أخبار عاجلة

أبو الحسن الشاذلي.. الصوفي المجاهد إمام السائرين إلى الله (1)

ولد بقرية (غمارة) قرب (سبتة) في المغرب، وارتحل لتونس، ثم قصد المشرق فحج مرات، وزار العراق باحثًا عن القطب الغوث، وأخبره أبو الفتح الواسطي أن القطب في بلاده، فعاد والتقى بشيخه المربي عبد السلام بن مشيش، فعين له مشوار سلوكه إلى الله، وأوصاه بوصايا جليلة، وأمره بخوض غمار سفره إلى الله وقد اكتملت ولايته….

الأستاذ صلاح البيلي

ولد بقرية (غمارة) قرب (سبتة) في المغرب، وارتحل لتونس، ثم قصد المشرق فحج مرات، وزار العراق باحثًا عن القطب الغوث، وأخبره أبو الفتح الواسطي أن القطب في بلاده، فعاد والتقى بشيخه المربي عبد السلام بن مشيش، فعين له مشوار سلوكه إلى الله، وأوصاه بوصايا جليلة، وأمره بخوض غمار سفره إلى الله وقد اكتملت ولايته.

أبو الحسن الشاذلي، هو عالم شرع كبير ومتحقق، حافظ للقرآن والحديث النبوي، مفسر وفقيه وأصولي، ومتصوف متجرد لله، سلك طريق القوم مريدًا شابًّا، وذاق الجلوة في خلوته، وانتقل سائحًا في بلاد الله مهاجرًا بدينه، وباحثًا عن ذاته، وفتح الله عليه فأصبح شيخًا للطريق، ووهبه ربه القطبانية الكبرى، فربى المريدين، وانتشر تلاميذه بين تونس والجزائر والمغرب ومصر والسودان والشام والعراق، لم يؤلف كتبًا وقال لما سئل عن ذلك: (كتبي أصحابي)، جاهد بنفسه وبالكلمة ضد فلول التتار والصليبيين على مصر، طلب من ربه أن يدفن في أرض لم يعصه فيها أحد، فكانت منيته في (حميثرا)، وهي أرض صحراء عند ميناء (عيذاب) على ساحل البحر الأحمر جنوب شرق مصر، وغسله وكفنه ودفنه أخلص تلاميذه وخليفته الأول أبو العباس المرسي، ولليوم يقصده سنويًّا عشرات الآلاف من المحبين لزيارته، والجلوس في روضته، رضي الله عنه وأرضاه، فمن هذا المجاهد الصوفي شيخ الطريق الشاذلي؟..

وصية الرسول له

بداية لنستمع معًا لهذه الحكاية التي تبرز مكانة القطب الشاذلي، يقول تلميذه وخليفته الشيخ أبو العباس المرسي 0 وأرضاه: [كنت مع الشيخ أبي الحسن في القيروان، وكان شهر رمضان، وكانت ليلة جمعة، وكانت ليلة سبع وعشرين، فذهب الشيخ إلى الجامع وذهبت معه، فلما دخل الجامع وأحرم، رأيت الأولياء يتساقطون عليه، كما يتساقط الذباب على العسل، فلما أصبحنا وخرجنا من الجامع قال الشيخ: ما كانت البارحة إلا ليلة عظيمة، وكانت ليلة القدر، ورأيت الرسول J يقول: يا علي طهِّر ثيابك من الدنس، تحظ بمداد الله في كل نفس. قلت: يا رسول الله: وما ثيابي؟ قال: اعلم أن الله قد خلع عليك خمس خلع: خلعة المحبة، وخلعة المعرفة، وخلعة التوحيد، وخلعة الإيمان، وخلعة الإسلام، فمن أحب الله هان عليه كل شيء، ومن عرف الله صغر لديه كل شيء، ومن وحد الله لم يشرك به شيئًا، ومن آمن بالله أمن من كل شيء، ومن أسلم لله قل ما يعصيه، وإن عصاه اعتذر إليه، وإن اعتذر إليه قبل عذره، ففهمت حينئذ معنى قوله تعالى: )وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ( (المدثر: 4)].

