تكاد كلمة المسلمين تتفق على أن المعارف التي يجب على المسلم استيعابها هي: أصول الدين، وأحكام الشريعة.
وإن كانت المعرفة – بشكل عام – مطلوبة، ومرادة، وبكل فروعها، فيما يتعلق بالكون والحياة، وبخاصة ما يرتبط بالجوانب الاجتماعية والإنسانية التي تحدد علاقة الإنسان ببني نوعه، وذوات جنسه من كافة المخلوقات، كالأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة، التي استقطبت جهودًا جبارة من المصلحين، وفي مقدمتهم الأنبياء والأئمة، والعلماء، والصالحين من الناس.
الدكتور سامي عوض العسالة
بقية الفصل الأول: الإلهيات
بقية المبحث الأول: ذات الله تعالى
لقد جمع الإمام أبو العزائم 0 بين الرأيين ليقرر أن وجود الله تعالى قضية فطرية بمعنى وضوح الأدلة وكثرة الشواهد واتساع آيات الأنفس والآفاق، ولا يمكن بحال من الأحوال أن نرفض الاستدلال على قضية وجود الله تعالى، ونصم آذاننا وأسماعنا عن شبهات المنكرين في كل زمان ومكان، الذين يرفضون الوجود الإلهي الأعلى.. فماذا نفعل مع ملايين البشر قديمًا وحديثًا من الدهريين والملاحدة والشيوعيين وأصحاب المذاهب الهدامة؟.
وإذا كان القرآن المجيد قد تحدث عن اعتقاد المشركين بخلق الله تعالى للسموات والأرض فى مثل قوله تعالى: )وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ( (الزمر: 38) فهذا ليس عامًّا، فهو حديث عن الوثنيين، الذين عبدوا الأصنام زلفى إلى الله، فوقعوا في التناقض حين أقروا لله تعالى بالخلق وتوجهوا لغيره بالعبادة، فالقرآن يخاطب كل ملة ونحلة بما يدحض اعتقادها([1]).
وبهذا يكون قد جمع الإمام أبو العزائم 0 بين أقوال المنتسبين للسلف، والصوفية، والمتكلمين والفلاسفة مما يؤكد استقلالية الإمام في آرائه، وبعد ذلك ننتقل إلى نقطة أخرى في البحث وهي إثبات وجود الله تعالى.
المطلب الثاني:
أدلة إثبات وجود الله تعالى
إثبات وجود الله تعالى عند المتكلمين:
يستدل المتكلمون على وجود الله تعالى بدليل الحدوث، هذا الدليل قال به المتكلمون، واشتهر على ألسنتهم وفي مؤلفاتهم. وهو مبني علي ثلاث قضايا علي النحو التالي: ـ
(العالم حادث – كل حادث له محدث – إذن العالم له محدث).
المقدمة الأولى والقائلة: “العالم حادث” فهي قضية نظرية نحتاج في إثباتها إلى دليل. وقد استدل المتكلمون على هذه القضية على النحو التالي: قالوا: “إن العالم يتكون من الجواهر والأعراض، وكل منهما حادث، والمكون من الحادث حادث فالعالم حادث”([2]).
رأي الإمام في دليل الحدوث:
ينتقد الإمام 0 هذا الدليل الذي يقول به المتكلمون لصعوبة فهمه، وتعقيده، حيث يقول: “بنوا أصولهم على بيان أن العالم حادث، وحدوثه لأن أجسامه مركبة من أجزاء لا تتجزأ، وأن الجزء الذي لا يتجزأ حادث، والأجسام محدثة بحدوثه. وهذه الطريقة عويصة؛ حتى على أهل الجدل والرياضة، فضلًا عن العامة، وبيان ذلك مسطور في كتبهم”([3]).
ويقول كذلك منتقدًا رأيهم في (الجوهر) وحدوثه: “أسـاس اعتـقادهم أن العالم حادث، وتفرع من هذا الاعتقـاد القول بأن الأجسام مركبة من أجزاء لا تتجزأ، وأن الجـزء الـذى لا يتـجزأ وهو ما يسمونه (الجوهر) محـدث، والأجسام محدثة بـحدوثه، وطريقتهم التي يؤمنون بها في تفصيل حـدوث الجوهر طريقة معقـدة غـامضة، لا أصل لها من الحقيقة ولا من الدين، ولا يفهمها كثير من الماديين والمتكلمين، فضلًا عن جمهور المسلمين”([4]).
وهنا نرى أن الإمام أبا العزائم 0 يؤكد على منهجه الذي يسير عليه في إثبات العقائد وهو منهج الكتاب والسنة، ويبتعد – قدر المستطاع – عن منهج علم الكلام.
إثبات وجود الله تعالى عند الفلاسفة:
اتضح لنا فيما سبق أن المتكلمين قد استدلوا علي وجود الله – تعالى – بدليل الحدوث أي حدوث العالم، والفلاسفة لم يعتمدوا ذلك بل قالوا: إن العالم قديم، فهل هذا يعنى أن الفلاسفة لم يقيموا دليلًا على وجود الله تعالى؟
نقول: “إن الفلاسفة يستدلون على وجود الله U بدليل آخر غير الوارد عند المتكلمين وهو ما يسمى “بدليل الإمكان”.
فقالوا: إن سائر الموجودات “العالم” محتاجة إلى موجود يوجدها؛ لأنها ممكنة فإذا وجدت فإن وجودها يعنى أن هناك مرجحًا رجح وجودها على عدمها، وهذا المرجح إما أن يكون: نفس الممكنات، أو جزء منها، أو خارج عنها. والقول بأن المرجح للوجود على العدم هو الممكنات أو جزء منها باطل؛ لأنه يلزم عليه كون الممكن خالق ومخلوق في وقت واحد وهو باطل، فتعين أن يكون المرجح خارج عن الممكنات، وهذا الخارج إما أن يكون مستحيلًا، أو واجبًا تبعًا للقسمة السابقة. ولا يمكن أن يكون المرجح مستحيلًا؛ لأنه معدوم فكيف يرجح وجود الممكنات على عدمها؟! فبقي أن يكون المرجح واجب الوجود وهو الله تعالي.
وقالوا: الطريقة التي نبه الكتاب العزيز عليها، محصورة في دليلين:
1- دليل العناية: عناية الله تعالى بالإنسان، وخلق جميع الموجودات من أجله.
2- دليل الإحداث والإبداع: إبداع وإحداث الأشياء الموجودة كلها([5]).
=====================
([1]) التمهيد في دراسة العقيدة الإسلامية، ا0د/ محمد سيد أحمد المسير، ط1. دار الطباعة المحمدية، 1998م
([2]) في العقيدة الإسلامية: أ.د صلاح عبد العليم إبراهيم ص34. ط: دار الطباعة المحمدية سنة 1991م
([3]) كتاب معارج المقربين للإمام أبى العزائم ص 123.
([4]) يراجع: كتاب عقيدة النجاة للإمام أبى العزائم، ص22، 23. ط دار المدينة المنورة، بالقاهرة، الرابعة، 1403هـ – 1983م.