم الأخ، فإن جمَّله الله بعدهما بشرف النسب وبالوسعة في الرزق وبالجاه بين الخلق فهو النجيب، وله أخ متصف بتلك الصفات – إلا أنه أقل منه فيها- يسمى النقيب.
وقد يقوم النجيب مقام البدل إذا أنس من نفسه نجاح العمل في الصلح والإصلاح، وإلَّا لزم رتبته، وحافظ على الإخوان من التفرقة إن حصل خلاف لا يزيله إلا البدل، وسعى بين الإخوان بما يوجب الصفاء والألفة.
رابعًا: النقيب
أعمال النقيب خدمة النجيب والإخوان ولوازمهم وقت المذاكرة والأذكار والرواتب وإعداد ما يلزم لذلك، وينوب عن النجيب عند غيابه، ويلزم أن يكون النقيب حسن الأخلاق هيّنًا ليّنًا، جميل المجالسة، بشوش الوجه، حسن الإجابة؛ حتى يألفه الإخوان، ويكون متحملًا جفوتهم وشديد عباراتهم، يحسن إلى مسيئهم، ويلين عند قسوتهم، ويقدمهم على نفسه خصوصًا عند الاجتماع لطعام أو فاكهة. فإن النقيب هو الباب للمستجدين، وبقدر جمال أخلاقه يكون تهذيب نفوسهم وتربيتها، إلا أنه لا يغفل عن تنبيههم بلطف ورقة إلى ترك ما يشين، وعمل ما يزين.
والنقيب يلزم أن يكون محبًّا لإخوانه جميعًا كمحبته لنفسه، وأن يكون زاهدًا، فإذا قدم أحد إخوانه له هدية أو تحفة مما يأكله الواحد أو ينتفع به الواحد انتفع به، وإلا قدمه لمصلحة الإخوان، بأن يضعه فى الزاوية أو فى بيت النجيب أو البدل، إذا كان محلًّا جامعًا للإخوان، أو قسمه بين إخوانه إن كان مما يستعمل فى الحال، ملاحظًا فى ذلك مراقبة الله تعالى فى الغيب والشهود، وحبًّا فى إدخال السرور على إخوانه، ولتطمئن قلوب الإخوان العاكفين على طاعة الله، الذين تركوا الأسباب توكلًا على مسبب الأسباب.
وللنقيب رواتب من الصلوات الليلية والنهارية، والأذكار اللسانية والقلبية، وقراءة القرآن، أكثر من رواتب الإخوان، يوظفها عليه الشيخ، أو يلازمها هو وجدًا.
خامسًا: الوتد
هو الأخ الذي بلغ من درجة التهذيب والحب إلى أن رأى نفسه أقل من جميع إخوانه، فصغرت نفسه فى عينه؛ حتى صار يتولى الأعمال المحتقرة كخدمة النعال، ونقل الماء للإخوان، وحمل الطعام لهم، وخدمتهم فى الأكل والشرب، والوضوء، والكنس والرش، وإرساله بين الإخوان لقضاء المصالح، ولإعلانهم بما يلزم. ولا يكون وتدًا حقيقيًّا إلا إذا استوى فى عينه الشريف والغنى من الإخوان، والفقير الدنىء والجاهل منهم، وقضاء مصلحة الجميع، فإنه قد يتكمل فى مقامه هذا وهو وتد إلى أن يجمل بحلل الأبدال؛ لأنه يستمد من كل أخ من الإخوان بمدد خاص، فيكون مُمَدًّا من الجميع.
والأقطاب أصلهم أوتاد، والوتد لا يشعر بوجوده لصغره فى عينه، ولا تسمع منه فى ليله ونهاره بعد قضاء رواتبه إلا لبيك لبيك لمن طلبه، وقد يبلغ درجة يكون له فيها الجاه العظيم عند الله، وعندها يسأله الناس أن يدعو لهم؛ فيجيب الله دعاءه.
