أخبار عاجلة

أهم الأسباب الوقائية في تقليل الحوادث (16)

المقصود بالتربية النفسية: تربية الولد منذ أن يعقل على الجرأة والصراحة، والشجاعة، والشعور بالكمال، وحب الخير للآخرين، والانضباط عند الغضب، والتحلي بكل الفضائل النفسية والخلقية على الإطلاق…

الدكتور جمال أمين

مسؤولية التربية النفسية

المقصود بالتربية النفسية: تربية الولد منذ أن يعقل على الجرأة والصراحة، والشجاعة، والشعور بالكمال، وحب الخير للآخرين، والانضباط عند الغضب، والتحلي بكل الفضائل النفسية والخلقية على الإطلاق.

والهدف من هذه التربية تكوين شخصية الولد وتكاملها واتزانها؛ حتى يستطيع – إذا بلغ سن التكليف – أن يقوم بالواجبات المكلف بها على أحسن وجه، وأنبل معنى.

وإذا كان الولد – منذ أن يولد – أمانة بيد مربيه؛ فلإسلام يأمرهم ويحتم عليهم أن يغرسوا فيه منذ أن يفتح عينيه أصول الصحة النفسية التي تؤهله ؛ لأن يكون إنسانًا ذا عقل ناضج ، وتفكير سليم، وتصرف متزن ، وإرادة مستعلية.

وكذلك عليهم أن يحرروا الولد من كل العوامل التي تغض من كرامته واعتباره، وتحطم من كيانه وشخصيته، والتي تجعله ينظر إلى الحياة نظرة حقد وكراهية وتشاؤم.

وأرى أن من أهم العوامل التي يجب على المربين أن يحرروا أولادهم وتلامذتهم منها، الظواهر التالية:

  • ظاهرة الخجل.
  • ظاهرة الخوف.
  • ظاهرة الشعور بالنقص.
  • ظاهرة الحسد.
  • ظاهرة الغضب([1]).

وإن شاء الله في هذه المقالات نستعرض كل ظاهرة على حدة بشيء من التفصيل، ثم نتطرق للعلاج على ضوء ما جاء في الإسلام، ثم نرشد إلى الفضيلة التي تحل محلها، والله الموفق وهو المستعان.

ظاهرة الخجل:

من المعلوم أن ظاهرة الخجل من طبيعة الأطفال (ولعل أولى أماراته تبدأ في سن الأربعة أشهر، وأما بعد كمال السنة فيصبح الخجل واضحًا في الطفل، إذ يدير وجهه أو يغمض عينيه أو يغطي وجهه بكفيه إن تحدث شخص غريب إليه)([2]).

(وفي السنة الثالثة يشعر الطفل بالخجل عندما يذهب إلى دار غريبة، فهو قد يجلس هادئًا في حجر أمه أو إلى جانبها طوال الوقت لا ينبس ببنت شفة)([3]).

وتلعب الوراثة دورها في شدة الخجل عند الأطفال، ولا ينكر ما للبيئة من أثر كبير في ازدياد الخجل أو تعديله؛ فإن الأطفال الذين يخالطون غيرهم، ويجتمعون معهم يكونون أقل خجلًا من الأطفال الذين لا يخالطون ولا يجتمعون!!

المعالجة لا تتم إلا أن نعوِّد الأولاد على الاجتماع بالناس، سواء جلب الأصدقاء إلى المنزل لهم بشكل دائم، أو مصاحبتهم لآبائهم في زيارة الأصدقاء والأقارب، أو الطلب منهم برفق ليتحدثوا أمام غيرهم سواء كان المتحدث إليهم كبارًا أو صغارًا!!

وهذا التعويد – لا شك – يضعف في نفوسهم ظاهرة الخجل، ويكسبهم الثقة بأنفسهم، ويدفعهم دائمًا إلى أن يتكلموا بالحق لا يخشون في سبيل ذلك لومة لائم.

وهذه بعض الأمثلة التاريخية والأحاديث النبوية التي تعطي للمربين جميعًا القدوة الصالحة في تربية السلف الصالح أبناءهم على الجرأة، ومعالجة ظاهرة الخجل في نفوسهم:

(أ) روى البخاري وغيره عن عبد الله ابن عمر t – وكان دون الحلم – أن رسول الله J قال: “إن من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله : ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة”.

وفي رواية: فأردت أن أقول: “هي النخلة” فإذا أنا أصغر القوم.

وفي رواية: “ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان؛ فكرهت أن أتكلم، فلما قمنا حدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إليّ من أن يكون لي حمر النعم”..

(ب) وروى مسلم عن سهل بن سعد الساعدي t أُتي بشراب، فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ (أي مسنين).

فقال للغلام: “أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟”

فقال الغلام: لا والله، ولا أوثر بنصيبي منك أحدًا.

(ج) وروى البخاري عن ابن عباس t – وكان دون الحُلم – أنه قال: كان عمر t يدخلني – أي في أيام خلافته – مع أشياخ بدر (أي: في المشورة) ، فكأن بعضهم وجد في نفسه (أي: غضب) ، فقال لِمَ يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حيث قد علمتم!!([4]).

فدعاني ذات مرة، فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قوله تعالى: )إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ( (النصر: 1)؟

فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا.

فقال لي: أكذلك تقول: يا ابن عباس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟

قال: هو أجل رسول الله J أعلمه له، قال: )إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ…( وذلك علامة أجلك )فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا( (النصر: 3).

فقال عمر t: ما أعلم منها إلا ما تقول.

=========================================

([1]) اقترح بعض الأخوة أن أضيف إلى هذه الظواهر (ظاهرة التسيب) “اللامبالاة” و(ظاهرة التهور)، ولكن جاء الاقتراح أثناء تقديم هذا الكتاب للطبع، وإن شاء الله فستكون الإضافة في الطبعات القادمة إن وفق الله.

([2]) من كتاب: (المشكلات السلوكية عند الأطفال) للدكتور نبيه الغبرة ص 153.

([3]) المصدر السابق.

([4]) أي: ممن خصه عليه الصلاة والسلام بالدعاء له: “اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل”.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (14)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …