أخبار عاجلة

أبو الحسن الشاذلي.. الصوفي المجاهد إمام السائرين إلى الله (18)

قال السيد الشاذلي 0: خطر ببالي يومًا أني لست بشيء، ولا عندي من المقامات والأحوال شيئًا، فغمست في بيت مسك، فكنت فيه غريقًا، فلدوام غرقتي فيه لم أجد له تلك الرائحة، فقيل لي: علامة المزيد فقدان المزيد لعظيم المزيد..

الأستاذ صلاح البيلي

بقية: الشاذلي والتفسير

قال الشيخ أبو العباس المرسي 0: كنت مع الشيخ في سفره ونحن قاصدون الإسكندرية حين مجيئنا من المغرب، فأخذني ضيق شديد حتى ضعفت عن حمله، فأتيت إلى الشيخ أبي الحسن 0، فلما أحس بي، قال: أحمد، قلت: نعم يا سيدي، قال:

(آدم خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وأسكنه الجنة نصف يوم – خمسمائة عام – ثم نزل به إلى الأرض، والله ما نزل الله بآدم إلى الأرض لينقصه، ولكن نزل به إلى الأرض ليكمله، ولقد أنزله إلى الأرض من قبل أن يخلقه بقوله: )إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً( (البقرة: 30)، ما قال في الجنة ولا في السماء، فكان نزوله إلى الأرض نزول كرامة، لا نزول إهانة، فإنه كان يعبد الله في الجنة بالتعريف، فأنزله إلى الأرض ليعبده بالتكليف، فلما توفرت فيه العبوديتان استحق أن يكون خليفة، وأنت أيضًا لك قسط من آدم، كانت بدايتك في سماء الروح في جنة المعارف فأنزلت إلى أرض النفس لتعبده بالتكليف، فلما توفرت فيك العبوديتان استحققت أن تكون خليفة.

وقال 0: )تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ( (السجدة: 16)، أتراهم منع جنوبهم عن مضاجع النوم، وترك قلوبهم مضجعة وساكنة لغيره؟ بل رفع قلوبهم ولا يضاجعون بأسرارهم شيئًا، فافهم هذا المعنى، )تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ( عن مضاجعة الأغيار ومنازعة الأقدار، و)يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا(، فالخوف منه قطعهم عن غيره، وبالشوق إليه أطمعهم فيه، و)وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(، فالحق قهر القلوب بقدرته، وأنعشها بحكمته، وأغناها بمناجاته عن مخاطبة خلقه.

وقال 0: من سوء الظن بالله أن يستنصر بغير الله من الخلق، قال تعالى: )مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ( (الحج: 15).

وقال لمريده: إذا عرض لك عارض يصدك عن الله فاثبت، قال الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( (الأنفال: 45).

وقال لأصحابه: من النفاق التظاهر بفعل السنة، والله يعلم منك غير ذلك، ومن الشرك بالله، اتخاذ الأولياء والشفعاء من دون الله، قال تعالى: (مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ( (السجدة: 4).

وقال: مراكز النفس أربعة، مركز للشهوة في المخالفات، ومركز للشهوة في الطاعات، ومركز في الميل إلى الراحات، ومركز في العجز عن أداء المفروضات، )فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( (التوبة: 5).

وقال: من الشهوة الخفية للولي: إرادته النصرة على من ظلمه، وقال تعالى للمعصوم الأكبر: )فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ( (الأحقاف: 35)، أي فإن الله تعالى قد لا يشاء إهلاكهم.

وقال: من أحصن الحصون من وقوع البلاء على المعاصي، الاستغفار، قال الله تعالى: )وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ( (الأنفال: 33).

وقال 0: لو علم نوح A، أن في أصلاب قومه من يأتي يوحد الله U ما دعا عليهم، ولكان قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، كما قال J، فكل منهما على علم وبينة من الله تعالى.

وقال: قرأت ليلة قوله تعالى: )وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا( (الجاثية: 18، 19). فنمت فرأيت رسول الله J، وهو يقول: (أنا ممن يعلم ولا أغني عنك من الله شيئًا).

وقال: سمعت الحديث الوارد عن رسول الله J (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة) فأشكل عليَّ معناه، فرأيت رسول الله J وهو يقول لي: (يا مبارك ذاك غين الأنوار لا غين الأغيار).

وقال: سمعت الحديث المروي عن رسول الله J (من سكن خوف الفقر قلبه؛ قل ما يرفع له عمل)، فمكثت سنة أظن أنه لا يرفع لي عمل أقول: ومن يسلم من هذا؟ فرأيت رسول الله J في المنام وهو يقول لي: (يا مبارك، أهلكت نفسك فرق بين خطر وسكن).

وقال 0: اعلم أيدك الله بنور البصيرة، وصفاء السريرة، أن رسول الله J، قيل له: من أولياء الله يا رسول الله؟ قال: الذين إذا رؤوا ذُكر الله، فافهم معنى قوله: إذا رؤوا، فاعدل عن رؤية الأجسام إلى رؤية المعاني والأفهام عدولًا كاملًا عن رؤية البصر العامية التي تقع الشركة فيها مع الأنعام التي لا بصيرة لها، واهتد بنور الله المستودع في القلوب الذي به نظروا واعتبروا ووقفوا وتحققوا ولا تكن مثل أولئك الذين قال الله تعالى فيهم: )وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ( (الأعراف: 198). هذا صريح في أطيب الخلق وأبصرهم، وبه وبنوره وبطيبه طاب كل شيء، وإنه لأمر عجيب في إيثاره الطيب، لاتفاق العلماء أن رائحته أطيب من كل طيب. فافهم وادخل في ميدان معرفته J، ومالك لا تقول كما قال: والله ما أكل إلا لنا، ولا شرب إلا لنا، ولا نكح إلا لنا، كذلك لا يتطيب إلا لنا، فهو إذن أصل كل طيب، وبهاء كل معدن، وهو معدن المعادن، فاقتبس من نوره، واغترف من بحره، واشرب من معرفته، وتزين بطاعته تكن الأشياء طوع يديك.

وقال: العارف: من عرف شدائد الزمان في الألطاف الجارية منَّ الله عليه، وعرف إساءة نفسه في إحسان الله إليه، )فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( (الأعراف: 69).

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (30)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …