ما أجمل المسلم في الحياة حينما يجمع مع الجدّ – الذي يسعى إليه – روح الدعابة، وفكاهة الحديث، وعذوبة المنطق، وطرافة الحكمة!…
الدكتور جمال أمين
بقية: التزام الآداب الاجتماعية العامة
بقية: التزام الآداب
الاجتماعية العامة
بقية: 6- أدب المزاح:
بقية (ج) تجنب الكذب وقول الزور:
إذا كان عليه الصلاة والسلام يعطي أصحابه القدوة الصالحة في كل شيء فإليكم نماذج من مزاحه J، لنعرف كيف كان يمزح ولا يقول إلا حقًّا:
– روى الترمذي عن أنس 0 أن رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، وكان يُهدي إلى النبي J هدية من البادية، فيجهّزه النبي J إذا أراد أن يخرج إلى البادية، فقال النبي J: (إن زاهرًا باديتنا ونحن حاضروه). وكان النبي يحبه، وكان زاهرًا رجلًا دميمًا، فأتاه النبي J يومًا وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال زاهر: مَنْ هذا؟ أرسلني، فالتفت زاهر فعرف النبي J فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي J حين عرفه، فجعل النبي يقول: (من يشتري العبد؟)، فقال: يا رسول الله إذن تجدني كاسدًا، فقال النبي J: (لكنك عند الله لست بكاسد) أو قال: (أنت عند الله غالٍ).
– وفي (سنن أبي داود) عن عوف بن مالك الأشجعي قال: أتيت رسول الله J في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم (من جلد) – صغيرة – فسلمت فردّ، وقال: “ادخل” فقلت: أكلّي يا رسول الله؟ قال: “كلُّك” فدخلت.
– وروى الترمذي وأحمد عن أنس 0 أن رجلًا أتى النبي J يستحمله – أي يطلب منه دابة – فقال له J: (إني حاملك على ولد الناقة) (ظن الصغير) فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة؟ فقال: (وهل يلد الإبل إلا النوق؟).
– وروى ابن بكار عن زيد بن أسلم أن امرأة يقال لها: أم أيمن الحبشية، جاءت إلى رسول الله J فقالت: إن زوجي يدعوك، فقال: (من هو؟ أهو الذي بعينيه بياض؟) فقالت: ما بعينيه بياض، فقال: (بلى بعينيه بياض)، فقالت: لا والله، فقال J: (ما من أحد إلا بعينيه بياض). (ويقصد البياض المحيط بحدقة العين).
– وروى الترمذي عن الحسن البصري 0 قال: أتت عجوز إلى النبي J فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يدخلني الجنة، فقال: (يا أم فلان! إن الجنة لا يدخلها عجوز) قال: فولّت – أي ذهبت – وهي تبكي، فقال J: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: )إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا([1])( (الواقعة: 35 – 37).
ويقصد أنها تدخل الجنة وهي شابة.
فما على المربين إلا أن يأخذوا بهدي النبي عليه الصلاة والسلام في أدب المزاح، ويعلموه أبناءهم، ليعتادوا عليها في حياتهم الاجتماعية، وفي تعاملهم مع الناس.
7- أدب التهنئة:
ومن الآداب الاجتماعية التي يجب مراعاتها في إعداد الولد تربويًّا، وتكوينه اجتماعيًّا تعويده على أدب التهنئة، وتعريفه على كيفيتها وأصولها؛ لتنمو في شخصيته نزعة حب الاجتماع، وتتوثق روابط المحبة والأخوة مع من يصلهم، ويلتقي معهم، ويرتبط بهم، وإذا كانت المناسبات التي يعتادها الناس في التهاني كثيرة، فعلى المربين بشكل عام، والآباء بشكل خاص أن يصحبوا تلامذتهم وأولادهم إلى من يقدمون إليه أحر التهاني بمناسبة سعيدة، أو فرح ميمون؛ حتى تنطبع الحالة والكيفية في قلوبهم وذاكرتهم، فتصبح في نفوسهم مع الأيام خلقًا وعادة.
وإذا كان لا بد من أي عمل صالح يقوم به المسلم في الحياة من ثمرة يجنيها، ومن مثوبة عند الله ينالها، فإن تهنئة المسلم، وملاطفته، وإدخال السرور عليه هو من أعظم القربات في نظر الإسلام، وأحب الأعمال إلى الله بعد الفرائض، بل هو من موجبات المغفرة، والطريق إلى الجنة.
– وروى الطبراني في (الصغير) عن أنس 0 قال: رسول الله J: (من لقي أخاه بما يحب ليسره بذلك سرّه الله U يوم القيامة).
– وروى الطبراني في (الكبير) عن الحسن بن علي 0 عن النبي J قال: (إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم).
– وروى الطبراني في (الأوسط والكبير) عن ابن عباس 5 أن رسول الله J قال: (إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفراض إدخال السرور على المسلم).
– وروى الطبراني عن عائشة 1 قالت: قال رسول الله J: (من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورًا لم يرض الله له ثوابًا دون الجنة).
وللتهنئة آداب نلخصها فيما يلي:
(أ) إظهار الفرح والاهتمام في مناسبة التهنئة:
لما جاء في الصحيحين في قصة توبة كعب بن مالك 0، قال كعب: سمعت صوت صارخ يقول بأعلى صوته: يا كعب ابن مالك أبشر، فذهب الناس يبشروننا، وانطلقت أتأمم (أقصد) رسول الله J يتلقاني الناس فوجًا يهنئونني بالتوبة، ويقولون: ليهْنِك توبة الله تعالى عليك؛ حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله J حوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول؛ حتى صافحني وهنأني، وكان كعب لا ينساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله J قال – وهو يبرق وجهه من السرور-: (أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك)([2]).
==========================
([1]) والمراد أنهن مستويات في سن واحد، والعُرب: المفصحة عن محبة زوجها، والأتراب: الفئة التي يكون أفرادها في سن واحدة.
([2]) تتلخص قصة كعب أنه تخلف عن غزوة تبوك من غير عذر، فأمر النبي J بمقاطعته خمسين يومًا، وبعد الخمسين نزلت الآيات في توبته وتوبة صاحبيه، وكان ما كان من أمر التهنئة. ارجع إلى رياض الصالحين تجد القصة بتمامها في باب (التوبة).