ويقول الشيخ أحمد بن عطاء الله السكندري دفين سفح جبل المقطم بالقاهرة وتلميذ أبي العباس المرسي وجامع مناقب الشيخين في كتبه (الشاذلي والمرسي)، يقول عن شيخ شيخه الشاذلي: (لم يختلف في قطبانيته ذو قلب مستنير ولا عارف بصير، جاء في هذا الطريق بالعجب العجاب، وشرع من علم الحقيقة الأطناب، ووسع للمساكين الرحاب؛ حتى لقد سمعت الشيخ الإمام مفتي الإسلام تقي الدين محمد بن علي القشيري رحمه الله يقول: ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي 0).

ويقول الشيخ مكين الدين الأسمر دفين الإسكندرية: (مكثت أربعين سنة يشكل علي الأمر في طريق القوم فلا أجد من يتكلم عليه، ويزيل عني إشكاله؛ حتى ورد الشيخ أبو الحسن فأزال كل شيء أشكل علي).

ولما قدم بعض الدالين على الله إلى السكندرية، والتقى به الشيخ مكين الدين الأسمر قال: (هذا الرجل يدعو الناس إلى باب الله، وكان الشيخ أبو الحسن يدخلهم على الله).

شهادة سلطان العلماء العز بن عبد السلام

وقال الشيخ أحمد بن عطاء الله السكندري 0 في كتابه الشهير (لطائف المنن في مناقب الشيخين أبي العباس المرسي وأبي الحسن): [أخبرني الشيخ العارف مكين الدين الأسمر 0 قال: حضرت في المنصورة في خيمة فيها الشيخ الإمام مفتي الأنام عز الدين بن عبد السلام، والشيخ مجد الدين علي بن وهب القشيري المدرس، والشيخ محيي الدين بن سراقه، والشيخ مجد الدين الأخميمي، والشيخ أبو الحسن الشاذلي 4، ورسالة القشيري تقرأ عليهم، وهم يتكلمون والشيخ أبو الحسن صامت إلى أن فرغ كلامهم، فقالوا: يا سيدي نريد أن نسمع منك، فقال: أنتم سادات الوقت وكبراؤه، وقد تكلمتم فقالوا: لا بد أن نسمع منك، قال: فسكت الشيخ ساعة، ثم تكلم بالأسرار العجيبة، والعلوم الجليلة، فقام الشيخ عز الدين وخرج من صدر الخيمة، وفارق موضعه، وقال: (اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله)].

ومع ما أنعم الله عليه من علوم وإلهام منه، كان يقول: (من لم يزدد بعلمه وعمله افتقارًا إلى ربه، وتواضعًا لخلقه، فهو هالك). وقال أيضًا: (لا تركن إلى علم ولا مدد وكن بالله، واحذر أن تنشر علمك ليصدقك الناس، وانشر علمك ليصدقك الله تعالى).

فمن هو هذا القطب المجاهد الذي وصفه سلطان العلماء العز بن عبد السلام في زمن المماليك بأنه (يتكلم بكلام قريب العهد من الله)؟..

نسبه الشريف

هو علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف ابن يوشع بن ورد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن مولانا الإمام الحسن بن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

روى نسبه هكذا الشيخ أحمد بن عطاء الله السكندري في كتابه (لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس المرسي وشيخه أبي الحسن)، وولد في قرية (غمارة) قرب مدينة (سبته) المغربية سنة 593 هجرية، حفظ القرآن صغيرًا، ثم ارتحل صبيًّا إلى تونس فتلقى العلم هناك وتفقه على مذهب الإمام مالك، وانتشر صيته في الأرجاء، فكان الشيوخ يقبلون عليه متتلمذين، ويتوق بعضهم لمناظرته تأكدًا من مكانته العلمية، فيجلس إليه، وبعد قليل يشعر المتناظر أنه أمام بحر مغرق، ولذلك قال الشيخ أحمد بن عطاء الله السكندري: (إنه لم يدخل في طريق القوم؛ حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة). أي علوم الشريعة.

عن الاسلام وطن

شاهد أيضاً

الإنسان خليفة الله في الأرض (15)

لما كان الإنسان جوهرة عقد المخلوقات وعجيبة العجائب، وقد جمع الله فيه كل حقائق الوجود …