قال السيد الشاذلي 0: خطر ببالي يومًا أني لست بشيء، ولا عندي من المقامات والأحوال شيئًا، فغمست في بيت مسك، فكنت فيه غريقًا، فلدوام غرقتي فيه لم أجد له تلك الرائحة، فقيل لي: علامة المزيد فقدان المزيد لعظيم المزيد..
الأستاذ صلاح البيلي
بقية: الشاذلي معارج ومرائي
قال السيد الشاذلي 0: خطر ببالي يومًا أني لست بشيء، ولا عندي من المقامات والأحوال شيئًا، فغمست في بيت مسك، فكنت فيه غريقًا، فلدوام غرقتي فيه لم أجد له تلك الرائحة، فقيل لي: علامة المزيد فقدان المزيد لعظيم المزيد.
وقال أيضًا: قيل لي: (إن أردت رضائي فمن اسمي ومنِّي لا من اسمك ومنِّك، قال: وكيف ذلك؟ قال: سبقت أسمائي عطائي، وأسمائي من صفاتي، وصفاتي قائمة بذاتي، ولا تمحق ذاتي). وللعبد أسماء دنية، وأسماء علية، فأسماؤه العلية قد وصفه الله بها بقوله: )التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ( (التوبة: 112).
وبقوله: )إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا( (الأحزاب: 35).
وأسماء العبد الدنية كالعاصي والمذنب والفاسق والظالم، فكما تمحق أسماؤك الدنية بأسمائك العلية، كذلك تمحق أسماؤك بأسمائه، وصفاتك بصفاته؛ لأن الحادث إذا اقترن بالقديم فلا بقاء له.
ويقول 0: كنت ذات ليلة متفكرًا بالفكرة الغيبية، فأفادني الله علمًا جليلًا، وسعيت في الغيوب سعيًا جميلًا، فقلت في نفسي: أليس هذا خيرًا من الدخول في الحوائج للخلق مع الخالق، والكون مع الله أتم من الكون في الحاجات للناس وإن كان مأذونًا فيها شرعًا، فبينما أنا كذلك إذ نمت، فرأيت كأن السيل قد أحاط بي من كل جهة يحمل الغشاء عن يميني وشمالي، فجعلت أخوض لأخرج منه فلم أرَ برًّا أنفذ إليه من الجهات الأربع، فاستسلمت نفسي ووقفت في السيل كالسارية أو النخلة الثابتة، فقلت في نفسي: هذا من فضل الله أن ثبت لهذا السيل، وإذا بشخص جميل الصورة يقول لي: إن من أجلِّ التصوف التعرض في الحوائج للخلق واستقضاؤها من الملك الحق، فما قضاه الله شكرت، ومالم يقضه رضيت، وليس قضاؤها الموجب للشكر بأتم من عدم قضائها الموجب للرضا.
وقد علمني الله قائمًا بذات نفسي وهو: الله لا إله إلا هو الواحد القهار، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار، فانظر الألوهية الفردانية والوحدانية والقاهرية والربوبية والعز والمغفرة، وكيف لف هذا كله في كلمة واحدة، إن المغفرة لتنزل على العارف بالله كالسيل الحامل من الغشاء ويثبت الله فيها وبها من يشاء ولا يصيبه شيء من الغثاء. فانتبهت من نومي وقد وعيت السر العظيم والحمد لله.
ويقول 0: ما فتح الله بشيء من الدنيا ففرحت لأستعين أو أعين بها، فجعلت أحمد الله وأشكره، والشكر معرفة قائمة بالقلب، وكلمة قائمة باللسان، فكنت أجمع بينهما. فواظبت على ذلك وقتًا من الليل ونمت، فرأيت أستاذي رحمه الله يقول: استعذ بالله من شر الدنيا إذا أقبلت، ومن شرها إذا أدبرت، ومن شرها إذا أنفقت، ومن شرها إذا أمسكت. فجعلت أقول كذلك، فوصل الشيخ كلامي فقال: ومن المصائب والرزايا، والأمراض البدنية والقلبية والنفسية جملة وتفصيلًا بالكلية، وإن قدرت شيئًا فاكسني جلال الرضا والمحبة والتسليم وثواب المغفرة والتوبة والإنابة المرضية.
وقال 0: رأيت رسول الله J فقلت له: يا سيدي! يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني رحمة للعالمين، فقال لي: أنا هو ذاك يا علي، والولي رحمة في العالمين.
ويقول: رأيت كأن رجلًا جاء إليَّ فقال: إن السلطان يأتي إليك فقل: اللهم ألق علي من زينتك ومحبتك وكرامتك ومن نعموت ربوبيتك ما يبهر القلوب، وتذل له النفوس، وتخضع له الرقاب، وتبرق له الأبصار، وتتبدد له الأفكار، ويصغر له كل متكبر جبار، ويسجد له كل ظلوم كفار، يا الله، يا مالك يا عزيز يا جبار، يا الله يا أحد يا واحد يا قهار.
وكثير من مواجيد الشيخ أبي الحسن الشاذلي منثورة في أحزابه وأدعيته، التي قال عنها ابن عباد: إن أحزاب أهل الكمال ممزوجة بأحوالهم، مؤيدة بعلومهم، مسددة بإلهامهم، مصحوبة بكراماتهم، وقال الشاذلي في حزبه الكبير: (من قرأه كان له ما لنا وعليه ما علينا)، وللشيخ أيضًا حزب الفتح، وحزب البحر وقال: إن به اسم الله الأعظم، وحزب البر، وحزب النصر، وحزب الآيات، وكل أحزابه تجمع بين الذكر بآيات القرآن الكريم والدعاء والتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، وكان ينصح مريديه بخمسة أشياء عند الدعاء كي يستجاب لهم وهي، الامتثال للأمر، واجتناب النهي، وتطهير السر، وجمع الهمة، والاضطرار، وخذ ذلك من قوله: )أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ( (النمل: 62)، فالمحروم من يدعوه وقلبه مشغول بغيره.
وقد أخذ الشاذلي ينصح مريده فقال: إن أردت الصدق في القول فأكثر من قراءة )إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ(، وإن أردت الإخلاص فأكثر من قول: )قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(، وإن أردت تيسير الرزق فأكثر من قراءة )قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ(، وإن أردت السلامة من الشر فأكثر من قراءة )قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(، وإذا كثرت عليك الوساوس فاقرأ سبحان الملك الخلاق )إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ(، وإذا ورد عليك مزيد من الدنيا أو الآخرة فاقرأ )حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ(، ومن أجلِّ مواهب الله: الرضا بمواقع القضاء، والصبر عند نزول البلاء، والتوكل على الله عند الشدائد، والرجوع إليه عند النوائب )وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ(، و)وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ(، فعبد يتولى الله، وعبد يتولاه الله، فهما ولايتان، صغرى وكبرى.
ومن سخط على قضاء الله أحبط عمله )ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ( (محمد: 9). ومن ثقل الذكر على لسانه، وكثر اللغو في مقاله، وانبسطت جوارحه في الشهوات، فعليه بالتوبة لقوله: )إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ( (النساء: 146)، ومن أحصن الحصون من وقوع البلاء على المعاصي الاستغفار )وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ( (الأنفال: 33).