النظام الداخلى للسالكين
تقدم فى هذا الدستور آداب السالكين والواصلين والمتمكنين، ودواء وشفاء ما يلم بأنفسهم من الطبع أو النفس أو الحظ أو الهوى، أو وساوس الوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس من الجِنَّة والناس، وهنا أخاطب الإخوان جميعًا:
الأدب الأول:
تعلمون إخوانى – أيدنا الله وإياكم بروح منه – أن العصمة لرسول الله J، وأن المؤمن بأخيه المؤمن أَوْلَى، وإننا على يقين من أن كل واحد منا إذا مرض منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، فينتهك الجسد متألمًا لمرض العضو؛ حتى تعود له الصحة، ومرض الأبدان ناتج من عدم رعاية الصحة، وكذلك مرض النفوس والعقول ناتج من مخالفة الشريعة، ولا يكون ذلك إلا من وسوسة شيطان الجن أو الإنس. فالإخوان إذا رأوا أخًا خالف أدبًا من آداب الطريق بأن تساهل فى الرواتب، أو أنكر على أخ، أو بخل بعافيته أو ماله فى عمل القربات، نعتقد أن ذلك من الشيطان فنجتهد جميعًا أن نقتل هذا الشيطان بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: )وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحَسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ( (فصلت: 34).
الأدب الثانى:
يلزم عند قتل شيطان الأخ أن نترك الكلام لنائب الطريق، أو لمن يقوم مقامه من الخلفاء والنقباء عند غيابه، إلا أن يأذن لواحد من الإخوان لثقته بحسن أسلوبه، ولكن الواجب على الإخوان أن يتجملوا أمام الأخ المريض بما يشرح صدره.
الأدب الثالث:
إذا شفا الله الأخ مما ألمَّ به من وسوسة شيطان الجن أو الإنس، وجب على النائب أو من يقوم مقامه أن يكلفه بصيام أيام لا تتجاوز ثلاثة أيام، أو بخدمة الزاوية أيامًا كذلك، أو يلقّنه التوبة بصيغتها المعلومة، والأَوْلَى أن يكون بهذا اللفظ: (اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِى وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنَعْمَتِكَ عَلىَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِى فَاغْفِرْ لِى فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ)([ii]).
الأدب الرابع:
إذا قوى شيطان الأخ عليه فلم تؤثر فيه تلك الآداب، فالواجب هجره فى الزاوية، وغض النظر عنه أيامًا من غير أن يُعَرِّضَ به أحد من الإخوان، ولا يتكلم معه إلا لضرورة فادحة إهمالًا له بنية قتل شيطانه، وإعادة الصحة الروحانية إليه.
الأدب الخامس:
إذا لم تَعُدْ له الصحة الروحانية كما كانت، فالواجب على نائب الطريق أن يخلو به ويعظه موعظة حاسمة من نوع هذا الأسلوب؛ لأن السالكين إنما اجتمعوا فى الزاوية ليمثلوا ما كان عليه الصحابة والتابعون، عملًا بقوله J فى الحديث القدسى عن الله تعالى، يقول سبحانه: (الْمُتَحَابُّونَ فِىَّ، وَالْمُتَزَاوِرُونَ فِىَّ، وَالْمُتَجَالِسُونَ فِىَّ، وَالمُتَبَاذِلُونَ فِىَّ، عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ اْلِقِيَامَةِ قُدَّامَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، يَغْبِطُهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ لِقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ)([iii]) الحديث.
وإنى أحب أن نستعيذ بالله من فتح باب الخلاف بين المتحابين فى الله، وما أشبه ذلك، فإن أكرمه الله وَقَبِلَ كلَّفه بما يقيم الحجة على صفائه وقبوله، وإن أبى تلطف معه وطلب منه أن يمتنع عن الزاوية سبعة أيام، فإن أراد الله به الخير أرجعه محفوظًا من الشيطان، أو حفظ الله الإخوان منه، إلا أنى أحب من الإخوان أن يبدءوه بالسلام، وإذا تكلم معهم أن يتلطفوا فى الإجابة نجاة لأخيهم.
قال t فى مقام المجاهدة
فجر يوم الثلاثاء 7 1 سنة 1352ﻫ بمصر
جَاهِدْ نُفُوسًا فِيكَ بِالشَّـــرْعِ الأَمِينْ
وَاحْذَرْ قُوَى الشَّيْطَانِ فِى الْقَلْبِ كَمِينْ
غِلٌّ وَكَيْدٌ مِنْ حَسُــــــودٍ مَاكِرٍ
ظُلْمُ الْعِبَادِ بِنِيَّةٍ فِى كُلِّ حِـــــينْ
هَذَا اللَّعِينُ بِهِ الْهَــــــلَاكُ فَخَلِّهِ
أَسْرِعْ إِلَى الْقُرْآنِ فِى الرُّكْـنِ الْمَكِينْ
وَالنَّفْسُ شَهْوَةُ مَطْعَمٍ أَوْ مَشْـــرَبٍ
أَوْ مَلْبَسٍ فَاحْذَرْ بِهَا الدَّاءَ الدَّفِـــينْ
إِلَّا الضَّرُورَةَ فَالإِبَاحَةُ إِنْ دَعَـــتْ
فِيهَا الضَّرُورَةُ فَاطْلُبَنْهَا مِنْ مُعِــينْ
وَالنَّفْسُ إِنْ تَدْعُو مِسَاسًا فَاحْـــذَرَنْ
إِلَّا الحَلَالَ فَإِنَّهُ الْمَاءُ المَعِـــــينْ
جُعْ أَضْعِفَنْهَا وَاحْـــذَرَنْ مِنْ غَيِّهَا
غُضَّ الْعُيُونَ وَحَاذِرَنْ فَتْكَ الكَمِــينْ
وَالنَّفْسُ دَاعِيَةُ الرِّيَاسَـــةِ فَاحْذَرَنْ
فِرْعَوْنَهَا تَنْجُو مِنَ الدَّاءِ الدَّفِـــينْ
وَادْخُلْ حُصُونَ الشَّرْعِ قَلْبًا قَالَـــبًا
تَحْيَا سَعِيدًا فِى شُهُودِ المُتَّقِــــينْ
تِلْكَ النُّفُوسُ قَوِيَّةٌ فِى فِعْــــــلِهَا
قَدْ تَحْجُبُ الأَفْرَادَ كَمْ أَرْدَتْ سَــجِينْ
الشَّرْعُ عِصْمَةُ سَالِكٍ يَهْــــدِى إِلَى
دَارِ الصَّفَا رِضْوَانِ رَبِّ الْعَالَمِـــينْ
فِى الشَّيْبِ جَاهِدْ كَالشَّبَابِ وَحَافِــظَنْ
فَالنَّفْسُ شَيْطَانٌ يُبِيدُ السَّـــــالِكِينْ
وَالْجَأْ إِلَى مَوْلَاكَ مُعْتَصِـــــمًا بِهِ
مُسْتَشْفِعًا بِالأَنْبِيَا وَالْمُرْسَـــــلِينْ
مَوْلَاىَ إِنَّى عَاجِزٌ عَنْ كَبْـــــحِهَا
هَبْ لِى اعْتِصَامًا مِنْكَ فِى الشَّرْعِ الأَمِينْ
هَبْ لِى اتَّبَاعَ مُحَمَّدٍ وَاجْــــذِبْ إِلَى
رَوْضِ الشُّهُودِ الْعَبْدَ بِالْعَزْمِ الْمَـــكِينْ
وَاقْبَلْ مَتَابَ الْعَبْدِ وَامْنَحْـــنِى الرِّضَا
وَالفَضْلَ وَالغُفْرَانَ بِالْحَقِّ الْمُــــبِينْ
مَوْلَاىَ فِى شَيْخُوخَتِى هَبْ لِى الْعَــطَا
حُبًّا وَإِحْسَانًا وَحَالَ الْمُحْسِـــــنِينْ
وَاعْصِمْ عُبَيْدَكَ مِنْ نُفُوسٍ مِنْ هَــوًى
مِنْ شَرِّ أَشْرَارِ مِنَ الْخِبِّ اللَّعِــــينْ
هَبْ لِى وَلِلأَوْلَادِ وَاسِعَ نِعْمَــــةٍ
خَيْرًا شِفَا أَسْرَارِ أَنْوَارِ الْيَقِــــينْ
حَتَّى أَكُونَ مُجَمَّلًا بِالشَّــــرْعِ فِى
حِفْظِ الْوَلِىِّ وَرَحْمَةِ البَرِّ المُعِـــينْ
عَمِّرْ إِلَهِى الْقَلْبَ بِالنُّــــورِ الَّذِى
يَهْدِى النُّفُوسَ إِلَى رِيَاضِ الْمُسْـلِمِينْ
بِالْمُصْطَفَى سِرِّ الوُجُودِ وَسِـــيلَتِى
وَبِآلِهِ الأَفْرَادِ خَـــــيْرِ الْمُوقِنِينْ
يَسِّرْ إِلَهِى الأَمْرَ صَدْرِى فَاشْـرَحَنْ
وَفِّ الدُّيُونَ وَهَبْ لَنَا النُّورَ الْمُـبِينْ
فَرِّحْ عُبَيْدَكَ وَالأَحِبَّةَ أَغْـــــنِنَا
بِالْفَضْلِ وَالْحُسْنَى فَقَدْ طَالَ الْحَـنِينْ
أَنْتَ السَّرِيعُ الْمُحْسِنُ الْمُعْـطِى الَّذِى
أَبْدَعْتَ كُلَّ الْخَلْقِ مِنْ مَاءٍ مَهــِينْ
خُذْهَا بِسَبْعٍ مُحْرِمٍ قَدْ صُغْــــتَهَا
فِى الْفَجْرِ تَهْدِينَا لِرَبِّ الْعَالَمـــِينْ
قال t فى مقام التوبة
أَتُوبُ لأَنِّى مِنْ هَـــوَاءٍ وَمِنْ نَّارِ
مِنَ الْمَاءِ بَدْءًا طِينـــــَةِ الْفَخَّارِ
وَتِلْكَ الْعَنَاصِرُ تَقْتَضِى الظُلْمَ وَالْجَفَا
وَسُوءُ المَقاصِدِ شِيمَةُ الْغَــــدَّارِ
أتُوبُ لأَنَّ الطَّبْعَ وَالنَّفْسَ وَالْهَــوَى
تُفَارِقُ أَهْلَ الصَّفْوَةِ الأَخْـــــيَارِ
يُوَفِّقُنِى رَبِّى أَتُوبُ مُجَاهِـــــدًا
وَأَمَّارَتِى بِالسُّوءِ تَنْأَى إِلَى الْعَـــارِ
وَهَا أَنَا خَطَّاءٌ أَعِنِّى بَرَحـــــمَةٍ
أَيَا رَبِّ وَامْنَحْنِى صَفَا الأَسْـــرَارِ
أَقِمْنِى مَحْبُوبًا لِذَاتِكَ عَامِـــــلًا
بِمَا أَنْتَ تَرْضَاهُ اغْفِــرَنْ أَوْزَارِى
وَبِالرُّوحِ أَيِّدْنِى وَبِالنُّـــورِ فَاهْدِنِى
إِلَيْكَ وَوَاجِهْنِى بِرِفْعَةِ مِقْـــدَارِى
عَجَزْتُ عَنِ التَّدْبِيرِ عَنْ دَفْـعِ كُلِّ مَا
يَلُمُّ مِنَ الشَّيْطَانِ وَالأَشْـــــرَارِ
فَدَبِّرْ إِلَهِى عَاجِزًا بِعِــــــنَايَةٍ
أَنِلْنِى الرِّضَا وَالفَضْلَ بِالمِـــدْرَارِ
وَطهَّرْ جَمِيعَ جَوَارِحِى أقْبِلَــنْ بِهَا
عَلَيْكَ بِحِصْنِ الأَمْنِ فِى إِيـــثَارِ
لأُمْنَحَ خَيْرَ الْحَضْرَتَيْنِ مُسَــارِعًا
إِلَى الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ مِنْ سَـــتَّارِ
أَيَا رَبِّ إِنِّى بَعْدَ عَجْزِى وَفَاقَــتِى
إِلَيْكَ الْتِجَائِى فِى غُدُوِّى وَإِسْـحَارِى
فَقِيرٌ كَثِيرٌ أُسْرَتِى وَسِّعِ الْعَـــطَا
تَوَسَّلْتُ بِالْمُخْتَارِ وَالأَنْــــصَارِ
وَبِاْلآلِ وَالأَصْحَابِ وَالتَّابِعِـينَ مَنْ
لَقَدْ وَضَّحُوا الْمِنْهَاجَ لِلأَبْــــرَارِ
وَمَنْ تَابَعُوهُمْ مِنْ كِرَامٍ أَئِــــمَّةٍ
وَكُلِّ فَتًى سَاعٍ إِلَى رَبِّهِ سَــــارِ
أَعِنِّى عَلَى إِحْيَاءِ شَرْعِ مُحَـــمَّدٍ
بِإِحْيَاءِ سُنَّتِهِ وَنَشْرِ مَنَــــــارِ
وَجَمِّلْ إِلَهِى ظَاهِرِى بِاتِّبَاعِــــهِ
وَقَلْبِى فَعَمِّرْهُ بِنُورِ الْبَـــــارِى
أَيَا رَبِّ وَاجْذِبْنِى إِلَيْكَ مُجَمَّـــلًا
بِصِدْقٍ إِلَى اللهِ الْقَرِيبِ فِـــرَارِى
أَيَا رَبِّ وَاجْعَلْنِى بِعِلْمِى عَامِـــلًا
وَعَلِّمْنِى التَّوْحِيدَ كَشْفاً بِإِسْفَــــارِ
وَسَخِّرْ لِى كُلَّ الْعَوَالِمِ مِـــــــنَّةً
تَمُنَّ بِهَا لِلْعَاجِزِ الْمُحْــــــــتَارِ
أَيَا رَبِّ آنِسْنِى بِوَجْهِكَ مُشْـــــرِقًا
لِرُوحِى فِى لَيْلِى وَطُولِ نَهَــــارِى
أَيَا رَبِّ وَانْفَعْنِى بِفَضْلِكَ وَانْفَعَــــنْ
بِعَبْدِكَ عِلْمًا أُمَّةَ الْمُخْــــــــتَارِ
أَمِتْنِى عَلَى الإِسْلَامِ فِى الْفَضْلِ وَالرِّضَا
وَمَقْعَدَ صِدْقٍ فَاجْعَلَنْهُ قَـــــرَارِى
وَسِيلَتِى الْقُرْآنُ وَالْمُصْطَـــفَى الَّذِى
أَتَى لِلْهُدَى وَالنُّـــــورِ عُقْبَى الدَّارِ
منظومة السير والسلوك وضوابطها
خلوة ليلة الأربعاء 6 2 سنة 1352ﻫ بالذهبية
السَّيْرُ سَيْرُ السَّـــــــالِكِ الأَوَّابِ
فَوْقَ الصِّرَاطِ بِصِــــــحَّةِ الآدَابِ
فِى الرَّوْضِ حِصْنِ الشَّرْعِ يَسْلُكُ نَاظِرًا
لِلْحَقِّ لَا لِظَوَاهِرِ الأَسْـــــــبَابِ
حَتَّى يُشَاهِدَ مَشْهَدَ التَّوْحِـــــيدِ فِى
عَيْنِ الْيَقِينِ بِصُحْبَةِ الأَحْــــــبَابِ
بَدْءُ الطَّرِيقِ رِعَايَةٌ لِلْغَـــــيْبِ فِى
حَلٍّ وَتَرْحَالٍ حُــــــضُورِ غِيَابِ
يُسْقَى مُدَامَةَ غَـــــيْبِ قُرْآنِ الْهُدَى
يُعْطَى الْوَلَايَةَ بَعْدَ رَشْــــفِ شَرَابِ
يَفْنَى فَيَشْهَدُ آيَهُ فِى خَلْـــــــقِهِ
فَيَرَى جَمَالَ الْوَجْهِ فِى الْمِحْــــرَابِ
مِنْ بَعْدِ ذَاكَ يُرَاقِبُ الْغَــــيْبَ الْعَلِى
بِالنَّفْسِ وَالأَعْــــــضَاءِ وَالأَلْبَابِ
وَتَجَرُّدٍ مِنْ فِطْـــــــرَةٍ مِنْ فِتْنَةٍ
مِنْ غَفْوَةٍ سَهْوٍ وَظِــــــلِّ حِجَابِ
إِنَّ الطَّرِيقَ مَرَاحِلٌ هِىَ شَهْـــــوَةٌ
حَظٌّ وَآمَالٌ بِنَــــــــصِّ كِتَابِ
فَوْقَ الرَّوَاحِلِ هِــــــمَّةٌ عِلْمٌ بِهِ
يَنْجُو مِنَ الشَّيْطَانِ مِنْ مُــــرْتَابِ
صَبْرٌ وَإِقْبَالٌ بِصِدْقِ عَزِيـــــمَةٍ
إِحْيَاءُ لَيْلٍ فَوْقَ سَـــــطْحِ تُرَابِ
تَفْرِيدُ رَبِّكَ بِالْعِبَادَةِ مُخْلِـــــصًا
تَرْجُوهُ غُفْرَانًا وَخَيْــــــرَ مَآبِ
وَالصَّمْتُ مِعْرَاجٌ وَجُوعُكَ طُــهْرَةٌ
وَالصَّمْتُ رَفْرَفُ حَضْرَةِ التَّــوَّابِ
وَالذِّكْرُ مَنْشُورُ الْوَلَايَةِ حُجـــــَّةٌ
وَالْخَوْفُ حِصْنُ الأَمْنِ خَيْرُ جَــوَابِ
أَمَّا الرَّجَا فَهُوَ المِزَاجُ لِوَاصِــــلٍ
فَامْزِجْهُمَا تَرْقَى إِلَى الأَصْـــحَابِ
هَذَا الطَّرِيقُ بِهِ الْوُصُــــولُ لِرَبِّنَا
وَالْقَلْبَ طَهِّرْهُ مِنَ الأَسْـــــبَابِ
اشْهَدْ يَدَ الْمُعْطِى تَفُــــزْ بِالاِجْتِبَا
تُعْطَى مَقَامَ الْحُبِّ فِى التِّـــرْحَابِ
عَمِّرْ بِذِكْرِ اللهِ قَلْبَكَ تَشْهَـــــدَنْ
نُورَ الْوَلِىِّ تَرَى ضِــــيَا الْوَهَّابِ
ادْخُلْ حُصُونَ الشَّرْعِ مُعْتَصِــمًا بِهَا
أَعْضَاءَكَ احْفَـــــظْهَا مَعَ الآدَابِ
لاَ تَصْطَفِى إِلَّا الْحَبِيبَ مُحَــــمَّدًا
تَابِعْهُ تُعْطَى ثَمَّ خَــــــيْرَ مَتَابِ
بِالاِتِّبَاعِ يُحِـــــــبُّكَ اللهُ العَلِى
وَتَفُوزُ بِالحُسْـــــنَى بِنَصِّ كِتَابِ
===========================================
(1) راجع كتاب (مذكرة المرشدين والمسترشدين) للإمام أبى العزائم t.
([ii]) جاء فى كنز العمال 1/477 حديث 2082، 1/478 حديث 2087، 1/483 حديث 2110، 2/140 حديث 3501، 2/166 حديث 3596، 2/167 حديث 3598، وفى المسند الجامع للنورى 6/473 حديث 1894، 17/3 حديث 5178، 17/5 حديث 5179، كما جاء فى إحياء علوم الدين للغزالى 2/119، 2/121، وفى تخريج أحاديث الإحياء 3/50 حديث 1050، وفى أسنى المطالب للحوت 1/161 حديث 763، وأيضًا فى كشف الخفا للعجلونى 1/463 حديث 1516، وفى الأدب المفرد بالتعليقات للبخارى 1/147 حديث 617، 1/148 حديث 620، وفى سنن الترمذى 5/467 حديث 3393، والسنن الكبرى 6/8 حديث 9847، 6/121 حديث 10300، 6/149 حديث 10415، 6/150 حديث 10416، 10417، 4/465 حديث 7963، 6/9 حديث 9848، وسنن النسائى (المجتبى) 8/279 حديث 5522، وفى صحيح البخارى 5/2330 حديث 5964، 5/2323 حديث 5947، وسنن ابن ماجة 2/1274 حديث 3872، والمعجم الأوسط 1/302 حديث 1014، والمستدرك على الصحيحين 2/497 حديث 3707، وفى مسند أحمد 4/122 حديث 17152، 4/124 حديث 17171، 5/356 حديث 23063، وصحيح ابن حبان 3/213 حديث 933، ومصنف ابن أبى شيبة 6/56 حديث 29440، وسنن أبى داود 4/317 حديث 5070.
(4) رواه ابن حبان فى صحيحه، أخرجه الحافظ الدمياطى فى المتجر الرابح حديث 1683 ص 796، وقال: أخرجه الترمذى فى صحيحه 4/597، كتاب الزهد، باب ما جاء فى الحب فى الله، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن حبان فى صحيحه (الإحسان) 1/392.
بارك الله فيك نحن بحق في امس الحاجة لمثل هذا المقال اللهم انا نسألك الوحدة والاتحاد اللهم جمع شملنا ولا تفرقنا