أخبار عاجلة

تجديد الخطاب الديني قراءة في المقاصد والروافد (4)

 تزايدت دواعي الاهتمام بضرورة تجديد الخطاب الديني في ظل شواهد يشترك فيها جميع البلاد العربية والإسلامية، منها: انتشار الأمية بمعناها العام، والأمية الدينية بوجه خاص، وهو ما يحول دون الاتصال بمصادر المعرفة الدينية وبالمراجع المعتمدة في التفسير وفي علوم الحديث والسيرة والفقه..

الأستاذ الدكتور بليغ حمدي

بقية: جهود الدولة في تجديد الخطاب الديني

2 ـ مَفْهُومُ تَجْدِيدِ الخِطَابِ الدِّينِيِّ:

ـ تجديد الخطاب الديني يعني عملية تقويم وتصويب واستمرارية التقويم لما يستجد من قضايا ووقائع يمكن فهمها في ضوء ثوابت الدين نفسه.

ـ التجديد في الخطاب الديني يقصد به أيضًا إصدار أحكام بشأن القضايا المعاصرة وفق معايير منضبطة وثابتة بقيم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

ـ تجديد الخطاب الديني يعمل على إعادة العمل بالإسلام الصحيح وتطبيقه وفق الفهم السليم والصحيح للإسلام.

ـ يعتبر الغرض الأبرز من تجديد الخطاب الديني هو تحقيق الإفهام للإسلام الصحيح، وتغيير سلوك المسلم وتعديل أنماطه المعرفية وفق ضوابط الدين الإسلامي.

ـ التجديد في الخطاب الديني يعني العودة إلى المنابع والأصول عودة كاملة وصافية بهدف تحقيق فهم صحيح لها ومعالجة قضايا ومشكلات الواقع في ضوئها.

ـ عملية التجديد تشترط أن يكون الخطاب الديني مراعيًا للزمان والمكان، فالداعية الحق هو الذي يتناسب خطابه مجال زمانه ومكانه.

ـ يعتبر فهم المرحلة وفقه الواقع أصل معتبر في عملية تجديد الخطاب الديني، وهو أمر يؤيده القرآن الكريم.

ـ تجديد الخطاب الديني عملية متكاملة تستهدف أمرين أساسيين: الدفاع عن الإسلام ضد محاولات تشويهه، والنهوض بالإنسانية من خلال التمسك بثوابت وركائز الدين الرئيسة.

3 ـ أسْبَابُ تَجْدِيدِ الخِطَابِ الدِّينِيِّ:

جاءت الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني عبر التاريخ نظرًا للشعور بالحاجة المستدامة إلى تجديد تطوري يضمن فهم الإسلام وقواعده، ولقد وضح (أمين الخولي) أن التجديد في الخطاب الديني بدأ مبكرًا منذ القرن الثالث الهجري، ولا شك أن تدافع أسباب تجديد الخطاب الديني في كل زمان مفاده تحقيق استمرار حيوية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، ومسايرته للتقدم الإنساني المتصل.

وهناك مجموعة من الأسباب والعوامل الملحة دعت إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني؛ منها ما يتصل بواقع العالم الإسلامي، ومنها ما يتصل بالأنظمة التعليمية في الوطن العربي، ومنها ما أفرزته المشكلات العالمية والتي تلقي بظلالها على العالم الإسلامي، وهناك حاجة دائمة وملحة ومستمرة لتجديد الخطاب الديني لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، فالتطور الحضاري وتغير الأزمنة بالضرورة يجلبان معهما تساؤلات متنوعة وتحديات جديدة، ولا شك أن أي خطاب ثقافي ينشد الاستمرارية والبقاء لا بد له من مواكبة تغيرات الواقع وروافده المتجددة، وذلك بالإجابة عن هذه التساؤلات، والقدرة على استيعاب المستجدات الاجتماعية.

جملة من الأسباب والعوامل التي تجعل من تجديد الخطاب الديني الراهن ضرورة حتمية وحاجة ملحة:

ـ جنوح الخطاب الديني ـ في بعض الأحيان ـ إلى التجريح الشخصي أو الطائفي أو المذهبي، فيضعف أثره ويقوى ضرره، فيستحيل بذلك معول هدم لا أداة بناء للمجتمعات الإسلامية.

ـ تضييق مساحة المباح، وتوسيع دوائر التحريم والمحظورات، فضلًا عن وجود جماعات وطوائف غير رسمية احتكرت التحليل والتحريم.

ـ انتشار ثقافة التغيير الناتجة عن سرعة إيقاع الروافد الثقافية المادية، والتي تمثلت في تقلص المسافات الشاسعة، وتقلص قيمة الأشياء، وظهور ما يعرف بالعلاقات الوقتية، على حساب العلاقات الدائمة.

ـ ما أفرزته ثورة التكنولوجيا والرقميات المعاصرة من نتائج تمثل بعضها في زعزعة استقرار الأسرة والضعف التدريجي لسلطتها على الأبناء، مما أشاع كثيرًا من الانحلال الأخلاقي وتفشي العنف والجريمة. الاتجاه المبالغ فيه نحو العلمانية بسبب ظروف التقدم العلمي وقدرة العقل على الاكتشاف والإبداع؛ مما جعل دعاة العلمانية ينظرون إلى الدين على أنه شيء من التراث الماضوي البعيد عن الواقع.

– ما ألصق بالدين الإسلامي من عادات غير صحيحة وهي خرافات بعيدة تمامًا عن جوهر الإسلام وصحيحه.

ـ رسوخ العقل العربي تحت قيود الوهم والخرافات التي تحول بينه وين الإبداع والتجديد، وتوقف عقل الأمة الإسلامية عن الإضافة.

ـ قلة الثقافة الدينية، والفقر اللغوي مما ينعكس بالسلب على الخطاب الديني، والحط من قدره لدى السامعين والقارئين.

ـ شيوع الفهم الخاطئ لنصوص الكتاب والسنة لدى العامة، وتصدُّر أشباه المثقفين غير المتخصصين للفتوى، والتسرع في إصدار الأحكام الشرعية دون تعمق أو وعي بفقه الواقع.

ـ كثرة الوقائع والأحداث التي تحتاج رؤية إسلامية واضحة المعالم.

ـ التحريض على الفكر الإسلامي ومصادره، واتهام الدين الإسلامي بالرجعية والجمود وعدم مسايرته لمستحدثات المجتمع.

ـ تعرض الهوية الإسلامية لمحاولات المسخ والمحو الممنهجة من قبل الدراسات الاستشراقية التي تروج لضعف الحضارة الإسلامية الراهنة.

4 ـ أبْعَادُ الخِطَابِ الدِّينِيِّ المُعَاصِر:

أ – التقعيد والتأصيل: ويعني الالتزام بمصادر الفكر الإسلامي ومنهجه بهدف عدم الإخلال بالقواعد والأصول الدينية المتفق عليها. وهذا يشير إلى ضرورة الانطلاق من التصور الإسلامي الصحيح، بحيث يكون الخطاب الديني شارحًا لقضاياه الكبرى ومرسخًا لها، ومن مثل ذلك: العقيدة الصحيحة، والعبادة الموافقة للسنة.

ب – الواقعية: وتعني الواقعية مراعاة واقع الأمة وقضاياها المعاصرة والسعي لتحقيق مصالح المجتمع ومطامحه، مع عدم الافتتان بالقضايا التي لا تمس الواقع المعاش. لذلك فإن الفتوى مرهونة ومشروطة بالزمان والمكان وحالة الأشخاص المقدمة لهم الفتوى.

ت – العناية بالمصطلح الإسلامي: ويشير هذا الضابط إلى ضرورة أن يبنى التجديد وفق المصطلحات والمفاهيم الإسلامية الرصينة، فإن محاولة الاجتهاد في ضبط المصطلح تعود بالنفع على تكوين خطاب ديني متجدد من ناحية، ويتمتع بالرسوخ واليقين من ناحية أخرى.

ث – التأكيد على الثوابت: ينبغي أن يرتكز الخطاب الديني المعاصر على ثوابت العقيدة دون التخلي عن مبادئ الإسلام الصحيحة.

ج – تحديد الهدف بدقة: بمعنى أن ينصب التجديد على الخطاب الديني وليس على الإسلام نفسه.

ح – مراعاة أدب الاختلاف: وتعني أن الإرغام على رأي واحد في الدعوة خطأ كبير، مع توجيه العناية إلى المجادلة بالتي هي أحسن، يقول تعالى: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ( (النحل: 125).

خ – مراعاة فقهِ الأولويات: أي البدء بأهم الأمور في الدين عند بداية دعوة الآخرين، والاهتمام بمبدأ التدرج في الدعوة، والحرص على تعليم المسلمين الفرائض قبل النوافل، والحلال قبل الحرام، والحرام قبل المكروه.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (19)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …