التهويد هو عملية نزع الطابع الإسلامي والمسيحي عن القدس وفرض الطابع الذي يسمى “يهوديًّا” عليها. وتهويد القدس جزء من عملية تهويد فلسطين ككل…
د. خالد عزب
تحديات الحداثة قبل العصر الرقمي وهيمنته كانت تمثل شيئًا هينًا أمام القادم من الفضاء الرقمي، الذي بات يهدد الدول حتى في سيطرتها على مواطنيها، لنرى صعودًا وإن كان خافتًا للمواطن الرقمي الذي يمكن أن نرى الأمم المتحدة تعترف بحقوق له، ترضخ لها الدول، لذا فإن الدول التي لا تقيم وزنًا في الحق الثقافي والأمن الثقافي سنرى أنه تم استلاب مواطنيها، هنا نحن على المحك فسياسات الماضي الثقافية والتراثية لم تعد صالحه للمستقبل، لنراجع هذا عبر عدد من المحددات.
رأس المال الثقافي
برز في السنوات الأخيرة مصطلح رأس المال الثقافي وهو مفهوم يتكون من عنصرين هما: رأس المال (هو هنا رمزي يعبر عن القيمة) والثقافة، ويشمل ما يلي تحت مظلته: البراعة اللفظية، الإدراك الثقافي العام، والتفضيلات الجمالية، المعرفة العلمية، الموروثات الشعبية الشفهية، الموروثات التقنية، الموروثات المادية، المهارات الإبداعية، وهي حصيلة تتكون لدى الفرد والمجتمع من خلال الأسرة والدراسة والمجتمع.
هذا ما يجعل المجتمعات متمايزة، والأفراد لديهم قدرات متفاوتة طبقًا لما اكتسبوه وتطبعوا به عبر الأسرة والتعليم والمجتمع، وهذا ما يفرق بين قدرات مجتمع عن مجتمع آخر، فمنظومات القيم والسلوك تشكل بعدًا حافظًا لتماسك المجتمع وقدراته على الصمود أمام الصعاب، هذا ما جرى هدمه في مصر وعدد من الدول العربية خلال العقود الأخيرة، وما يجب العمل على إحيائه خلال العقود التالية، فثقافة الفهلوة والثراء مثلًا صارت سائدة، وأن الشخص سليط اللسان لفظيًّا مثل قدم عبر السينما المصرية (أفلام المقاولات بدءًا من السبعينيات)؛ حتى غزا هذا المسلسلات، لتتصاعد الفردانية داخل الأسرة المصرية، فينعزل أفراد الأسرة بعضهم عن بعض؛ حتى داخل المنزل، وتفقد الأسرة قيمتها؛ حتى تتصاعد حالات الطلاق، لنرى الأم المعيلة كظاهرة تحتاج لعلاج، في حين أن عزوف قطاعات من الشباب عن الزواج هو إعلان تصاعد النزعة الفردانية وهو ما يهدد النمو السكاني لمصر وعدد من الدول العربية مع تصاعد نزعة الهجرة خارج مصر، وهو ما يعكس فقدان الأمل في المستقبل في الوطن، هذا التغير في المفاهيم والثقافة عكس ما كان سائدًا إلى التسعينيات من القرن العشرين حين كان الشخص يسافر لسنوات لتأمين مال يؤمن له العيش المعقول، وكان المصريون يحلفون بالغربة (وحياة غربتي) باعتبارها أمرًا صعبًا؛ حتى غنت شادية لحبيبها تتمنى له رحلة يعود بعدها لمحبوبته (خايفة لما تسافر على البلد البعيد)، ولتغني نجاة أغنية فرح لعودة الحبيب (حمد الله على السلامة) الآن أغاني المهرجانات تعكس واقعًا به مظالم لا حصر بها بدءًا من غدر الصديق (فقدان القيم في المجتمع) إلى نقد كل شيء في الحياة، لتعبر عن عصرها.
إن القيم الثقافية الموروثة ليست كلها إيجابية بل فيها سلبيات ما زالت تلقي بظلالها على المجتمع المصري كاحتقار الفلاح وعمله، وهي قيمة سلبية موروثة من طبقية العصر المملوكي التي كانت تعتبر الفلاحين طبقة سفلى في المجتمع عليها أن تكد وتكدح وتدفع الضرائب دون حقوق، وهذه القيمة السلبية لم تعالج إلى الآن بشكل جذري في الثقافة المصرية، على الرغم من أن الفلاح يحمل موروثًا من المعرفة بالزراعة والفلاحة أعلى من المتعلمين ولولاه لجاع المصريون، هذا ما يفسر شعبية الرئيس جمال عبد الناصر لدى الفلاحين، فالقضية ليست الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين بل الخطاب الرسمي المستمر الذي يؤكد أن الرئيس كان من أسرة بسيطة وأنه يعيد الحقوق للفلاحين، وهذا الوتر لعب الرئيس السادات عليه حينما يخاطب الفلاحين من ميت أبو الكوم (حديثة مع همت مصطفي عن الأكل في المواسم والأعياد على الطبلية وأكل البط في المناسبات) خطاب التعالي لدي المصريين على الفلاحين برز في خطأ تسمية وزارة الزراعة حيث إن الزراعة هي مجرد بذر البذور في الأرض بينما الفلاحة هي رعاية النباتات وفق قواعد محددة في التعامل مع الأرض لرفع إنتاجيتها، الزراعة مجرد فعل يتم ويتوقف، الفلاحة صناعة، هذا ما أدركته المغرب فسمتها وزارة الفلاحة، وهو ما أعطى قيمة رسمية لمن يزاول هذه المهنة، هنا الفرق في استخدام المصطلح ينعكس سلبًا وايجابًا مع المجتمع.
في ذات السياق فكرة المرأة العاملة التي ارتبطت بالتوظيف في الدولة أو الشركات، المهم أن تخرج من منزلها لتعمل، في وقت هدمت فيه وسائل الإعلام المصرية ومعها الدولة المرأة الريفية التي كانت تربي الدواجن على سطح منزلها لتكفي أسرتها وتبيع ما يفيض وتنتج البيض أيضًا، وكذلك ترعى الماشية وتنتج منها الألبان والجبن والسمن، وتنتج العديد من المنتجات من مخلفات الزراعة في المنزل، هذا لم ندرك أنه بحاجة لبرامج لراعيته وهو رأسمال ثقافي ومعرفي موروث، هل فكرنا في دعم هذه المرأة العاملة في المنزل والتي تعظم وتضيف للاقتصاد وليست عبئًا عليه، بل اعتبرناها في المخيلة المصرية جاهلة لا تستحق الرعاية، وهذا كان أحد أسباب هدم الريف المصري المنتج لا المستهلك، فماذا عن حوافز رعاية هذا النمط من رأس المال الثقافي الموروث منذ عصور سحيقة.