أخبار عاجلة

من أسرار الحج (2/ 2)

الحمد لله، دلَّ على ذاته بذاته، وتنزَّه عن مجانسة مخلوقاته، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وآله، وأعطنا الخير، وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا يا رب العالمين.

فضيلة الشيخ علي الجميل

هناك مسألة تطرأ على الموضوع ألا وهى:

إذا كان هناك أمر مشروع ثم طرأ عليه أمر مخالف غير مشروع، فهل يترك هذا الأمر المشروع بسبب الأمر الذي طرأ عليه الغير مشروع سدًّا للذريعة، أم يطرح ما طرأ عليه من الفساد، ثم يقام أو يؤدى العمل المشروع أداءً خالصًا مجردًا عن كل ما يطرأ أو طرأ عليه من العلل أو الفساد؟

الجواب هو: أن يطرح ما طرأ عليه من الفساد ثم يؤدَّى آداءً خالصًا بعيدًا عن كل ما طرأ عليه من الفساد.

ولذلك قال الله U: )وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ( (الحج: 26).

وقال U: )ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ( (الحج: 30).

أي اجتنبوا الأصنام التي يعبدونها من دون الله، واجتنبوا قول الزور من قولهم إلا شريكًا هو لك وما ملك، أو أيضًا اجتنبوا قول الزور من الذين يقولون: إن أعمال الحج بقية من الوثنية كأمثال نوال السعداوي.

لأن الله يعلم أن المشركين يطوفون ويثبتون الشريك لله U حال طوافهم كما ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ 5 قَالَ: “كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ، قَالَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ J: (وَيْلَكُمْ قَدْ، قَدْ)، فَيَقُولُونَ: إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، يَقُولُونَ هذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ”؛ رواه مسلم.

القول في تأويل قوله تعالى: )إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ( (آل عمران: 96).

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: تأويله: إنّ أول بيت وضع للناس، يُعبَد الله فيه مباركًا وهُدًى للعالمين، الذي ببكة. قالوا: وليس هو أوّل بيت وضع في الأرض؛ لأنه قد كانت قبله بيوت كثيرة.

* ذكر من قال ذلك:

عن خالد بن عرعرة قال: قام رجل إلى عليّ فقال: ألا تخبرني عن البيت؟ أهو أوّل بيت وُضع في الأرض؟ فقال: لا، ولكنه أول بيت وضع في البرَكة مقامِ إبراهيم، ومن دَخَله كان آمنًا، وهو أول بيت وضع للعبادة.

ومن هذا نعلم أن الله أمرنا أن نحرر القصد له I وألا نترك الطواف والحج لهذه المفسدة التي كانت من المشركين، لكن علينا أن نترك قصدهم، وأن يكون لنا مقصدنا وهو التوحيد وإخلاص النية وحسن العمل لله رب العالمين، ولقد كان البيت الحرام مليء بالأصنام، وسبحان الله تحول إلى قبلة جميع المسلمين في أنحاء المعمورة ورمز الموحدين.

مشروعية زيارة روضات الصالحين

وهناك أيضًا من يثير الجدل حول زيارة الصالحين في عصرنا هذا وممن أخذوا منهم من غير تحكم شرع أو إعمال فكر.

ومن هنا نتساءل ونقول: هل زيارة القبور مشروعة أم غير مشروعة؟

يقول J: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة).

وعلى هذا فإن النهى عن زيارة القبور كان متقدمًا والإذن بالزيارة كان هو المتأخر، أي لما أمن النبي J على أمته الفتنة في هذا الأمر رخص لهم فيه، إذن زيارة القبور أمر مشروع، فإن طرأ عليها شيءٌ من الفساد كسجود البعض عن بعض الصالحين بقصد التعظيم، هل نترك الزيارة أم ننبه الناس ونعظهم، ونبين لهم الصواب، ونبين لهم ما يباح وما لا يباح؟

الصحيح لا نعطل هذا الأمر من الزيارة، ونبين لهم الصواب، وما يجوز وما لا يجوز، وهو كما أسلفنا تحرير القصد وإخلاص النية.

ونبقي الأمر على مشروعيته؛ حتى لا نحرم من أثر هذا العمل، وما يترتب عليه من اتصال الأحياء بالأموات؛ لأن اتصال الحى بالميت فيه فوائد: منها الود والدعاء وفرح الأموات بزيارة الأحياء، وكذلك الزيارة تجعل الزائر يذكر الآخرة بمقتضى قوله J: (كنْتُ نَهيتُكم عن زِيارةِ القُبورِ)، وإنَّما كان نَهيُ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لهم في أوَّلِ الأمرِ؛ لِقُربِ عَهدِهم بالجاهليَّةِ وما يَفعَلونه ويتَكلَّمون به مِن أُمورٍ تُخالِفُ الإسلامَ؛ مِن تَعظيمِ القُبورِ، وغيرِ ذلك، فلمَّا استَقرَّ الإسلامُ في نُفوسِهم، ومَحا آثارَ الجاهليَّةِ، وعَلِموا أحكامَ الشَّرعِ؛ أمَرَهم بزِيارتِها، فقالَ: (ألَا فزُورُوها)، فنسَخَ حُكْمَ النَّهيِ إلى الإباحةِ والحَثِّ على الزِّيارةِ؛ فإنَّها تُرِقُّ القلْبَ، أي: تَجعَلُه يخضَعُ ويَخشَعُ، وتُدمِعُ العينَ، أي: تُبكِيها، وتُذكِّرُ الآخرةَ، أي: إنَّ ثمرةَ الزِّيارةِ وعِلَّةَ إباحتِها أنَّها تُذكِّرُ بمنازلِ الآخرةِ؛ مِن وعْدٍ ووعيدٍ، وجنَّةٍ ونارٍ، ولا تقولوا هُجْرًا، أي: كلامًا قَبيحًا فاحِشًا.

وإذا كان الخير في زيارة الأموات عامة فما بالنا بزيارة الأنبياء والصالحين؟

وهناك أمر آخر: أن من ثمرة زيارة القبور عامة تعد من الأمور التي ترتبط ارتباطًا قويًّا بالإيمان بالبعث؛ لأنه لا يقطع باليأس من الميت إلا الكافر الذي يأس من الآخرة كما قال I: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ( (الممتحنة: 13).

لأن الكفار لا يعتقدون البعث، ويعتقدون أن من مات لا يبعث وقد انتهت حياته بالموت، وللأسف إننا نجد ذلك اليوم من بعض المسلمين الذين ينهون المسلمين عن زيارة الأنبياء والصالحين بحجة أنهم قد ماتوا، وهم يضاهئون في عملهم هذا بمن يأس من أصحاب القبور، نسأل الله السلامة، كأنهم يقولون ما فائدة هذه الزيارة لقد مات وانقطع.

إذن نقول هنا ما قلناه في الحج إذا طرأ على الزيارة مفسدة نطرح المفسدة ولا نعطل الزيارة، كما لا نعطل الحج لوجود ما كان من مفاسد في السابق من عبادة الأوثان وادعاء الشريك لله نطرح المفسدة ولا نترك الفعل، ونقيم الشعيرة على الوجه الصحيح مع تحرير القصد، كما قال ربنا U: )فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ( (الحج: 30).

المقصد الثانى وهو من معانى تحرير القصد هو التجرد

فما معنى التجرد؟.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (15)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …